“في مطعم راقٍ في طهران، تجلس مجموعة من النساء – وقد تركن حجابهن يتدلى حول أكتافهن في حين يُفترض أن يغطين به رؤوسهن – وهن يتبادلن الحديث على وقع موسيقى غربية تصدح في المكان، فيما لون الطلاء على أظافرهن المشذبة يلمع وسط دخان سجائرهن.
كل واحدة منهن تمثل، بطريقتها الخاصة، فِعلُ تحدٍ للنظام الإسلامي المتشدّد الذي ولدن في كنفه، مثل أكثر من نصف سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة. نزعة التحدي هذه باتت ظاهرة تنتشر وسط المجتمع الإيراني. وقد وصلت إلى ذروتها في 18 حزيران/يونيو الماضي، عندما قاطع أكثر من نصف عدد الناخبين الانتخابات الرئاسية، متجاهلين دعوات أطلقها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يحثهم فيها على المشاركة في عملية الاقتراع. وبسبب هذا الفعل النادر من العصيان المدني، كانت نسبة الإيرانيين الذين شاركوا في التصويت 48.8 في المائة فقط، وهي أقل نسبة مشاركة في انتخابات رئاسية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. كما أن نحو 3.7 مليون ممن دخلوا مراكز الاقتراع أفسدوا أوراق التصويت (أوراق لاغية وهي إما بيضاء أو تضمنت أسماء من خارج تلك التي أجيز لها الترشح للإنتخابات). وبدلاً من تحقيق الشرعية الشعبية التي كان يتوق إليها لنظامه الثيوقراطي، واجه المرشد الأعلى الرفض من الجمهور.
الإنتخابات الأخيرة.. إشارة
حصل ذلك في لحظة حاسمة. فالفترة الحالية تُعتبر مهمة جداً، ومن المتوقع أن تُحدد مصير إرث خامنئي. كما يُتوقع أن تحدد ما إذا كان بإمكان خامنئي، البالغ من العمر 82 عاماً، العمل على تضييق الفجوة الحاصلة بين أيديولوجية النظام وتطلعات الشباب الإيراني ليتمكن من تشكيل الفصل التالي من الجمهورية الإسلامية.
يقول أحد المنتمين للتيار المتشدد، وكان قد شارك في الحملة الانتخابية لإبراهيم رئيسي: “يجب أن نستعد لفترة ما بعد خامنئي. هناك الكثير من المطلوب فعله يقع على عاتق رئيسي، الخليفة المحتمل الذي فضله المرشد الأعلى على غيره من المرشحين”، ويأمل أن يجلب رئيسي التوازن والإستقرار للنظام المنقسم بين محافظين وإصلاحيين.
ويقول مصدر مقرب من خامنئي إن الأخير، الذي قاد إيران لمدة 32 عاماً، مصممٌ على تأمين مستقبل الجمهورية وضمان انتقال سلمي بعد وفاته. ويضيف أنه من المرجح أن يؤدي الإقبال المنخفض الذي شهدته الانتخابات الأخيرة إلى تسريع النظر في الحاجة إلى إحداث تغييرات حقيقية في البلاد، بما في ذلك إدخال تعديلات محتملة على الدستور. لأنه إذا استمر الإنشقاق والانقسام الحاصل اليوم بين الناس وقادتهم في الاتساع، وظلَّت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة من دون حلول، فهذا يعني أن هناك خطراً بأن تنتقل الاحتجاجات من صندوق الإقتراع إلى الشارع. وهو تهديد يثير مخاوف القادة: أن تنفجر الاحتجاجات الاجتماعية وتتطور إلى اضطرابات بدون ضوابط على غرار تلك التي أطاحت بآخر شاه (محمد رضا بهلوي) وأتت برجال الدين إلى السلطة عام 1979.
مصدر مقرب من خامنئي: “الناس غاضبون ويتألمون، ويشعرون بالأذى. لا يمكن أن تقف ساكناً وهناك شرارة تشتعل داخل برميل من البارود”
ويضيف المصدر المقرب من خامنئي: “الناس غاضبون ويتألمون، ويشعرون بالأذى. لا يمكن أن تقف ساكناً وهناك شرارة تشتعل داخل برميل من البارود. النظام يتعامل مع ما حدث أثناء الانتخابات الأخيرة على محمل الجد ويعتبرها إشارة. لذلك، سوف يتخذ خطوات عاجلة لمعالجة المشاكل السياسية والاقتصادية، وسيمنح المزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية لتخفيف الضغط عن الناس”.
