الخليج العربي يبحث عن أمنه فلا يجده في.. إسرائيل!

منى فرحمنى فرح06/10/2022
ترغب إسرائيل في تشكيل تحالف عسكري علني مع دول الخليج، كجزء من إستراتيجيتها للتصدي لقوة إيران المتصاعدة في المنطقة. لكن بالنسبة لعواصم الخليج، فإن "الطموحات الإسرائيلية تُخاطر بالكثير ولا تقدم سوى القليل"، بحسب تقرير أعدته آنا جاكوبس ولور فوشر، نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" على موقعها(*).

لإحتواء ما تعتبره تهديداً إيرانياً، تسعى إسرائيل إلى إقامة تعاون عسكري كبير مع دول الخليج، وتتحدث عن “ناتو شرق أوسطي”. لكن يبدو أن مثل هذا الكلام “أسطوري”، أو في أحسن الأحوال سابق لأوانه.

لا شك في أن إسرائيل متحمسة جداً لتحقيق هكذا إنجاز. فهي؛ وبعيداً عن الأنظار؛ دأبت على تطوير علاقات أمنية ثُنائية مع البحرين وعُمان وقطر والسعودية والإمارات، على أمل إنشاء “تحالف دفاعي” علني مناهض لإيران. لقد دقَّت ناقوس الخطر، مراراً وتكراراً، بشأن نفوذ إيران المتزايد في الشرق الأوسط وتعاونها مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وقوات الحشد الشعبي في العراق. كما أنها قلقة جداً بسبب برنامج إيران النووي، وستظل كذلك حتى يتمكن المفاوضون الأميركيون من تقييد النشاط النووي الإيراني. أكثر ما تخشاه إسرائيل هو أن تستخدم طهران الأموال الكبيرة التي ستحصل عليها بعد إحياء إتفاق 2015 ورفع العقوبات لإبراز قوتها في المنطقة. كذلك تخشى من إنهيار الإتفاق النووي، لأن ذلك سيُعزّز احتمالية حصول إيران على قنبلة نووية، وبالتالي زعزعة التوازن العسكري في المنطقة وخارجها. فحتى الآن، إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط، وهي لم تعترف علناً أبداً بقدراتها النووية.

ضغط إسرائيلي

نعم، العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج تزداد قوة. فالإمارات والبحرين طبعتا العلاقات، ووقعتا “اتفاقيات إبراهام” في عام 2020، التي مهَّدت لعلاقات دبلوماسية كاملة. زار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، البحرين في شباط/فبراير والإمارات في حزيران/يونيو. وفي أيار/مايو، أبرمت إسرائيل أول اتفاقية للتجارة الحرة مع دولة عربية (الإمارات)، وباشرت محادثات لإتفاقية مماثلة مع البحرين. كما أن السُياح بدأوا يسافرون في كلا الاتجاهين. أضف إلى ذلك أن إسرائيل وافقت على بيع نظام دفاع جوي للإمارات وطائرات بدون طيار وأنظمة مضادة لها للبحرين، حيث لـ”الموساد” الإسرائيلي وجود داخل المملكة ومنخرط في تعاون استخباراتي، بحسب مسؤول كبير في وزارة الخارجية البحرينية.

لكن هناك حدوداً. فأبو ظبي والمنامة تشتركان في وجهة نظر مع عواصم خليجية أخرى مفادها أن إقامة تحالف عسكري مع إسرائيل ضد طهران ينطوي على مخاطر كبيرة للغاية ليس أقلها إثارة حرب مع إيران، عدا عن أن فوائده محدودة جداً. ومن ثم، فإن الخليجيين ينأون بأنفسهم صراحة عن أي شيء من شأنه أن يضعهم في صراع مع إيران. ومن المرجح أن يستمروا في هذا المسار، سواء نجحت محادثات الإتفاق النووي أو فشلت.

ثلاث ركائز إسرائيلية

تقوم إستراتيجية إسرائيل لمواجهة إيران في الشرق الأوسط على ركائز ثلاث:

الركيزة الأولى هي تطوير خيار عسكري موثوق لتوجيه ضربة قوية لبرنامج إيران النووي. وتضغط إسرائيل من أجل الحصول على دعم أميركي. حتى الآن، تقول إدارة جو بايدن إنها لن تستخدم القوة إلَّا كملاذ أخير.

