

تعج منطقتنا بالأحداث؛ حرب غزة والدخول العربى والدولى على خط التهدئة والتسوية غير المعروفة طبيعتها بعد إضعاف قوة الدور الإيرانى. وهذا ما أصاب الدور نفسه أيضاً عبر “حرب الإسناد” من الجبهة اللبنانية وانعكاساتها السلبية على حلفاء إيران بعد التغير الذى أصاب ميزان القوى، والذى لم يكن بالطبع لمصلحة هؤلاء مقارنة مع الوضع الذى كان سائدًا قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. أما الخسارة الاستراتيجية الكبرى فتمثلت بخسارة سوريا التى كانت القاعدة الاستراتيجية الأساسية لإيران من حيث ثقلها وموقعها فى الجغرافيا السياسية فى المشرق العربى. ولا بد من التذكير أيضاً أن العراق يتبع اليوم سياسة متوازنة وواقعية فى علاقاته الخارجية مقارنة مع السنوات الماضية.
السياسة الأمريكية مع إدارة دونالد ترامب تقوم على مفهوم «الضغط الأقصى» على إيران بشكل خاص وعلى حلفائها. يظهر ذلك بشكل خاص فى العمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين فى اليمن، وبخاصة لشل الدور الذين يقومون به لمصلحة إيران فى المواجهة غير المباشرة التى أشرنا إليها، من خلال تهديد وتعطيل الملاحة فى البحر الأحمر بما يمثله هذا الممر من أهمية استراتيجية اقتصادية لأطراف دولية وإقليمية عديدة. وقد ظهر ذلك من قبل مع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووى المعروف باتفاق (5 زائد 1) عام ٢٠١٨ فى ظل إدارة ترامب الأولى. الولايات المتحدة تعتبر أن التطورات التى أشرنا إليها تصب فى مصلحتها بدرجات مختلفة فى المواجهة المتصاعدة مع إيران.
سيناريو آخر يبقى مطروحًا وقوامه قيام إسرائيل بهجوم ضمن خطوط حمر أمريكية وبدعم من واشنطن يكون بمثابة ضربة اجتثاثية واستباقية لقيام أى قدرة نووية عسكرية تسمح لإيران بدخول “النادى النووى”
ومن نافل القول إنه برغم الخسائر التى منيت بها إيران كما أشرنا لكنها تبقى قوة إقليمية رئيسية فى المنطقة تمتلك، أسوة بالقوى الإقليمية الأخرى، أوراق تأثير فاعلة، ولو ضعف بعضها أو خسرت بعضها الآخر. صحيح أن عنوان المواجهة الأمريكية الإيرانية يتمثل بالملف النووى. ولكن هنالك ملفات أخرى فى المواجهة القائمة منها طبيعة الدور الإيرانى فى المنطقة، وأيضاً موضوع الصواريخ الباليستية الإيرانية. المثير للاهتمام أن الطرفين لا يريدان العودة إلى الاتفاق السابق المشار إليه. واشنطن ترامب كانت قد أعلنت عن ذلك وتؤكد عليه كل يوم فيما طهران التى وصلت فى تخصيب اليورانيوم إلى درجة تفوق بقليل الستين بالمائة لا تريد العودة إلى الاتفاق الذى يقيد التخصيب بدرجة لا تتعدى الأربعة بالمائة تقريبا.
ومن نافل القول أن إيران اقتربت من الوصول إلى ما يعرف بالعتبة النووية أو قدرة إنتاج رؤوس نووية التى تعنى وصول نسبة التخصيب إلى تسعين بالمائة، وبالتالى امتلاك القدرة لدخول «النادى النووى». الأمر الذى يعتبر بمثابة خط أحمر لإسرائيل التى تقوم استراتيجيتها النووية على كونها القوة النووية الوحيدة فى المنطقة ولا تسمح بوجود قوة نووية أخرى يغرها إقليمياً، وبالطبع هنالك دعم أمريكى كلى لهذا الموقف. رسائل مباشرة وغير مباشرة تتبادلها واشنطن وطهران لبناء جسور الثقة والحوار عبر أطراف إقليمية ودولية. ولكن لم يحدث أى اختراق فعلى حتى الآن يسمح بولوج باب المفاوضات بشكل مباشر حول السقف النووى عند إيران الممكن القبول به أمريكيًا. البعض يعتبر أن هنالك سباقًا مع الوقت. كل يريد عبر عدد من الأوراق التى يملكها أو يحاول الحصول عليها تحقيق موقف أفضل فى التفاوض لفرض شروطه ولكن ما زلنا بعيدين عن ذلك. البعض الآخر يعتقد أن سياسة شراء الوقت وتصريحات التهدئة والطمأنة وحسن النوايا، على قلتها، التى تصدر من هنا وهناك قادرة ربما للتوصل بمساعدة أطراف إقليمية ودولية إلى تسوية مقبولة يمكن أن تشكل الأسس لاتفاق جديد.
سيناريو آخر يبقى مطروحًا وقوامه قيام إسرائيل بهجوم ضمن خطوط حمر أمريكية وبدعم من واشنطن يكون بمثابة ضربة اجتثاثية واستباقية لقيام أى قدرة نووية عسكرية تسمح لإيران بدخول “النادى النووى”. كلها سيناريوهات على «طاولة الشرق الأوسط» الذى هو فى طور إعادة التشكل مع التطورات التى حصلت وأشرنا إليها ومع التطورات المحتملة فى تداعياتها المختلفة والتى قد تنتج عن النقاط الساخنة وتلك المشتعلة فى الإقليم.
(*) بالتزامن مع “الشروق“