إصلاحيو إيران ومحافظوها.. كيف يقرأون وقف المسار النووي؟

تعيش إيران لحظة بالغة الأهمية. من جهة، ضغوط أميركية وغربية متزايدة عليها. من جهة ثانية، وضع داخلي مأزوم: تضخم، ارتفاع أسعار، بطالة، تدهور سعر الريال الإيراني، هروب رؤوس الأموال. زدْ على ذلك أحداث داخلية تقترب من تدشين شهرها الخامس أعقبت وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني.

هذه التطورات الداخلية وغيرها الكثير تخلق مناخاً من عدم الثقة المتعاظمة بين حكومة إبراهيم رئيسي ومعظم شرائح الشعب الإيراني، وهذا الأمر يُمكن أن يتسبب مستقبلاً في احتجاجات جديدة وغير مرتقبة إذا لم تحصل علاجات سريعة.

لذا، بدأت ترتفع أصوات في الداخل الإيراني تدعو إلى إتخاذ خطوات جذرية لإنهاء واقع التأزم. في هذا الإطار، انتقد رضا نصري، الخبير في الشؤون الدولية، في رسالة موجهة إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، السياسة الخارجية لإيران، وكتب: “أصبحت اللهجة الدبلوماسية والتقليدية للقادة الغربيين تجاه إيران مهينة وغير تقليدية إلى حد أنه وعلى أعلى المستويات السياسية في بعض البلدان، يستخدمون أسماء مستعارة مثل “بربري” و”متوحش” للحكومة الإيرانية وبطريقة غير مسبوقة في عملية خارجة عن العرف والقانون الدولي في برلماناتهم وهيئاتهم التشريعية..”.

بدوره، ينتقد العضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام حالياً الدبلوماسي السابق محمد الصدر الإعدامات التي تم تنفيذها منذ مطلع السنة الجديدة، ويحذر في مقالة له نشرتها صحيفة “إعتماد” الإصلاحية، من أنه “إذا استمرت بعض السياسات الخاطئة في الداخل، فهناك احتمال أن نواجه عقوبات دبلوماسية، مما يعني طرد سفراءنا من بعض الدول واستدعاء سفراء هذه الدول من طهران إلى عواصمهم”.

هذه “السياسات الخاطئة” تتصل بقضايا مصيرية ولا سيما القضية النووية، ما أدى إلى استمرار العقوبات الغربية. ثمة إنطباع لدى فريق وازن من الإصلاحيين والمحافظين أن مصلحة إيران تكمن في رفع العقوبات الدولية من أجل نمو البلاد وازدهارها. ويقول محمد الصدر: “إذا استمرت العقوبات، فإن الوضع الاقتصادي غير المؤاتي للغاية الذي يضغط على الناس سيزداد سوءًا بمرور الوقت، وفي ظل العقوبات، هناك احتمالات سيئة للغاية تنتظر البلاد اقتصاديًا ومعيشيًا. تحدثت إلى الرئيس إبراهيم رئيسي وأخبرته أنه إذا لم يتم حل الاتفاق النووي، فستتراكم الضغوط الاقتصادية على حكومته”.

محمد الصدر: “المؤكد أن روسيا كانت تبحث عن شريك للجريمة وجعلتنا شريكًا لها. في الآونة الأخيرة، ادعى مسؤول أميركي (مستشار الأمن القومي جيك سوليفان) أن إيران قد تتهم بارتكاب جرائم حرب من خلال مساعدة روسيا في حرب أوكرانيا”

ومن أوضح الأمثلة على أخطاء السياسة الخارجية للحكومة، الاعتماد على نظرية “الشتاء الأوروبي القاسي”، التي أبطأت الطريق إلى القرار النهائي لفريق التفاوض الإيراني في فيينا. فقد استخدم المسؤولون الإيرانيون عبارة “الشتاء القاسي” القادم على أوروبا، على هامش محادثات فيينا في الصيف الماضي، وأصبحت أساسًا لسياسة إيران في مفاوضاتها غير المباشرة مع الأميركيين، وقد ثبت أنها تقديرات غير واقعية وفي وقت أبكر بكثير مما كان متوقعًا.

ويتقاطع ذلك مع توجهات أخرى ومنها سياسة التطلع إلى الشرق (روسيا والصين) لحكومة ابراهيم رئيسي، الأمر الذي أخل بالتوازن في السياسة الخارجية للبلاد بشكل عام، خاصة في ضوء مجريات الحرب الروسية الأوكرانية.

وعلى جاري العادة، بلغ الأمر بالبعض حد القول في إيران أن الغرب “سيُدمَّر قريبًا والشرق سيحل محله في فترة وجيزة”، وقد أدت هذه الفكرة إلى سلسلة من القرارات الخاطئة. وعلى الرغم من قوة الصين، فإن وصولها إلى موقع منافسة أميركا على الموقع الأول دوليًا هو حلم طويل المدى بالنسبة للصين، بينما لا ينبغي لإيران أن ترتكب أخطاء في القرارات الاستراتيجية، لا سيما أن أزمتها الإقتصادية لا تحتمل ترف الوقت والإنتظار. حتى أن الصين نفسها تعلم أنها ما زالت حتى الآن تعتمد على الغرب وسوقه الكبير في نموها وتطورها..