لا يؤمنون بنا
إنها رواية تتناسب مع الصورة الأكثر ليونة التي حاول رئيسي، وهو رجل دين محافظ، إبراز نفسه من خلالها. وعلى ما يبدو فان رئيسي عازم على تبديد تلك الصورة التي طُبع بها كرئيس قضاء صارم أشرف على إعدام آلاف السجناء السياسيين في فترة ثمانينيات القرن المنصرم المضطربة (كما يزعم البعض).
ويبدو أن الرسالة التي يحرص المحافظون على إيصالها هي أن القيادة التي يمثلها رجال الدين اليوم قد أدركت أن التغييرات تتسرب عبر المجتمع الإيراني، وبدأت تقبل، ولو على مضض، حقيقة أنها لم تعد قادرة على ضبط سلوك الإيرانيين وفق إيقاع إملاءاتها. لكن آخرين يخشون من أن التيار المتشدد، الذي حقق أفضل ما لديه منذ ما يقرب من عقد من الزمان، سوف يستغل انتصار رئيسي لسحق المعارضة، إيذاناً بفصل كئيب آخر للإصلاحيين الذين يتم الدفع بهم أكثر من أي وقت مضى في أتون البرية السياسية (أي سحب الصلاحيات منهم وحرمانهم من المناصب والسلطة والنجاح).
يرى سعيد ليلاز، وهو محلل سياسي محسوب على التيار الإصلاحي، أنه “سيتم كبح جماح السياسيين الإصلاحيين.. وهذا يعني أن القيود باقية وقد تزداد حدتها. في النهاية، البونابرتية [الجهة الأقوى] هي من سيحكم في إيران لتحقيق الإستقرار، ونحن الآن نتحرك في هذا الاتجاه”.
ويقول محللون إنه لن تكون هناك تغييرات في السياسة الخارجية القوية لإيران، بما في ذلك دعمها للجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة وتوسيع برنامجها الصاروخي. كما لا يتوقع المحللون أي تراجع في مهام جهاز الأمن الداخلي “المخيف”.
وكان رئيسي قد أعلن أن حكومته ستواصل المحادثات مع القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه سيتخذ موقفاً أكثر صرامة في هذا الشأن. وفي هذا الخصوص، يقول محللون إن رفع العقوبات الأميركية وتخفيف الضغوط الاقتصادية المفروضة على الجمهورية انجازان مطلوب تحقيقهما من قبل الرئيس المنتخب حديثاً إذا ما أراد أن يثبت نجاح عهده، لا سيما وأنه يرث اقتصاداً منهكاً ومتهالكاً.
كان من جملة ما قاله قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني لأبناء وطنه أن بقاء النظام أولوية “قبل الصلاة وقبل الصوم”
ومع ذلك، يتوقع ليلاز وآخرون أن يسمح التيار المتشدد، في نهاية المطاف، بحدوث إنفتاح في المجتمع الإيراني – على الصعيد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي – وذلك بهدف جذب ناخبي الطبقة الوسطى وتمكين التيار المتشدد من السيطرة أكثر وتمديد فترة حكمه في البلاد حيث يستمر أفراد المجتمع الإيراني المتمرسون في التكنولوجيا والمثقفون والمطلعون في اختبار الحدود الاجتماعية التي يمكن اختراقها.
وفي هذا الصدد، يقول محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإصلاحي الأسبق (محمد خاتمي): “هذا مجتمع سيبقى يرفع سقف مطالبه طوال الوقت، وبالتالي سيكون من الصعب جداً قمعه. الجيل الجديد لم يعد يؤمن بنا على الإطلاق. أبناء هذا الجيل يريدون إصلاحات على مستوى المعايير الدولية، وهم يتصرفون على هذا الأساس”.
الحفاظ على النظام
طوال تاريخ الجمهورية الإسلامية، لجأ القادة الشيعة في إيران إلى البراغماتية لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية وفي الوقت نفسه الحفاظ على قبضتهم على السلطة. وفي ذروة الحرب الإيرانية – العراقية، في ثمانينيات القرن المنصرم، كان من جملة ما قاله قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني لأبناء وطنه أن بقاء النظام أولوية “قبل الصلاة وقبل الصوم”.