الركيزة الثانية هي تعزيز الجهود المبذولة لتقويض برامج طهران النووية والصواريخ الباليستية؛ بما في ذلك من خلال الضغط الاقتصادي الدولي المُنسق والهجمات الإسرائيلية السرّية والإلكترونية على المنشآت الإيرانية، فضلاً عن اغتيالات كوادر إيرانية رئيسية.

أما الركيزة الثالثة فهي إقامة تحالف عسكري علني مع دول الخليج، يرى مسؤولون إسرائيليون أنه يخدم أغراضاً متعددة. فمن خلال إقناع الخليجيين بالإنضمام إلى هكذا تحالف، تهدف إسرائيل في المقام الأول إلى إنشاء نظام دفاع جوي مشترك، وبناء قدرات عسكرية للحلفاء، بالإضافة إلى ثلاث مزايا أساسية:

أولاً، على المستوى العسكري البحت؛ ومن خلال أجهزة الاستشعار الموجودة في منطقة الخليج؛ سيكون أمام الجيش الإسرائيلي ما يكفي من الوقت للرد على أي هجوم إيراني.

ثانياً، سيعزز “التحالف” فكرة أن الخيارات العسكرية لإسرائيل تتضاعف، مما يعزز موقفها الرادع. وعلى حد تعبير مسؤول أمني إسرائيلي “يجب أن ترى إيران أننا (إسرائيل والخليج والغرب) متَّحدين، وأننا نهدد حدودها بشكل مباشر. التعاون العسكري الإقليمي سيساعدنا في هذا الأمر”.

ثالثاً، سيعمل “التحالف” على تعزيز التقارب السياسي بخصوص عزل إيران، ليس فقط على المستوى العالمي ولكن أيضاً داخل الشرق الأوسط.

حذر خليجي

في الواقع، ترى إسرائيل فائدة في الإعلان عن أن مثل هذا التحالف بدأ يتبلور فعلياً. مسؤولون إسرائيليون انتهزوا فرصة زيارة بايدن للمنطقة في الصيف الماضي، ليعلنوا؛ في تصريحات ضخمتها وسائل الإعلام المحلية؛ أن دول الخليج ستبدأ قريباً في بناء نظام دفاع جوي مشترك، والإيحاء بأن إسرائيل تُكدس الخيارات لمواجهة إيران. يبدو أن السياسات المحلية قد أضافت قوة دفع لهذا النهج. ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، يريد رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد تصوير نفسه على أنه يستطيع إنجاز الكثير في مجال الدفاع والأمن. ولدى لابيد مزيد من الأسباب للعب على تحقيق التعاون العسكري الإقليمي، لأن أحد منافسيه الرئيسيين، بنيامين نتنياهو، لم يتمكن من إبرام مثل هذه الصفقة عندما كان رئيساً للوزراء (2009-2021).

الخليج يرى أن إقامة تحالف عسكري مع إسرائيل مناهض لإيران لا يتماشى مع مصالحهم.. لأنه ينطوي على مخاطر كبيرة وفوائده محدودة جداً

وبرغم التوقعات العالية التي وضعها مضيفوه، لم يُصدر بايدن أي إعلان عن “تحالف إسرائيلي إقليمي” خلال فترة وجوده في إسرائيل في تموز/يوليو. كما أن الفكرة حظيت باستقبال أكثر برودة من قبل المسؤولين الخليجيين. وعلى هامش رحلة بايدن اللاحقة إلى السعودية، قال أنور قُرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية والمستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات: “نحن منفتحون على التعاون مع إسرائيل، ولكن ليس التعاون الذي يستهدف أي دولة أخرى في المنطقة، وأنا أعني إيران على وجه التحديد”. وبالمثل، رفض وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، فكرة “الناتو العربي”، وقال في مؤتمر صحفي “إن المملكة لم تُشارك في أي مداولات حول مثل هذا الأمر”. وأضاف في وقت لاحق أن المملكة مدَّت يدها لإيران وأن المحادثات حتى الآن “كانت إيجابية، حتى لو لم تُسفر عن نتائج بعد”. وتماشياً مع تصريحات وزير الخارجية، رفض مسؤول كبير في الرياض، وبشكل قاطع، فكرة أي تحالف يجمع إسرائيل ودول الخليج، وشدَّد على أهمية إبقاء القنوات مفتوحة مع إيران.

