“موجة إستشهاديين” تجعل “إسرائيل” في أسوأ أيامها (97)

الزيارة الاستفزازية التي قام بها أرييل شارون الى حرم المسجد الأقصى في القدس وتبعها وصوله الى رئاسة الوزراء، شكّلت شرارة إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000. عن هذه المحطة، ماذا يقول رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية"؟

يقول بيرغمان في هذا الفصل بعنوان “الحرب الشاملة” إنه مع بدء الإنتفاضة الفلسطينية الثانية “كانت أعداد كبيرة من المتورطين في هجمات “ارهابية” على مدى العقود السابقة يقبعون في سجون السلطة الفلسطينية. اذ انه بعد الهجوم الانتحاري الذي اطاح بحكومة شيمون بيريز وأدى الى توقف عملية السلام عام 1996، تيقن (الزعيم الفلسطيني ياسر) عرفات أنه يحتاج الى إبقاء كبار قادة “حماس” و”الجهاد الاسلامي” خلف القضبان على الأقل طالما انه يتفاوض مع “الإسرائيليين”، ولكن على مدى ستة اشهر، بدءاً من اكتوبر/تشرين الأول 2001، أمر عرفات باطلاق سراحهم. وقد رأى الجيش “الإسرائيلي” أن عرفات بفعلته يُحرض على المزيد من الهجمات ضد “إسرائيل” فيما كان اعتقاد جهاز “الشين بيت” ان عرفات يحاول بشكل محموم تجنب خسارة الجمهور الفلسطيني لمصلحة “حماس”. في غضون ذلك، قتل المئات من الفلسطينيين في سياق الإنتفاضة الجارية فيما قتل فقط عدد محدود من الجنود “الإسرائيليين” والمستوطنين، وهكذا فقد بدأ انتحاريو “حماس” يعادلون أرقام الخسائر”.

وينقل بيرغمان عن نائب رئيس “الشين بيت” يوفال ديسكين قوله “كلما وقع المزيد من الهجمات الانتحارية الناجحة كلما كان الدعم لحماس بالاتجاه الصحيح لتعديل النسب”.

يتابع بيرغمان “ان خسارة الاخوين عادل وعماد عوض الله وارشيف حركة حماس شكّل صفعة قوية للحركة ولكنها بدأت بعملية اعادة البناء تحت قيادة الشيخ احمد ياسين، وفيما كانت هذه العملية قائمة فان الحركة بدأت باستخدام الهجمات الانتحارية ضد المدنيين اكثر فاكثر. وفي 18 مايو/أيار 2001، وصل الى نقطة التفتيش عند مدخل سوق هاشارون قرب مستعمرة ناتانيا أحد نشطاء “حماس” وهو يرتدي معطفاً كحلي اللون، فأثار شبهة الحراس الذين اوقفوه ومنعوه من الدخول ففجر نفسه، ما أدى الى مقتل خمسة من المارة. وفي اول يونيو/حزيران 2001 قتل مفجر انتحاري آخر 21 شاباً وشابة (من المستوطنين)، معظمهم من المهاجرين اليهود الروس، كانوا يقفون في طابور لدخول ديسكوتيك عند احد شواطيء تل ابيب، وقال صاحب صالة الرقص شلومو كوهين، الذي كان سابقاً ضابط كوماندوس بحري، والأسى في عينيه “لقد كان ذلك أسوأ ما رأيت في حياتي”.

ايزحاك بن يزرائيل: “لم نعتقد ان هذه الهجمات من الممكن ان تحصل بهذا العدد الضخم، وحتى عندما راينا انها الخطر الرئيسي لم يكن لدينا اي حل لها، لا في العقيدة القتالية ولا في التسلح، اذ ماذا بامكانك ان تفعل ضد مفجر انتحاري عندما يكون سائرا في شوارعك بحثا عن المكان الذي يريد ان يفجر نفسه فيه”؟