بطريقة بارعة وأكثر معاصرة، استخدم المرشحون المحافظون تكتيكات مماثلة خلال المناظرات التلفزيونية التي شاركوا فيها قبيل الانتخابات الرئاسية. ففي حين وعد أحد مرشحي التيار المتشدّد بأن تضم حكومته امرأتين واثنين من المسلمين السنة وإدخال “تغييرات هيكلية” في بنية النظام، تفاخر رئيسي بأنه افتتح حديقة خاصة للنساء في مدينة مشهد الدينية، منتقداً سلفه الوسطي الرئيس حسن روحاني لعدم بذل المزيد من الجهد كرئيس للدفاع عن حقوق المرأة، ولأنه فشل في تعيين وزيرات في حكومته.
ويرى أبطحي أن أعظم نجاح حققه التيار الإصلاحي كان تضييق الفارق بين اللغة التي يستخدمها مناصروه واللغة التي يستخدمها مناصرو التيار المتشدد، إلى درجة أن هذا الأخير ينطق اليوم بأشياء لم يكن الأول ليجرؤ على طرحها قبل 10 سنوات. وعندما ينظرون إلى عائلاتهم وأطفالهم وأحفادهم اليوم سيجدونهم، مثل بقية أفراد المجتمع، يقضون جُل وقتهم على الهواتف الذكية. فإذ يكون ثمة خيار بين بقاء الأيديولوجيا أو بقاء النظام السياسي، فإنهم بالتأكيد سيضحون بالإيديولوجيا. الحفاظ على النظام هو الأساس والهدف النهائي لكل من السياسيين الإصلاحيين والمتشددين على حد سواء. الاختلاف في ما بينهم هو فقط حول ما يجب القيام به. فالاصلاحيون يعتقدون أنه لا يوجد خيار سوى الانفتاح لمواكبة تطور المجتمع والعالم المتغير.
إذ يكون ثمة خيار بين بقاء الأيديولوجيا أو بقاء النظام السياسي، فإنهم بالتأكيد سيضحون بالإيديولوجيا
ومع ذلك، يتطلع المحافظون، الذين عادة يتجنبون الذوبان في العلاقات مع الغرب، إلى الداخل للحصول على إجابات، ويروجون لإمكانية نجاح النظام في أن يصبح قوة عسكرية إقليمية، مع سيطرة حلفائه ووكلائه في العراق ولبنان وسوريا واليمن. وهم أيضاً يجادلون بأن أي إخفاقات تشهدها الجمهورية إنما هي نتيجة عقود من العقوبات التي فرضها الغرب، ونتيجة تداعيات الصراعات داخل النظام، وليست بسبب الإيديولوجيا. فـ”مراكز القوى المعارضة تسببت في إضعاف الحكومة وجعلها غير فعَّالة وغير قادرة على الوفاء بوعودها لأنهم أعاقوا بعضهم البعض”، بحسب محمد مهاجري، المعلق التلفزيوني المحسوب على التيار المحافظ.
ويعزو محللون إيرانيون التوترات الحاصلة إلى النظام السياسي الفريد الذي أسّسه الخميني بعد ثورة 1979، والذي وضع المرشد الأعلى في قمة هرم السلطة وعلى رأس رئيس وبرلمان منتخبين بشكل مباشر. وفي ما بينهما يجلس الحرس الثوري النخبوي، المؤسسة الأقوى في الجمهورية، والقوة الإيديولوجية التي تدين بولاء لا يتزعزع لكل من المرشد الأعلى؛ وكبار رجال الدين، المحافظين جداً؛ والسلطة القضائية هي أيضاً من معاقل المتشددين.
تعديلات دستورية
يهيمن المحافظون كذلك على مجلس صيانة الدستور، الذي، مع نصف أعضائه الاثني عشر المعينين من قبل المرشد الأعلى، يستطيع أن يُقرّ أو يرفض مشاريع القوانين التشريعية. ويهيمنون أيضاً على مجلس الخبراء، الذي من صلاحياته تحديد من يخلف المرشد الأعلى (خامنئي). إنه هيكل يضمن أن يتمتع المرشد الأعلى بالسلطة المطلقة في جميع مجالات السياسة، مع سيطرة التيار المتشدد على كل من الجهاز الأمني والقضاء، وهما الأدوات التي بها تضمن السلطة إبقاء الشعب تحت السيطرة (…).
