سعت “حركة الجهاد الإسلامي” في الآونة الأخيرة لتوسيع نطاق حماية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية حيث يطلق العدو يده الضاربة في الاعتقالات والاغتيالات. وقد ارتفعت وتيرة العمليات التي يقوم بها جيش العدو في جنين ونابلس ومناطق أخرى في شكل يثير غضباً فلسطينياً عاماً ويظهر عجز السلطة الفلسطينية في أماكن انتشار أجهزتها الأمنية. وعلى اثر اعتقال الشيخ بسام السعدي، وهو قائد سياسي كبير في “الجهاد” في الضفة الغربية، حذرت الحركة العدو الإسرائيلي من المسّ بحياته، ووردت تقارير عن تحرك مجموعات من “سرايا القدس” الجناح العسكري لـ”حركة الجهاد” من أجل ضرب أي هدف إسرائيلي يمكن العثور عليه قبالة قطاع غزة في حال لم يطلق العدو سراح السعدي.
توسيع نطاق معادلة الردع لتشمل الضفة يبدو أنه محل تباين بين “الجهاد” و”حماس” في التوقيت لا في الأساس. وحركة “حماس” سبق ان قادت في أيار/مايو العام الماضي عملية “سيف القدس” دفاعاً عن المسجد الاقصى في القدس الذي يتعرض للانتهاكات الإسرائيلية اليومية بشكل استفزازي وخطير. لكن تكرار التجربة اليوم دفاعاً عن أهل الضفة له حسابات ميدانية وغير ميدانية، لا سيما ان إعمار ما تهدم بفعل عدوان العام الماضي يتم بوتيرة بطيئة.
استمرار “الجهاد” في الصمود وفي توجيه القصف إلى العمق الإسرائيلي لفترة أطول قد يؤدي إلى تداعيات، وربما يجرّ إلى انضمام “حماس” إلى المعركة. وليس في قدرة أحد أن يتنبأ بالنتائج المترتبة على ذلك كله
ويسجَّل لحركة “حماس” أنها لا تتخذ موقفاً اعتراضياً علنياً ضد بعض العمليات التي قد لا تتوافق مع تقديرها لـ”المصلحة الفلسطينية”، بخلاف ما يحصل في لبنان مثلاً، حيث يسارع مسؤولون رسميون إلى إخلاء ساحتهم من المسؤولية عن أي عمل للمقاومة اللبنانية، على غرار ما جرى مع المسيَّرات التي حلقت فوق حقل كاريش مؤخراً. بهذا المعنى، فإن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تجيد إدارة خلافاتها بطريقة تسمح بتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وعدم تظهيرها بطريقة يستفيد منها العدو.
هناك نقطة أخرى تتعلق بحركة “حماس”، وهي انها تمثل مقاومة وسلطة (حكومة) في وقت واحد، ولها مدخلية علاقات مع مصر، نافذة قطاع غزة على العالم الخارجي. والملاحظ أن “حماس” تعطي أهمية في الوقت الحالي لاستمرار الاتصالات التي بدأت قبل اندلاع المواجهة الحالية من أجل حصر نطاق التصعيد. ويرجع ذلك إلى أن الحركة تميل للحفاظ على العلاقة مع مصر وبعض الجهات الإقليمية والدولية المعنية بالملف، كما تسعى إلى حصر الأضرار التي قد تلحق بالبنى التحتية في غزة.
ويلاحظ أن الجانب الإسرائيلي أكد منذ بداية المواجهة على أنه يتجنب ضرب الأهداف المتعلقة بحركة “حماس”، وضمن ذلك يحاول حتى الآن عدم استثارة الحركة من طريق تفادي ضرب بنى تحتية أساسية او ارتكاب مجازر يمكن أن تدفع الحركة للإنضمام إلى “الجهاد الإسلامي” في “معركة المعادلات الجديدة”.
لكن السؤال هنا يتعلق بمدى تحمل العدو لاستمرار “الجهاد الإسلامي” في قصف المستوطنات والمدن المركزية الكبرى في الوسط، ولا سيما تل أبيب، وهو ما يؤدي عملياً إلى شل الحركة في كيان العدو، وتزداد أهمية هذا الاعتبار اذا حصلت ضربة أدت إلى المس بهيبة الاحتلال او صورته أمام مجتمعه الذي يجنح نحو التشدد، وهو ما ستبينه نتائج الإنتخابات التشريعية المبكرة المقررة في مطلع الخريف المقبل.
كما أن “حماس” من جهتها، ولأسباب عدة، لن تستطيع البقاء بعيداً عن الانخراط في المواجهة الحالية، لا سيما اذا حصلت مجازر إسرائيلية أو لشعور الحركة بالحرج نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي اذا طال أمده او اتسع نطاقه وارتفع عدد الضحايا.
العدو كسب نقطة في مفاجأة “الجهاد الإسلامي” بضربة قاسية استهدفت قيادات عسكرية للحركة في غزة، وجاء ذلك في وقت كان العدو يترقب ضربة من “الجهاد” ردا على اعتقال الشيخ السعدي في الضفة
بالتأكيد، غزة ليست جزيرة معزولة عن الواقع الفلسطيني العام ولا عن الواقع الإقليمي. إضافة إلى ذلك، هناك استحقاق هام يتمثل بالانتخابات الإسرائيلية في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل والتي تدفع القيادات السياسية الصهيونية لرفع وتيرة التوقعات والخطابات في التعامل مع الملف الفلسطيني. وهذا بحد ذاته يشكل أحد دوافع الميل نحو تبني مقاربة عسكرية لدى حكومة يائير لابيد التي تأمل ان تبني رصيداً سياسياً من وراء الإقدام على التصعيد الحالي في وجه الشعب الفلسطيني.
من دون شك، فإن العدو كسب نقطة في مفاجأة “الجهاد الإسلامي” بضربة قاسية استهدفت قيادات عسكرية للحركة في غزة، وجاء ذلك في وقت كان العدو يترقب ضربة من “الجهاد” ردا على اعتقال الشيخ السعدي في الضفة. وترتبط المفاجأة الاسرائيلية بمحاولة إجهاض اي تفكير فلسطيني في فرض قيود رادعة على العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية. غير أن استمرار “الجهاد” في الصمود وفي توجيه القصف إلى العمق الإسرائيلي لفترة أطول قد يؤدي إلى تداعيات، وربما يجرّ إلى انضمام “حماس” إلى المعركة. وليس في قدرة أحد أن يتنبأ بالنتائج المترتبة على ذلك كله. وفي تقديرنا أن “حماس” تعطي فرصة للإتصالات، قبل أن تقرر الخطوة التالية على ضوء تطور الموقف الميداني، وفي حال توسع نطاق المعركة، فإن الإنجاز الإسرائيلي الأمني الأخير سيفقد قيمته بسبب الخسائر السياسية والاقتصادية والأمنية التي ستنجم عن ذلك.