مقاربة جديدة لإيران؟

السعودية والإمارات، اللتان؛ تقليدياً؛ اتخذتا مواقف صارمة تجاه إيران أكثر من جيرانهما الخليجيين، هما الدولتان اللتان عدلتا بشكل ملحوظ نهجهما تجاه طهران. أصبحت الرياض وأبو ظبي؛ وبشكل متزايد؛ تنظران إلى الولايات المتحدة (الضامن التقليدي لأمنهما) على أنها غير موثوق بها.

يحاول قادة الخليج خفض حدة التوتر مع إيران، وهم يفضلون قنوات الحوار والدبلوماسية على التصادم ودفع ثمن أي حرب إسرائيلية إيرانية

سبب هذه المواقف تراجع قوة أميركا مقارنة بالجهات الفاعلة الصاعدة مثل الصين، والتجربة التي عاشتها المنطقة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حول ما ستفعله واشنطن وما لن تفعله لممالك الخليج. لقد أدَّت حملة “الضغط” التي أطلقها ترامب لإخضاع إيران من خلال الإكراه الاقتصادي والتهديد العسكري إلى تصعيد التوترات في المنطقة، بينما كانت واشنطن توضح ترددها في الدفاع عن شركائها الخليجيين. وبناء على ذلك، نما لدى دول الخليج إحساس متزايد بالضعف امام الانتقام إذا تعرضت إيران لهجوم أميركي أو إسرائيلي. وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للرياض وأبو ظبي هو رد إدارة ترامب الفاتر عندما تعرضت منشآت نفط “أرامكو” السعودية وسفن تجارية في الممرات المائية الخليجية في عام 2019 لهجمات من قبل أطراف ربما تكون مرتبطة بإيران. كذلك شعرت دول الخليج بالقلق عندما اغتالت الولايات المتحدة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي. وفي الآونة الأخيرة، شعرت أبو ظبي بالغضب عندما تجاهلت إدارة بايدن الهجمات التي شنها الحوثيون في كانون الثاني/يناير 2022.

هكذا خلصت الإمارات والسعودية إلى أنه يتعين عليهما إيجاد طرق جديدة لتوفير أمنهما بشكل أفضل. وفي حين أنهما ما زالا ينظران إلى إيران على أنها تهديدٌ، وما زالا يشاركان في صد جماعات متحالفة مع إيران في مناطق الصراع (مثل اليمن)، فقد قررا إضافة الدبلوماسية إلى مجموعة أدواتهما. (لقد فعلا الشيء نفسه مع منافسين إقليميين آخرين مثل تركيا). وكما قال مسؤول كبير في الرياض، “الدبلوماسية لا تكون فقط مع الأصدقاء”.

إقرأ على موقع 180  بن غفير.. الكاهانية مسكونة بكراهية العرب!

الرياض لا تريد حرباً

في أعقاب الهجمات التي وقعت في منتصف عام 2019، أرسل ولي عهد الإمارات آنذاك محمد بن زايد (أصبح حاكما للبلاد) العديد من كبار مسؤوليه الأمنيين، بينهم شقيقه ومستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد، إلى طهران، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، لمناقشة قضايا الأمن البحري والمساعدة في تهدئة التوترات. وفي أوائل عام 2021، وسَّع البلدان حوارهما، وبلغ ذروته بعدما قام مسؤولون إماراتيون كبار، بينهم طحنون، بعدة زيارات إلى إيران. وفي آب/أغسطس 2022، أعلنت الإمارات عن استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بشكل كامل، وعيَّنت سفيراً لها في طهران لأول مرة منذ ست سنوات.

وبالتوازي، أطلقت القيادة السعودية مبادرتها الخاصة، وأرسلت رئيس استخباراتها للقاء وفد إيراني في بغداد. حتى الآن، إلتقى مسؤولون استخباراتيون وأمنيون سعوديون وإيرانيون خمس مرات، كان آخرها في نيسان/أبريل الماضي، وناقشوا المخاوف الأمنية الإقليمية، بما في ذلك الحرب في اليمن.