ويشير العديد من الإيرانيين إلى الفترة التي تولى فيها محمد خاتمي، الرئيس الإصلاحي الوحيد لإيران، الحكم لولايتين متتاليتين (1997 – 2005) على أنها “العصر الذهبي”. لكن خاتمي خلفه رئيس شعبوي ومتشدد، هو محمود أحمدي نجاد، الذي قاد حملة قمع وحشي ضد متظاهرين خرجوا يطالبون بالديموقراطية وسط مزاعم بسرقة انتخابات عام 2009.
ثم جاء حسن روحاني، وأثار حقبة أخرى من التفاؤل الحذر عندما تعهد بتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته إيران مع القوى العالمية مقابل رفع العقوبات والتعامل مع الغرب. لكن قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالتخلي عن الصفقة في 2018 وفرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، حطم كل تلك التوقعات. لقد تسبب ترامب بقراره هذا في إنهيار الاقتصاد الإيراني، وفي تغذية الشعور باليأس لدى الشعب الإيراني، إلى درجة أن حوالي 30 مليون ناخب فضلوا البقاء في منازلهم في يوم الانتخابات الأخيرة.
مصدر مقرب من خامنئي يقول إنه يجري مناقشة فكرة إدخال تغييرات محتملة على الدستور من أجل تشكيل حكومة أكثر توافقية. ومن هذه التعديلات الانتقال إلى نظام برلماني ينتخب أعضاؤه رئيساً للوزراء يحل مكان الرئاسة
كل من تلك الرئاسات شابها صراع على السلطة بين المعسكرين المتنافسين. والآن، يبدو أن خامنئي مصممٌ على إنهاء هذا الوضع مع رئيسي، الذي تم تمهيد الطريق أمامه إلى الرئاسة بعد أن منع مجلس صيانة الدستور كبار الإصلاحيين ومنافس محافظ ذي مصداقية من خوض الانتخابات.
مصدر مقرب من خامنئي يقول إنه يجري مناقشة فكرة إدخال تغييرات محتملة على الدستور من أجل تشكيل حكومة أكثر توافقية. ومن هذه التعديلات الانتقال إلى نظام برلماني ينتخب أعضاؤه رئيساً للوزراء يحل مكان الرئاسة. وقد أثار معلقون إيرانيون هذه الاحتمالات علناً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، يصر مصدر آخر مقرب من النظام على أن التغيير الدستوري المفترض ليس موضع نقاش. ويجادل بأن “هناك نوعاً من التوازن ينضج بين الحكومة والشعب. لقد توصل الناس بطريقة ما إلى اتفاق: إما أن تغطي نفسك بالشادور [عباءة للنساء لتغطية الجسم بالكامل]، أو تغطي نفسك بمنديل؛ وتعزف الموسيقى وتشرب في منزلك”.
الدين مقابل المجتمع
ومع ذلك، فإن المكاسب الاجتماعية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، مثل التساهل غير المعلن مع النساء حول كيف يرتدين الحجاب، وفتح المجالات واسعة أمام حرية الوصول إلى خدمات الإنترنت، تراجعت كثيراً وبشكل بائس وأصبحت أبعد ما يكون عن متطلبات العديد من جيل الشباب الإيرانيين.
تقول ديلارام (20 عاماً)، وهي طالبة في جامعة طهران: “لا أمل لدينا في المستقبل”.
وديلارام هي الوحيدة من بين 12 فتاة من أفراد عائلتها، التي بقيت في إيران، فيما سعت الأخريات لتأسيس حياة جديدة في الغرب. وعندما كان أصدقاؤها وعائلتها يتناقشون ما إذا كانوا سيصوتون في الانتخابات الأخيرة، كانت الرسالة الغالبة “إياك أن تفعل ذلك”.
وتعترف ديلارام بأن التغييرات التدريجية التي شهدتها إيران على مدى السنوات الخمس الماضية تعني “أننا وصلنا إلى مستوى من الحرية في الطريقة التي نرتدي بها ملابسنا أو نتصرف بها.. لم نكافح من أجل ذلك، فقد حدث الأمر بشكل تدريجي.. لقد تعلمنا من الغرب ولا يمكن للحكومة أن تتراجع عن هذه التغييرات”. وتضيف ديلارام، بينما ينزلق حجابها إلى مؤخرة رأسها، بأنها تخشى أن ينقضَّ رئيسي وباقي المتشددين المتمكنين على التغييرات المتواضعة. وتقول: “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحدث مع رئيسي هو أن تسوء الأمور لدرجة أن شيئاً سيئاً للغاية مثل [الاضطرابات] يمكن أن يحدث”.