سياسة “الشتاء الأوروبي القاسي” مثال واضح على هذا التجاهل العميق للظروف الدولية وقدرات إيران المحلية في مجال تلبية احتياجات سوق الغاز العالمي. كان الجميع يعلم أن إيران غير قادرة على المدى القصير في تلبية احتياجات أوروبا من الغاز. لكن سياسة إدارة الظهر أوحت أن أوروبا لا تملك سوى خيار تقديم التنازلات لإيران حتى تلبي احتياجاتها الغازية.

في هذا الصدد، يقول عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام د. محمد الصدر: “في بداية عمل الحكومة الجديدة، كان هناك هذا التفسير الخاطئ (الحصول على المزيد من التنازلات في مفاوضات فيينا)، ولكن بطبيعة الحال، عندما دخل السادة الى العمل في الحكومة، أدركوا بمرور الوقت أن هذه الصورة غير صحيحة. وللأسف وبناء على هذا الخطأ، وضع الفريق الجديد الشروط على طاولة المفاوضات.. وضاعت الفرصة الذهبية لإعادة إحياء الاتفاق النووي”.

يُسلط كلام الصدر الضوء على بعض التحليل الإيراني الخاطئ لأوضاع سوق الطاقة العالمي الذي تشكل نتيجة الحرب في أوكرانيا وكيف أدى حصار روسيا إلى تفويت فرصة حل القضية النووية في بداية الحرب الأوكرانية، لا بل صارت إيران متهمة بشراكتها مع روسيا في الحرب. ويقول محمد الصدر: “المؤكد أن روسيا كانت تبحث عن شريك للجريمة وجعلتنا شريكًا لها. في الآونة الأخيرة، ادعى مسؤول أميركي (مستشار الأمن القومي جيك سوليفان) أن إيران قد تتهم بارتكاب جرائم حرب من خلال مساعدة روسيا في حرب أوكرانيا”.

إقرأ على موقع 180  إيران وإسرائيل.. حروب الأذرع الخفية

وفي الوقت الذي يضغط فيه الغرب على إيران بالمزيد من العقوبات والخطوات المشابهة لقرار البرلمان الأوروبي الأخير (تصويت البرلمان الأوروبي على قرار يُدرج بموجبه الحرس الثوري في قائمة “المنظمات الإرهابية”)، يبدو أن هذه اللعبة المتكررة “لن تنتهي أبدًا، حتى لو أعطت إيران كل الامتيازات. الغرب لا يشبع. إنه يريد كل الإمتيازات ولن يُعطي إمتيازًا واحدًا لأن الأنظمة المادية والإمبريالية والرأسمالية لا تشبع”، حسب وجهة نظر فريق المحافظين التي عبّرت عنها صحيفة “جوان” المحافظة، “ففي كل وقت عندما تستعد الحكومة الإيرانية للتوقيع على التوافق يتوقف الغربيون ويتراجعون” تقول الصحيفة نفسها.

علاء الدين بروجردي: إيران ما تزال متمسكة بالتزاماتها بطريقة متبادلة، وإذا رفع الطرف الآخر العقوبات والتزم بقواعد اللعبة، فإن إيران ستفي بالتزاماتها بشكل متبادل، وإلا فإنها ستُطوّر أنشطتها النووية بسرعة وستتحرك إلى الأمام لتوسيع برنامجها النووي السلمي

وأخذت الصحيفة على من أسمتهم بـ”أصحاب الرواتب البريطانية والأميركية” بأنهم يمارسون “اعمال شغب وفتنة في إيران”، وأخذت على فريق الإصلاحيين “إلتزامه الصمت أو تأييده الضمني لهذه التطورات”، ورأت أن الإصلاحيين يلقون باللائمة على حكومة رئيسي ويبرئون الغرب لا بل هم يراهنون على الضغط الغربي “لتقديم تنازلات للغرب في الاتفاق النووي والبرنامج النووي وحتى البرنامج العسكري”.

وأخذت الصحيفة على الإصلاحيين أنهم “يتحدثون باسم الشعب ويطلبون من الرئيس التنحي لمصلحة الوطن من أجل تمهيد الطريق لاستعادة الوضع الذي فقدوه في المجتمع والعودة إلى السلطة”.

وقال محمد جواد لاريجاني، أحد أبرز رموز المحافظين إن استراتيجية الحكومة الحالية لمواصلة العمل من دون اتفاق نووي هي استراتيجية جيدة، وقال “لقد تم إنشاء خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) لتقليص قدرتنا النووية إلى الصفر، وهو أمر غير ممكن. على كل حال سنستمر في التفاوض على الرغم من أن الأمر لن يؤدي الى النتيجة”، وحمّل “الطرف الآخر”، أي الغرب، مسؤولية وقف المفاوضات.

ويقول أحد رموز المحافظين علاء الدين بروجردي، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إن الولايات المتحدة تقوم حاليًا وبضغط إسرائيلي “بإلقاء الحجارة على طريق اختتام مفاوضات فيينا. لا تزال إيران متمسكة بالتزاماتها بطريقة متبادلة، وإذا رفع الطرف الآخر العقوبات والتزم بقواعد اللعبة، فإن إيران ستفي بالتزاماتها بشكل متبادل، وإلا فإنها ستُطوّر أنشطتها النووية بسرعة وستتحرك إلى الأمام لتوسيع برنامجها النووي السلمي”.

 

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "قضايا إسرائيلية" تحتاج إلى قرارات لا "إدارة نزاع".. أولها إيران!