“الكارثة وقعت، والهلاك وشيك”، هو الوصف الذي يلخص به الصحافي الإسرائيلي، بن كاسبيت(*)، الحالة العامة التي تُسيطر اليوم في إسرائيل، حتى بين الأوساط الأمنية العُليا كافة بسبب التقدم الذي أحرزته مفاوضات النووي الإيراني.
ففي تقرير نشره موقع “المونيتور”(**) يكشف كاسبيت عن تقييم “الموساد” بأن الإتفاق النووي الناشئ بموافقة أميركية سيكون “كارثة” على إسرائيل والمنطقة وانتصاراً مدوياً لطهران. ويوضح كاسبيت كيف أن تقييمات الموقف وافتراضات العمل التي تمت داخل الحكومة الإسرائيلية، خلال الأسبوعين الماضيين، قد أفضت إلى استنتاج لا مفر منه مفاده بأن القوى العالمية ستوقع إتفاقاً مع إيران بشأن برنامجها النووي. وهو استنتاج تلاشت معه كل الخلافات الداخلية تقريباً، بما فيها تلك التي تدور حول النووي الإيراني، لاسيما بين جهاز الموساد (الأكثر تشاؤماً) وأجهزة الاستخبارات العسكرية (الأكثر تفاؤلاً- نسبياً). وهذا ما عبَّر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، في تصريح صحفي: “عندما يتعلق الأمر بالشأن الإيراني، لا فرق بين اليمين واليسار”.
وينقل كاسبيت عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى (لم يكشف اسمه) تأكيده بأن الإتفاق سيتم توقيعه عاجلاً أم آجلاً، “لأن الرئيس الأميركي جو بايدن والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي يريدان ذلك … ولسوء الحظ، بايدن يريد ذلك أكثر من الإيرانيين. فقد استسلم الغرب لطهران في جميع البنود تقريباً… كلا الجانبين جاهز للتوقيع: الإيرانيون باتوا مقتنعين بأنهم لن يحصلوا على أكثر مما حققوا حتى الآن، وبايدن يفضل أن يتم التوقيع قبل الانتخابات النصفية،” في إشارة إلى انتخابات الكونغرس المرتقبة في تشرين الأول/نوفمبر المقبل.
انتصار إيران.. كارثة لإسرائيل
ويصف المصدر الصفقة التي على وشك التوقيع عليها بأنها “كارثة بالنسبة لإسرائيل وللمنطقة ككل، وبمثابة انتصار مدوٍ لإيران”. لأن الجمهورية الإسلامية؛ وبعد رفع العقوبات؛ ستحصل على مليارات الدولارات في السنوات القليلة المقبلة، وعلى ما يصل إلى تريليون دولار بحلول العام 2030 “فقط مقابل أن يتمكن العالم من تأخير القنبلة النووية الإيرانية شهر أو شهرين إضافيين”. وهذا، برأي المصدر الأمني، “جنون ودليل إفلاس حقيقيين.. وعلى إسرائيل أن تمنع وقوعهما “.
مصدر أمني إسرائيلي كبير: بايدن يريد الإتفاق النووي أكثر من خامنئي… كل شيئ يتم بتحريض من حليفنا الأكبر، وإسرائيل مُجبرة على التعامل مع الوضع بنفسها
وفي تعبير واضح عن استياء إسرائيل من الولايات المتحدة، يقول المصدر: “لا يوجد طرف آخر يمكنه أن يوقف إيران عند حدها. كل ما يحدث اليوم يتم بتحريض من حليفنا الأكبر.. إسرائيل مُجبرة على التعامل مع الوضع بنفسها”.
تُصر إسرائيل على أنها لن تكون مُلزمة بالإتفاق المرتقب. وفي هذا الخصوص ينقل كاسبيت عن المصدر الأمني الإسرائيلي تأكيده: “سنستمر في استخدام كافة الطرق والوسائل المُتاحة لنا لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، ولن نراعي الإتفاق المرتقب ولا أي اتفاق آخر. ليس لدينا خيار آخر. إيران نووية هي قضية خطيرة بالنسبة للغرب عموماً، لكنها قضية وجود بالنسبة لإسرائيل.. تهدد أمننا وبقاءنا”.