 الإمارات حلَّت محل الصين كأكبر مُصدر للسلع المُصنعة إلى إيران، وزودتها بـ 68% من وارداتها غير النفطية

يحاول قادة دول الخليج خفض حدَّة التوتر مع إيران، وهم لا يرون أن الإنضمام إلى تحالف عسكري مع إسرائيل مناهض لإيران يتماشى مع مصالحهم. في الواقع، إنهم قلقون من أن ذلك يمكن أن يُلحق بهم ضرراً خطيراً. إنهم قلقون بشكل خاص من أن نهج إسرائيل التصادمي تجاه إيران سوف يستدعي انتقاماً إيرانياً قد يصبحون فيه ضحايا جانبية. وفي هذا الخصوص، شدَّد مسؤول سعودي على أن “الرياض لا تريد حرباً أو مواجهة مع إيران. بالطبع لا. آخر شيء نريده هو أن نعلق في خضم حرب بين إسرائيل وإيران”. من جانبها، أوضحت طهران أنه في حين أنها ستتسامح مع تطبيع دول الخليج علاقاتها مع إسرائيل، فإنها ستتصرف عسكرياً إذا سمحت لإسرائيل باستخدام أراضيها في عمليات عسكرية أو استخباراتية تستهدف إيران.

تعاون أمني.. غير معلن!

هناك أيضاً اعتبارات سياسية داخلية. قد تواجه حكومات دول الخليج رد فعل عنيف في الداخل إذا سارعت في الإقتراب من إسرائيل أكثر من اللازم. فقد أظهر استطلاع رأي أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” مؤخراً، إن الشعوب الخليجية ترفض التطبيع، وأن الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية لا يزال مرتفعاً جداً في جميع الدول العربية، بما في ذلك الخليج. ولكن في حين أن القضية الفلسطينية قد لا تكون العقبة الرئيسية أمام قادة دول الخليج، غير أنه لا يمكنهم استبعادها تماماً أيضاً؛ فهم يشعرون بالقلق إزاء تأثير التطبيع على التوترات مع إيران أكثر من قلقهم من شعوبهم.

على هذه الخلفية، فإن النهج المفضل للإمارات هو موازنة علاقاتها مع إيران وإسرائيل. وبالتالي، ستعمل على بناء علاقات اقتصادية وتكنولوجية وأمنية مع إسرائيل دون مستوى تحالف عسكري، وفي الوقت نفسه ستعزز التعاون الاقتصادي مع إيران. في السنة المالية الإيرانية الأخيرة (المنتهية في 31 آذار/مارس)، حلَّت الإمارات محل الصين كأكبر مُصدر للسلع المُصنعة إلى إيران (زودتها بـ 68% من وارداتها غير النفطية).

بدورها، تحاول السعودية أيضاً تحقيق التوازن بين علاقاتها الأمنية والاقتصادية غير الرسمية مع إسرائيل وتفعيل الحوار مع إيران. خلال زيارة بايدن للمملكة في تموز/يوليو، ولدى سؤاله عن التطبيع مع إسرائيل، ربط وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجُبير، الأمر بحل القضية الفلسطينية، مستشهداً بمبادرة السلام العربية التي رعتها الرياض عام 2002 (التطبيع مقابل الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 و “تسوية عادلة” للاجئين الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية). كما رفض وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، تساؤلات بشأن التحرك نحو التطبيع خلال زيارة بايدن. ويُقال إن الملك سلمان شخصياً يعارض التطبيع. لكن في آذار/مارس، اتخذ نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يشغل الآن منصب رئيس الوزراء، موقفاً أكثر ليونة إلى حد ما، عندما قال في تصريح صحفي: “نحن ننظر إلى إسرائيل كحليف مُحتمل، ولكن قبل ذلك يجب أن تحل مشاكلها مع الفلسطينيين”. يجري التعاون الأمني ​​الهادئ بين السعودية وإسرائيل منذ عقود. ومن المرجح أن تستمر بعيداً عن الأنظار لوقت ما. في غضون ذلك، ستواصل الرياض الحوار مع طهران حول كيفية خفض درجة التوتر في الخليج.

