“فورين أفيرز”: مبادرة دبلوماسية شاملة.. وإلا إيران أكثر تشدداً
In this picture released by the official website of the office of the Iranian supreme leader, Supreme Leader Ayatollah Ali Khamenei, center, and Russian President Vladimir Putin, left, greet each other as Iranian President Ebrahim Raisi stands at right, during their meeting in Tehran, Iran, Tuesday, July 19, 2022. (Office of the Iranian Supreme Leader via AP)

منى فرحمنى فرح09/02/2023
للإلتفاف على عزلتها الدولية، قررت إيران التقرب أكثر من روسيا. وهذا سيجعل التيار المتشدد أكثر قوة ونفوذاً، وسيزيد من فرص فوزه في معركة الخلافة التي تلوح في الأفق. وبالتالي، يتوجب على واشنطن وحلفائها وضع إستراتيجية ذات مصداقية تتجاوز التهديد والوعيد، وإطلاق مبادرة دبلوماسية أوسع مع الجمهورية الإسلامية تتجاوز المحادثات النووية لتشمل الحرب الأوكرانية وقضايا إقليمية مختلفة، "وإلَّا ستصبح إيران أكثر خطورة من أي وقت مضى"، بحسب ولي نصر(*).

على مدى الأشهر الخمسة الماضية، هزَّت موجة من الاحتجاجات إيران. وقد انضم إلى الشابات؛ الداعيات إلى وضع حد للحجاب الإجباري؛ طلابٌ وعمالٌ ومهنيون يطالبون بالإصلاح السياسي وبمزيد من الحقوق الفردية. حتى أن البعض ذهب إلى حد المطالبة بإسقاط الجمهورية الإسلامية. لقد شكَّلت هذه الاحتجاجات التهديد الأكثر أهمية للحكومة الإيرانية منذ عام 1979، ما أثار تكهنات بأن النظام الثيوقراطي (الديني) يمكن أن يواجه في نهاية المطاف المصير الذي لاقاه النظام الملكي.

الغضب الشعبي يتصاعد، والظروف الاقتصادية السيئة تجعل المزيد من الاضطرابات أمراً لا مفر منه. ومع ذلك لا يزال النظام يُمسك بزمام الأمور حتى الآن، وذلك بفضل حملة القمع القاسية التي تتصدى بها قوات الأمن للاحتجاجات من جهة، وغياب القيادة والتنسيق بين المحتجين من جهة ثانية.

إن موقف النظام اليوم محفوف بالمخاطر. فطريقة تعامله مع الاحتجاجات لاقت حملة انتقادات وشجب واسعة، شارك فيها آيات الله العُظمى في كل من النجف وقمّ، ومسؤولون حكوميون كبار سابقون، وقادة سابقون في الحرس الثوري الإسلامي (…)، وكذلك الرئيسان السابقان محمد خاتمي وحسن روحاني ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني (…). أضف إلى ذلك أن وسائل إعلام مقربة من “الحرس الثوري” بدأت توجه انتقادات مباشرة وعلانية ضد الرئيس إبراهيم رئيسي بسبب سوء إدارته للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وقد دعا كل هؤلاء إلى إجراء تغييرات ذي مغزى إذا أرادت الجمهورية الإسلامية أن تخرج من هذه العاصفة بأقل خسائر ممكنة.

لكن حتى الآن لا يوجد ما يدل على أن المرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، يتجاوب مع تلك الانتقادات. منذ بداية الأزمة، أحكم المحافظون قبضتهم على مقاليد السلطة. وهذا التيار يعارض التعامل مع الغرب، ولا يرغب في العودة إلى الإتفاق النووي لعام 2015. كما أنه يفضل فرض سيطرة ورقابة مشددة على المجالات الاجتماعية والسياسية في الداخل الإيراني. أما في الخارج، فيفضل العزلة واتباع سياسات إقليمية صارمة وتعزيز التعاون مع روسيا. بمعنى آخر، وبعيداً عن الاحتجاجات، فإن النظام الذي يخرج الآن من المرحلة الأولى من الاضطرابات أصبح أكثر تشدداً وربما عدوانية من أي وقت مضى.

نهج خامنئي الصعب

إن مناهضة إيران القوية للغرب ليست مدفوعةً بالرغبة في الدفاع عن أيديولوجية النظام الإسلامية. ففي كل خطاباته التي أدلى بها منذ بدأت حركة الاحتجاجات، لم يتحدث خامنئي كثيراً عن الدين ولا حتى عن التدخل الأجنبي. فهو ينظر إلى الاحتجاجات على أنها مؤامرة أميركية، تُحاك بالتنسيق مع إسرائيل والسعودية، وهدفها الأول إضعاف إيران وإسقاط الجمهورية الإسلامية، ولذلك فهو يدعو لحشد كل الموارد للرد على هذا الهجوم. كذلك يوجه مسؤولو الأمن، الذين اقتدوا بخامنئي، الإتهامات ضد محطات تلفزيونية فضائية ووسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها الغرب على أنها وراء إذكاء الاضطرابات في إيران وتعبئة الرأي العام ضد الجمهورية الإسلامية. كما يربطون بين الاضطرابات التي عمَّت منطقتي البلوش والأكراد في إيران على التدخل الأجنبي. وكانت إيران قد حشدت قواتها، في الخريف الماضي، على طول حدودها مع أذربيجان وحذَّرت العراق من أنها قد تعبر الحدود لإغلاق معسكرات الانفصاليين الأكراد.