على الجانب الآخر من الانقسام الإيديولوجي، يُصر عباس سليمي نامين، مدير مركز أبحاث محسوب على التيار المحافظ، على أن رئيسي سيعمل على تضيق الفجوة الحاصلة بين السلطة والشعب. ويقول إنه “مرن” تجاه الحريات الاجتماعية والسياسية. لكنه يصر على ضرورة وجود خطوط حمراء على أساس “المبادئ الدينية”.
وفي تفسيره لمنطقه، يتهم نامين “الصهاينة” والرأسمالية الغربية بتدمير مؤسسة الأسرة “باسم دعم المرأة”. ويقول: “ربما يتأثر جزء من مجتمعنا بالدعاية [الغربية]. العديد من الشباب يرغبون بتجربة ظواهر جديدة لأنهم لم يدرسوا ماضيهم. لكن هذه التجارب لن تستمر على المدى الطويل، وسيعودون إلى هويتهم الخاصة”.
تقول ديلارام، التي شارك والدها في ثورة عام 1979 عندما كان طالباً في جامعة طهران لكنه نادم على ذلك الآن، “لقد تبين لنا أننا لا نستطيع إحداث أي فرق مهما فعلنا. إنهم أقوى منَّا بكثير”.
“لا” مدوية في الإنتخابات
ينظر العديد من الإيرانيين إلى مثل وجهات النظر هذه على أنها دليل على أن المحافظين بعيدون عن الواقع. يلقي مصدر مقرب من خامنئي باللوم على رجال الدين المسنين لفشلهم في تحقيق القيمة الإسلامية الأساسية – العدالة. لكن الناشطة في مجال حقوق المرأة فائزة هاشمي رفسنجاني تقول إن الإيرانيين فقدوا الثقة بالإصلاحيين والمتشددين على حد سواء. وهي تشبّه الانتخابات الأخيرة بـ”الاستفتاء” على سياسات النظام، وقد تمخضت عن “لا” مدوية في وجه النظام.
وتعتقد فائزة، وهي ابنة الرئيس السابق الراحل هاشمي أكبر رفسنجاني، الذي غير موقفه من محافظ إلى براغماتي، أن الطريق الوحيد للمضي قدماً هو “الطريق الثالث”. وتضيف: “ما يمكننا فعله الآن لنيل حقوقنا هو إعلان العصيان المدني وتنظيم احتجاجات، ولكن ليس في الشوارع. على سبيل المثال، عندما نتحدث عن حرية إرتداء الحجاب كما يحلو للمرأة، وعندما نرى المزيد من النساء يركبن الدراجات في الشوارع، فإننا نسير في هذا الاتجاه”. وعن ردة فعل الساسة الإصلاحيين تجاه أفكارها تقول فايزة: “إنهم يسألونني لماذا تقولين هذه الأشياء؟ نحن [سياسيو التيار المتشدد والتيار الإصلاحي] نجلس في قارب واحد وسنغرق جميعاً معاً” (…).
شاركت ديلارام والعديد من زملائها الطلاب في التظاهرات التي خرجت في شوارع إيران في كانون الأول/ديسمبر 2019 ضد ارتفاع أسعار الوقود. لكنها كانت تجربة غير سعيدة بالنسبة لديلارام. فقد تم إلقاء القبض على زملائها، وهي نفسها كانت شاهدة على العنف الذي كان عناصر النظام يمارسونه ضد المتظاهرين.
تقول ديلارام، التي شارك والدها في ثورة عام 1979 عندما كان طالباً في جامعة طهران لكنه نادم على ذلك الآن، “لقد تبين لنا أننا لا نستطيع إحداث أي فرق مهما فعلنا. إنهم أقوى منَّا بكثير. وعندما نشارك في احتجاجات لا نجد من يدعمنا. مشكلتنا ليست مع الدين. مشكلتنا أننا لا نريد دولة إسلامية. من حق الناس أن يختاروا كيف يريدون أن يعيشوا حياتهم”.
(*) المصدر: ترجمة بتصرف عن “فايننشال تايمز“.