تبدو الامور مغايرة. قبل ايام، ذكر مصدر عسكري (سوري) انه نتيجة قصف اسرائيلي برشقات صاروخية على مطار دمشق والريف الجنوبي استشهد خمسة عسكريين سوريين، وأكّد المصدر أنّ وسائط الدفاع الجوي “تصدت للصواريخ وأسقطت معظمها”!
هذا في سوريا؛ اما في الحرب الدائرة وسط أوروبا، فان سلاح الجوي الأوكراني يقصف يومياً الجيش الروسي، لا بل حرّرت القوات الأوكرانية نحو 6000 كلم2 من الأراضي الأوكرانية التي إحتلها الجيش الروسي، غداة 24 شباط/فبراير 2022، وقصفت ايضا برشقات صاروخية مرابض للطائرات في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وكانت النتيجة تدمير تسع طائرات حربية روسية.
تحت عناوين متعددة تعجَّبَ الاعلام الغربي من ضعف الدفاعات الجوية الروسية. وبرغم انحياز وسائل الاعلام الغربية لمصلحة أوكرانيا، الا ان تقدم القوات الاوكرانية على الارض وتعدد الهجمات الجوية على الثكنات الروسية وتدمير الجسور بالقصف الجوي كلها تدل على ضعف بنيوي في منظومة الدفاعات الجوية الروسية. ويذهب أحد الخبراء إلى حد القول إن ما يحصل هو واحد من الألغاز التي أفرزتها الحرب الأوكرانية ولننتظر فك أحجيتها مستقبلاً.
منذ 24 شباط/فبراير وبدء ما تسمى “العملية العسكرية المحدودة”، أظهرت الدفاعات الجوية الروسية عجزها خلافاً لما كانت تردده الجيوش الغربية من أن هذه المنظومة الروسية واحدة من أكثر الدفاعات الجوية كثافة وكفاءة في العالم.
هل يخفي فلاديمير بوتين اسلحته الفتاكة ويترك جيشه ينهزم ويرمي بالشكوك حول صناعة الاسلحة الروسية ام ان العقوبات الغربية التي حاصرت الصناعات الروسية منذ عام 2014 تركت ندوباً عميقة في مسار تعزيز ترسانة الاسلحة الروسية؟
فقد تمكنت الطائرات والصواريخ الأوكرانية من اختراق “مناطق الحظر الجوي الدفاعية” المفترض أن يكون الروس قد أنشأوها في سماء قواتهم وفوق قواعدهم العسكرية، وكان الخبراء يعتبرون ـ وهذه حسابات على الورق ـ ان الجيش الروسي يمتلك أفضل ترسانة للتصدي للهجمات الجوية، وبينها بطاريات S-300 وS-400 القادرة بطبقاتها المتعددة على اكتشاف وتدمير الصواريخ الباليستية وكذلك صواريخ كروز على مسافة تزيد عن 300 كم وتصل إلى ارتفاع عال جداً. كما أن منظومة S-400 درة تاج صناعة الأسلحة الصاروخية الروسية، قادرة على متابعة عشرات الأهداف في نفس الوقت، وموسكو تصدرها إلى الصين وكذلك الى تركيا وهناك اتفاقيات لتوريدها إلى السعودية.
يفيد كل هذا ان ترسانة الجيش الروسي ذهبت ضحية “النفخ الإعلامي” من قبل الغرب!
نعم هكذا كان الامر مع العراق: روّج الاعلام الغربي، وتبعه الاعلام العربي من دون تدقيق، بأن جيش صدام حسين هو “رابع أقوى جيش في العالم” ورأينا كيف ان “عاصفة الصحراء” قضت على مقومات الجيش العراقي في 96 ساعة فقط نتيجة قصف جوي عنيف قضى على ما يزيد عن 100 الف جندي عراقي. كذلك الامر في يوغوسلافيا. لم يصمد الجيش اليوغوسلافي أكثر من أربعة ايام برغم تشبيهه بجيش سويسرا القادر على هزيمة كل من يغامر بمهاجمته.
المجهر مسلط اليوم على الجيش الروسي. حتى الآن لا يمكننا القول إنه جيش حديث بمعنى التكنولوجيا المتقدمة. يذكر الجميع القصف الاميركي الدقيق للأهداف العراقية التي كنا نتابعها عبر شاشات التلفزيون سواء في حرب الخليج الأولى أو الثانية. ومن دون اي روحية انهزامية، لا بد من التذكير بالقصف الاسرائيلي لضاحية بيروت الجنوبية في صيف العام 2006 والاصابات الدقيقة (برغم همجيتها) للأبنية المقصودة دون غيرها، بمعزل عن صحة ما سُمي “بنك الأهداف” أو عدم صحته!
هل يخفي فلاديمير بوتين اسلحته الفتاكة ويترك جيشه ينهزم ويرمي بالشكوك حول صناعة الاسلحة الروسية ام ان العقوبات الغربية التي حاصرت الصناعات الروسية منذ عام 2014 تركت ندوباً عميقة في مسار تعزيز ترسانة الاسلحة الروسية؟
في الختام، لنعد الى الارض العربية: على الاعلام العربي الحليف لموسكو عدم التلطي وراء “خطط جهنمية” تدفع روسيا لعدم التصدي للطيران الاسرائيلي، وعلى حلفاء روسيا البدء بالاعتماد على النفس بدل ترداد مقولة “الرد المناسب في الوقت المناسب”. هذا الوقت الذي حان منذ زمن طويل وما زلنا ننتظر “الرد المناسب”!.