مع نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2001، يضيف بيرغمان، “كان المهاجمون الانتحاريون يضربون في شوارع “إسرائيل” تقريباً كل اسبوع، وفي بعض الاحيان كل بضعة ايام. وفي الاول من ديسمبر/كانون الاول، تمكن ثلاثة من الانتحاريين بشكل متتابع من قتل أحد عشر شخصاً في سوق بن يهودا للمارة في القدس، وهو المكان نفسه حيث وقع الهجوم الانتحاري في العام 1997 وادى الى إتخاذ قرار المحاولة الفاشلة لقتل (القيادي في “حماس”) خالد مشعل (في عمان)، وفي اليوم التالي، فجّر انتحاري من نابلس نفسه في حافلة للركاب في حيفا متسبباً بقتل 15 شخصاً وجرح أربعين آخرين، فقال رئيس شرطة المقاطعة الشمالية عند زيارته موقع التفجير “اننا نواجه هجوما شاملا”. ولم تتوقف الهجمات بعدها، ففي مارس/اذار عام 2002 وحده قتل المهاجمون الانتحاريون 138 رجلاً وامرأة وطفلاً كما جرحوا 683 آخرين، وكان أفظع الهجمات ذلك الذي وقع ضد المارة في الطابق الارضي لبارك اوتيل في مستعمرة ناتانيا خلال سهرة عيد الفصح لـ 250 من المعوقين، فقد دخل انتحاري يرتدي زي امراة يهودية متدينة الى قاعة الاحتفال وفجّر نفسه ما أدى الى مقتل ثلاثين شخصاً، اصغرهم في العشرين من العمر واكبرهم في التسعين وجرح 143 آخرين. وكان بين هؤلاء جورج جاكوبوفيتش، احد اليهود المولودين في هنغاريا والناجي من معسكرات الموت النازية، ومعه زوجته آنا وهي ايضا من هنغاريا واحد الناجين من الهولوكوست، وكان الزوجان هناك للاحتفال بعيد الفصح مع اندريه فريد، ابن آنا من زواج سابق، وزوجته ايديت، لقد قتل الاربعة معاً”، وفق رواية بيرغمان.

ووفقاً لرئيس “الشين بيت” آفي ديتشر، كان عام 2002 “أسوأ عام لنا لجهة الهجمات الارهابية منذ تأسيس الدولة العبرية”، كما يروي لبيرغمان، وينقل الأخير عن رئيس اركان الجيش “الإسرائيلي” حينها شاوول موفاز قوله “لقد كان ذلك بمثابة الصدمة الوطنية، فقد تسبب لنا بخسائر في الارواح وبأضرار في الأمن والاقتصاد الوطنيين، فلم يعد هناك سياحة والناس باتت خائفة من الذهاب الى مراكز التسوق وخائفة من الذهاب الى المطاعم ولم تعد تستقل الحافلات”. وينقل بيرغمان عن الجنرال ايزحاك بن يزرائيل، رئيس جهاز الادارة لتطوير الاسلحة والبنى التحتية التكنولوجية (“مافات” باللغة العبرية) في وزارة الدفاع قوله انه سبق لاجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” ان واجهت مفجرين انتحاريين “ولكن لم نعتقد ان هذه الهجمات من الممكن ان تحصل بهذا العدد الضخم، وحتى عندما راينا انها الخطر الرئيسي لم يكن لدينا اي حل لها، لا في العقيدة القتالية ولا في التسلح، اذ ماذا بامكانك ان تفعل ضد مفجر انتحاري عندما يكون سائرا في شوارعك بحثا عن المكان الذي يريد ان يفجر نفسه فيه”؟

إقرأ على موقع 180  مذكرات إيلي فرزلي: زحلة تنتظر النجدة منذ 45 سنة!

يتابع بيرغمان، ان “الارهاب” بشكل عام، والهجمات الانتحارية بشكل خاص، خلقوا وضعاً غريباً ومحبطاً داخل كل من جهاز الشين بيت والجيش “الإسرائيلي”، وينقل الكاتب عن رئيس مديرية التخطيط في الجيش الإسرائيلي الجنرال غيورا آيلند قوله “كانت هناك حالة  من العقم مثيرة للجدل، فالاحباط كان كبيرا وكنا تحت ضغط شديد لفعل شيء ما، من الجانبين، من فوق (قيادة الجيش وسلسلة الامرة والقيادة السياسية) ومن تحت (الضباط والجنود في الميدان)، وكان اقاربك وجيرانك والناس في الشارع يوقفونك ويسألونك اين انتم يا قادة العسكر؟ لديكم موازنة تبلغ خمسين مليار شيكل سنوياً ماذا تفعلون بكل هذه الاموال؟ وماذا تفعلون طوال اليوم؟”

وفي غياب اية استراتيجية واضحة لكيفية الرد على الهجمات “الارهابية” الانتحارية التي تشنها “حماس”، واصل جهاز “الشين بيت” فعل ما دأب على فعله دائماً، يقول رونين بيرغمان، “وهو اغتيال الناس المحرضين على “الارهاب” والمنظمين له”!

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  المصالحة السورية ـ التركية.. آتية