لبنان “الحديدان”.. و”حارة كِل من إيدو إلو”

بينما يغرق الجميع في بازار الإستحقاق الانتخابي الرئاسي، برغم الفراغ المحتم الآتي، ثمة حدث في مكان آخر بعيدٍ عن بعبدا، ومؤثر عن بُعد بها وبكل من يصل إلى كرسيها، إن وصل أحد.

الإختباء خلف الأصابع لم يكن مُجدياً قبل الميلاد، ولا اليوم، والحقائق لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها لمجرّد أنها ظالمة: لبنان، هذا الأسير المنهوب، في طريقه إلى أن يكون مجدداً ساحة المواجهة الصاعدة والمحتومة بين الشمشونين: الحرب والسلام. صفّارة الانطلاق كانت.. انهيار الاتفاق النووي.

إسرائيل التي دأبت على وضع العصيّ في عجلات التفاوض في فيينّا حتى فازت بإفشال الاتفاق، ستتمكن سواء (مع يائير لابيد أو بنيامين نتنياهو) من تجاوز مشكلتها العنقودية الداخلية بإفتعال حرب “توحيدية” مع “الخارج”. وهذا الخارج لم يعد خفياً ولا نصف معروف ولا حاجة لبذل أيّ جهد من أجل تشخيصه واكتشافه. ليس سوريا مثلاً التي اخرجها الواقع المستجد من ساحة المواجهة؛ ولا “حماس” و”الجهاد” التنظيمان اللذان “لا” تحاربهما اسرائيل معاً، ولا يسع الهجوم على طرف منهما أن يكفي لـ”إنتاج” حرب من الوزن المطلوب. هكذا لا يبقى في ميدان هذا الشرق الأدنى إلا “حدَيدان”.

لبنان بما يسمى “الدولة”، ولبنان – المقاومة، ليسا في وارد إثارة حرب. الدولة منصرفة بالكامل إلى شياطينها، وخطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في هذا المجال، لا يعتريها لُبس. الرجل – الحزب ليس في وارد التسبب بحرب وسط هذه الأوضاع المُزرية.. ما لم تُفرض عليه فرضاً. أما العدو فينبغي أنه لا يريد حرباً لا يجرؤ على شنّها وسط موازين القوة المعروفة، بينما هو، على العكس تماماً، مستقتل والذين وراءه خلف البحار، على إشاعة أجواء تناسب ما يتطلبه جني المال (الإله غير المعلن للصهاينة) وتعويض نقص الطاقة الذي تسببت به السياسات الأميركية للغرب (من دون أن يطالها من كل ذلك غير.. انعكاسات مقدور عليها ويمكن للأميركي تحمّلها).

على الرأس الآخر للطاولة، يجلس الإيراني الصبور الذي يدرك أن واشنطن مهتمة بتوقيع الاتفاق النووي معه، برغم أنف إسرائيل، على الرغم من أنها لم توقّع.. والتوقيع على ما هو معروف، رغبة أوروبية أيضاً. لكن أحداً لا يرفع صوته على رغبة إسرائيل. أما طهران الواقعية، بل البراغماتية، فليست مستعجلة، وتفضّل ممارسة لُعبتها التي تمهر بها: الهجوم بضربات صغيرة مدروسة بعناية حين تلمس نكوص الطرف المقابل، والنكوص حين تتحسس تحوّل الخصم إلى المواجهة والتصعيد. تلعب بمنتهى الخفة والمراوغة لمراكمة الإنجازات مهما بدت صغيرة، ثم تهدأ وتلين كي لا تُفرّط بما تجمعه من مكتسبات.

الحصيلة المفترضة أن إيران، من وجهة النظر الإسرائيلية والغربية، “خسرت” فرصة إحياء الاتفاق النووي، وبالتالي فقد خسر “حزب الله” بالسوية أيضاً، ما يعني أن حرب استئصال الحزب باتت “حبّة ببيت النار”، ومن الطبيبعي أن يكون لبنان ميدان المواجهة. هذه هي الشائعة

المشكلة – الأزمة في كل ذلك تتمثل في أن لبنان، برؤوسه المتعددة مثل أفعى الحكاية، لم يعد يتمتع بموهبة ممارسة السياسة، لذلك يتخبّط مثل هرّ في الماء. وفوق ذلك يحبس أنفاسه التوتر الذي يغلب جرّاء الفراغ الحكومي ومعه الفراغ الموعود في الرئاسة الأولى، بينما اللاعبون الأساس يتسلّون في جلسات انتخاب خُلّبية. ولا أحد من القادة والزعماء والسياسيين يعمل لتفادي أن تأتي التسويات على حساب البلد وسيادته واستقلاله طالما أموالهم في الحرز الأميركي.. ومن يرفع الصوت، يُحاسب فوراً..

بالنسبة للمرتاحين على عروش الذهب الليِّن، فهم ينتظرون الخارج ليُكلّفهم بأدوار جديدة حول الخيارات المطروحة لمواجهة إيران ونفوذها، غير مُدركين أن طهران المعنية بإعادة الروح لاتفاقها النووي مع واشنطن، ليست مستقتلة لتحقيق ذلك، ولا ترى ضرورة لتقديم أيّ ثمن بالمقابل، بينما رئيس حكومة العدو يائير لابيد يتقدم بالشكر لكلٍ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا لمساندته في منع توقيع التوافق على الاتفاق النووي.

الحصيلة المفترضة أن إيران، من وجهة النظر الإسرائيلية والغربية، “خسرت” فرصة إحياء الاتفاق النووي، وبالتالي فقد خسر “حزب الله” بالسوية أيضاً، ما يعني أن حرب استئصال الحزب باتت “حبّة ببيت النار”، ومن الطبيبعي أن يكون لبنان ميدان المواجهة. هذه هي الشائعة.

هذه النظرة “التفاؤلية” ندر أن تجد من يدحضها. في حين أن صحيفة “بوليتيكو” الأميركية عنونت أن “إيران حققت نجاحات كبيرة في الميدان النووي ولم يعد يهمها الاتفاق الأصلي”.. وهذه علامة أهم.

وتبقى الحرب على لبنان، هذه الصفقة التي تراها إسرائيل خاسرة، حيث ستكون مضطرة، إن دخلت فيها، إلى دفع دينار ذهبي للحصول بالمقابل على بضاعة يقلّ ثمنها عن درهم من خشب. ويائير لابيد، ومثله نتنياهو، ليسا في وارد ارتكاب صفقة كهذه ودفع خسائر لا طاقة لأي اسرائيلي على تحمّلها، ليس فقط بفضل المُسيرات الخفية التي أثبتت كبير جدواها في أوكرانيا، ولا الصواريخ الدقيقة وقد عجزت اسرائيل عن كشف لغزها، بل لأن أي هزيمة أو نصف هزيمة لإسرائيل أو حتى نصر مشكوك فيه، لن يعني أقل من لملمة حقائب الهجرة وعودة ألوف قطعان المستوطنين من حيث أتوا وراء البحار.

إقرأ على موقع 180  الغاز لن ينقذ لبنان.. إنها "لعنة النفط"!

وحين تفرغ إسرائيل من المستوطنين، لن يبقى فيها أحد.. غير أهل الدار.

المشكلة الحقيقية ليست هناك، بل هنا.. في “حارة كِل مِن إيدو إلو”.

Print Friendly, PDF & Email
محمود محمد بري

كاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  أيها النواب التغييريون.. تواضعوا