ويذكر كاسبيت كيف أن الآراء التي يتبناها مدير الموساد، ديفيد بارنيا، بخصوص أن توقيع اتفاق مع إيران سيكون “كارثة إستراتيجية”، قد أثبتت عدم صحة وصوابية الآراء لتي تبناها؛ خلال الأشهر الأخيرة؛ رؤساء أجهزة المخابرات العسكرية وغيرهم ممن اعتقدوا أن العودة إلى إتفاق 2015 مع إيران هي أهون الشرور من بين جميع الخيارات السيئة المطروحة حالياً على الطاولة.
“عملية احتيال”!
ثمة تفاصيل جديدة تتعلق بالصيغة الشبه نهائية للاتفاق الناشئ، زادت من مخاوف الإسرائيليين وأججت هواجسهم حول نوايا إيران في التسلح النووي، مثل إشتراط إيران عدم قبول أي إتفاق ما لم يتم إغلاق قضية الإتهامات الموجهة إليها من الوكالة الدولية للطاقة بشأن وجود آثار لليورانيوم المُخصَّب في ثلاثة مواقع غير مُعلنة.
ويعلّق كاسبيت قائلاً: “مثل هذه التفاصيل جعلت حتى أكثر المسؤولين الإسرائيليين تفاؤلاً يقتنعون أخيراً بالموقف المتشدد الذي قدمه الموساد”.
ولتوضيح الحد الذي وصلت إليه إسرائيل في مخاوفها وتشاؤمها بسبب الملف النووي الإيراني، ينقل كاسبيت عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي؛ يتابع الملف النووي الإيراني منذ البداية؛ قوله: “تأجيل التعامل مع المخاوف والنتائج المقلقة المرتقبة إلى ما بعد التوقيع كلام فارغ لا معنى له ولا قيمة”، في إشارة إلى أن الإيرانيين لن يقدموا أية تفسيرات. وأن التوقيع سيتم، ويصبح الإتفاق قيد التنفيذ، ولن ينتهكه أحد بحجة أن التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستبقى مستمرة.
ويضيف الدبلوماسي الإسرائيلي: “الحقيقة أننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف في خضم عملية احتيال إيرانية ضخمة، دون أن نتوقع أي رد فعل من القوى العالمية. الإتفاق برمته عملية احتيال. وكل التحقيقات الخاصة المُعلقة تُثبت أن إيران تسعى للحصول على سلاح نووي”.
وهذا هو لسان حال نتانياهو نفسه، الذي صرَّح مؤخراً أن الاتفاق المرتقب “يسمح لإيران بالحصول على كل شيء من دون تقديم أي شيء”.
تُقر إسرائيل بأن الإتفاق الناشئ سيحد من قدرة إيران على الاختراق النووي لمدة شهر إلى ستة أشهر على أبعد تقدير. وهذا هو بالظبط الوقت الذي تحتاجه إيران على ما يبدو لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، أي إلى ما يكفي للإستخدامات العسكرية ولتصنيع قنبلة نووية واحدة على الأقل، يقول كاسبيت.
مسؤول مخابرات إسرائيلي: ليستعد العالم للتعايش مع إيران نووية… الغرب سيجد نفسه راكعاً على قدميه.. ودول الخليج ستقدم أكثر من إعادة السفراء إلى طهران
وينقل عن مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى قوله: “المشكلة هي أننا نصل إلى تحقيق الشرط الأول في عام 2025“، بينما تمضي إيران قُدماً في الاختراق النووي. ما يعني أنه من أجل تأخير القنبلة الإيرانية شهرين، على الغرب أن يمطر طهران بمليارات الدولارات. إنها كارثة”.
الإستعداد لمواجهة النصر الإيراني
يعتقد الخبراء الإسرائيليون أنه بمجرد رفع العقوبات عنها، وتحرير حساباتها المصرفية من كل القيود المفروضة حالياً، ستحصل إيران على مليارات الدولارات في خلال أقل من عام واحد. وستحصل على نحو تريليون دولار بحلول عام 2030.
ويضيف كاسبيت: “حجم الاقتصاد الإيراني يوازي الاقتصاد الإسرائيلي. والمبالغ التي سيحصل عليها النظام الإيراني بعد رفع العقوبات تفوق الخيال، وستسمح للجمهورية الإسلامية بإغراق جميع المنظمات الإرهابية التابعة لها بالمال. وفي الوقت نفسه، الأموال الضخمة ستسمح لها بالحفاظ على قدرتها النووية وصنع قنبلة. هذا جنون مطلق، وسيتعين علينا التعامل مع كل هذا بمفردنا”.