إصرار إسرائيلي

على الرغم من التحفظات الخليجية، لا تكلّ إسرائيل من طرح فكرة “حلف شمال أطلسي في الشرق الأوسط”. ويبدو أن عدداً كبيراً من كبار المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن دول الخليج، مثل الإمارات، ستُغير موقفها بمرور الوقت، خاصة إذا زاد التهديد الإيراني. وهم يحاولون إقناع الإماراتيين وغيرهم بأن توحيد وسائل الدفاع، على سبيل المثال من خلال منح الجيوش الخليجية إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الرادار الإسرائيلية كجزء من نظام دفاع جوي مشترك، سيكون ذا فائدة مشتركة. ويقول مسؤولون إسرائيليون “نحن لا نطلب من الخليجيين، ولا نريدهم، أن يكونوا في مواجهة مباشرة مع إيران”. لكن ما يقلق قادة الخليج هو أن الصراع بين إسرائيل وإيران قد يكون له تأثير سلبي على المنطقة سواء أرادت إسرائيل ذلك أم لا. تتشارك دول الخليج القلق من أن “حلف ناتو في الشرق الأوسط” سيجعل إسرائيل تواقة أكثر للصراع، وإيران أكثر عدوانية. وهذا يجعلهم أكثر عرضة لرد إيراني، خاصة إذا كان لديهم تطبيع مع إسرائيل.

مسؤولون إسرائيليون آخرون (يمثلون الأقلية) لديهم نظرة أكثر واقعية لنوايا دول الخليج. بعض هؤلاء تحدث لـ”مجموعة الأزمات الدولية” عن انطباعهم بأن حكومات الخليج؛ مثلها مثل إسرائيل؛ “لديها مخاوفها بشأن القوة العسكرية المتنامية لإيران، لكنها ليس لديها سوى متابعة الحوار مع طهران”. وأشاروا إلى أن دول الخليج ليس لديها القدرة الكافية لردع إيران عسكرياً. يدرك هؤلاء المسؤولون أن التحالف الإقليمي لن يساعد بالضرورة دول الخليج في هذا الصدد، لأن لا أحد سيمنحهم قدرات ردع كافية (لا إسرائيل ولا حلفاؤها الغربيون)، خاصة وأن إسرائيل تعمل لتبقى وحدها صاحبة التفوق العسكري والتكنولوجي على جيرانها. علاوة على ذلك، فإن التحالف العسكري لن يلغي الخطر الذي قد تتعرض له دول الخليج عند أي مواجهة عسكرية مع إيران، لأن “إسرائيل لن تكون مظلة عسكرية للمنطقة” على حد تعبير مسؤول إسرائيلي كبير.

ماذا بعد؟

تعتزم إسرائيل الإستمرار في الضغط من أجل تعزيز التعاون العسكري الإقليمي كحصن منيع ضد القوة الإيرانية والتهديد النووي. في ضوء الرفض الخليجي يبدو أن المكان البديل الوحيد لبناء جسور هو القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، التي تمنح إسرائيل؛ وللمرة الأولى؛ مقعداً على طاولة واحدة مع ضباط من الجيوش الإقليمية ونظرائهم الأميركيين. كما تسمح لها أن تشارك في اجتماعات وتدريبات إقليمية دون تعريض حكومات الخليج (خاصة تلك التي لم تُطبع) لانتقادات في الداخل، وتوفر لها “منصة” لتطوير علاقات عسكرية ثُنائية مع مزيد من دول الخليج.

ومع ذلك، قد لا يؤدي كل هذا إلى بلورة “ناتو شرق أوسطي”. فهذا أمرٌ لا يريده الخليج ببساطة. فقد أوضح مسؤولون في الرياض وأبو ظبي والدوحة أنهم سيُفعّلون المسار الدبلوماسي مع طهران بغض النظر عن مصير المحادثات النووية. وفي الوقت نفسه يستعدون بالفعل لاحتمال تصاعد التوتر في الإقليم بسبب انهيار المحادثات النووية، أو بسبب التغيير المرتقب في القيادة الأميركية بعد انتخابات 2024، أو لأسباب أخرى. وإذا ما ظهر مثل هذا السيناريو، فإنهم يعتقدون أنهم سيكونون في وضع أفضل إذا ركَّزوا على تفعيل قنوات الإتصال والتواصل مع إيران، وربما حتى توسيعها بدلاً من الإنضمام لإسرائيل في ترتيب أمني تصادمي قد يأتي بنتائج عكسية عليهم.

– النص بالإنكليزية على موقع “مجموعة الأزمات الدولية“. 

(*) آنا جاكوبس، متخصصة في شؤون دول الخليج، الدوحة، ولور فوشر مخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  تفاقم الخوف على الديموقراطية في أمريكا