وبحسب مسؤول استخباراتي إسرائيلي رفيع المستوى، تحدث لـ”المونيتور”، “بالنسبة لإسرائيل، هناك ما هو أكثر فظاعة من الجوانب الاقتصادية للإتفاق الوشيك. سيتعين على حلفاء إسرائيل الإقليميين التعامل والتعايش مع فكرة انتصار إيران وتحولها إلى أقوى قوة في المنطقة. وسيجد الغرب نفسه يركع على ركبتيه. نحن بدأنا بالفعل نشهد تقارباً من جانب حلفائنا مع إيران. دول الخليج بدأت تُعيد سفراءها إلى طهران، وقد تضطر لفعل ما هو أكثر من ذلك. الجميع بدأ يستعد لهذا النصر الإيراني الهائل الذي يتم برعاية الغرب”.
“سنتصدى لإيران النووية بمفردنا.. لن نراعي الإتفاق المرتقب ولا غيره.. نحن فقط من يقرر مستقبل الدولة اليهودية.. ولا أحد يجبرنا على التخلي عن أمننا”
ويبدو أن إسرائيل قد استسلمت لهزيمة حملتها الطويلة لعرقلة كل اتفاق مع إيران، رغم مساهمتها إلى في إسقاط إتفاق 2015. ويعتقد المصدر الاستخباري الإسرائيلي الكبير أن الخلاف الذي جرى في الأشهر الأخيرة بخصوص مطلب إيران “إزالة الحرس الثوري الإسلامي من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية” كان مجرد “تكتيك للمماطلة”.
وينقل كاسبيت عن هذا المصدر قوله: “لم يكن هذا المطلب استراتيجياً. كان من الواضح أن الجانبين (النظام الإيراني والحرس الثوري) سيتغلبان على هذه العقبة أو يتجاهلانها. الإيرانيون سيجدون أكثر من وسيلة لتحويل الأموال إلى الحرس وبالتالي الإلتفاف على العقوبات. إنهم خبراء في هذا المجال؛ لا بل يستحقون ميدالية بطولة العالم في هذا المجال. نحن أكثر قلقاً اليوم… إيران ستخرج من الاتفاق في عام 2030 أكثر قوة بما لا يُقاس، وأكثر قرباً لأن تكون دولة نووية. وما هو واضح وضوح الشمس أن إسرائيل ستجد صعوبة كبيرة جداً في التعايش مع ما ينتظرها”.
لا عزاء للضغط الإسرائيلي
هذا، ومن المتوقع أن تُكثف إسرائيل حملتها العلنية ضد الاتفاق خلال الأيام المقبلة. رئيس الوزراء يائير لابيد؛ الذي أصدر بياناً قاسياً في هذا الخصوص قبل أيام؛ يحث القوى العالمية على “النهوض والإنسحاب من طاولة المفاوضات”. وهو أيضاً أجرى محادثات في هذا الشأن مع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز. في الوقت نفسه، يواظب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، على التواجد في واشنطن؛ التي توجه إليها أيضاً، أمس (الخميس) وزير الدفاع بيني غانتس، لبحث ملفات عدة بينها النووي الإيراني، وسط توقعات أن لا يلقى الوفد الإسرائيلي غير البرودة ذاتها من الإدارة الأميركية. .. وأن كل المحاولات الإسرائيلية لن تثني إيران كما ولن تقنع القوى العالمية بضرورة أن يكونوا أكثر يقظة أو على الأقل أكثر قلقاً.
وبحسب المصدر الأمني الإسرائيلي الذي تحدث لـ كاسبيت: “يجب أن تكون إسرائيل مستعدة وقادرة على كبح وعرقلة قدرات إيران النووية… سنكون نحن الذين يتعين عليهم التعامل مع إيران نووية، وبمفردنا. ويجب أن نضمن أن لدينا خياراً عسكرياً موثوقاً به، وقدرة على إزالة التهديد الإيراني لوجودنا بالطرق التي نراها مناسبة. سيتم توقيع الاتفاق النووي، لكن ذلك لن يشملنا. نحن فقط من يقرر مستقبل الدولة اليهودية، ولا يحق لأي شخص أو طرف أن يجبرنا على التخلي عن أمننا الذاتي”.
(*) بن كاسبيت، متخصص بالشؤون الإسرائيلية. كاتب عمود “نبض إسرائيل” في موقع “المونيتور”. وهو أيضاً كاتب عمود ومحلل سياسي كبير في عدد من الصحف الإسرائيلية، ولديه برنامج يومي سياسي إذاعي وآخر تلفزيوني.
(**) النص بالإنكليزية على موقع “المونيتور”.