في كل خطاباته منذ بدأت الاحتجاجات، لم يتحدث خامنئي كثيراً عن الدين ولا عن التدخل الأجنبي. فهو يعتبر ما يحصل مؤامرة أميركية، تُحاك بالتنسيق مع إسرائيل والسعودية من أجل إسقاط الجمهورية الإسلامية

خامنئي مصممٌ على الحفاظ على النظام الذي حكمه لأكثر من ثلاثة عقود. فهو اليوم يبلغ من العمر 83 عاماً، ويُشاع أن حالته الصحية غير مستقرة. وبالتالي فإن أي تسوية مع المعارضين في هذه المرحلة من شأنها أن تُلطخ إرثه، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية. وهو شهد بنفسه كيف أدَّى استيعاب المتظاهرين إلى تسريع انهيار النظام الملكي في عام 1979.

وبدلاً من الرضوخ لمطالب المحتجين أو الإستماع لنصائح المنتقدين، اعتمد خامنئي أسلوب العنف والقمع. مئات المتظاهرين لقوا مصرعهم منذ أيلول/سبتمبر الماضي، وتعرض آخرون للقمع على أيدي قوات الأمن. وهناك الآلاف في السجون الآن. كما جرى إعدام أربعة معارضين بعد محاكمات موجزة، وثمة آخرون يواجهون عقوبة الإعدام (…).

في إدارته للأزمة، اعتمد خامنئي بشكل أكبر على مشورة المحافظين المتشددين داخل الحرس الثوري ووكالات المخابرات والبرلمان ووسائل الإعلام. فهؤلاء؛ بالنسبة له؛ هم الأشخاص الذين يفهمون المشكلة كما يفهمها هو، ويشاركونه عدم الثقة بالغرب، ويعارضون الإتفاق النووي باعتباره فخاً مصمماً لمحاصرة إيران. وفي ذهنه لا بد من التصدي لأي تأثير غربي، وفرض قيود ورقابة على خدمات الإنترنت، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والثقافي. لطالما كانت هذه الآراء موجودة داخل أروقة السلطة، لكن الاحتجاجات زادت من بروزها.

الاحتجاجات أدَّت أيضاً إلى إضعاف آفاق استعادة الإتفاق النووي لعام 2015. فاندلاع التظاهرات جعل قادة غربيين يتمسكون أكثر برفضهم رفع العقوبات كجزء من اتفاق نووي. وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مترددة حتى في السعي لإطلاق سراح سجناء أميركيين محتجزين لدى إيران، خوفاً من رد فعل عنيف قد تواجهه في الداخل الأميركي إذا تم رفع التجميد عن الأصول الإيرانية كجزء من أي صفقة. لكن المحافظين المتشددين في طهران غير منزعجين من الإزدراء الغربي لهم (…)، ولا يهتمون كثيراً لموضوع العقوبات ولا لقرار الاتحاد الأوروبي تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية.

تسعى إيران لكي تصبح “لاعباً” لا غنى عنه بالنسبة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.. وهذا سيؤمن لها مساعدات عسكرية متطورة من موسكو تمكنها من مواجهة إسرائيل في سوريا والعراق والضغط الأميركي في الخليج الفارسي، وإستيعاب التهديدات الغربية بشن ضد على أنشطتها النووية

تتجه طهران إلى مرحلة مضطربة في علاقتها مع الأمم المتحدة أيضاً. فمخالفاتها النووية أثارت قلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أخبر رئيسها البرلمان الأوروبي مؤخراً أن إيران جمعت ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب يكفي لتصنيع “عدة أسلحة نووية”. وقد تُحيل الوكالة الدولية إيران قريباً إلى مجلس الأمن لتوجيه اللوم إليها، مما يزيد من احتمال أن تعيد الأمم المتحدة فرض عقوباتها، وسط إصرار كل من فرنسا وبريطانيا وأميركا على إبقاء الحظر المفروض على بيع الأسلحة للجمهورية الإسلامية. وكانت إيران قد هدَّدت بأنها سترد على مثل هذا السيناريو بالإنسحاب من معاهدة حظر الإنتشار النووي، مؤكدة أنها ستصبح دولة نووية بشكل فعلي. هذا بدوره قد يؤدي إلى مواجهة مع إسرائيل، التي هاجمت الشهر الماضي منشأة إيرانية لتصنيع الأسلحة في مدينة أصفهان، ويُقال إن الولايات المتحدة شاركت في هذا الهجوم. كما أن الرئيس بايدن صرح مراراً وتكراراً بأن إدارته لن تتسامح أبداً مع “إيران نووية”.

إقرأ على موقع 180  اللبنانيّون في الإمارات.. كيفية مواجهة التطبيع؟

طهران في الفلك الروسي

للإلتفاف على عزلتها الدولية المتفاقمة قررت إيران التقرب أكثر من روسيا. فلطالما اعتبر خامنئي والحرس الثوري الكرملين حليفاً حيوياً وأساسياً مشتركاً. كما أن خامنئي والرئيس فلاديمير بوتين يتشاطران المواقف ذاتها تجاه الغرب. وجاءت الحرب الروسية- الأوكرانية لتُسلط الضوء بشكل أكبر على الضغينة التي تتشاركها طهران وموسكو ضد الولايات المتحدة. لذلك، مضى خامنئي في تزويد الجيش الروسي بطائرات حربية مسيرة متطورة، متجاهلاً بذلك كل الإنتقادات حتى تلك التي جاءته من داخل الدائرة المقربة منه. “فمع إصطفاف واشنطن وشركاؤها في أوروبا والشرق الأوسط ضد الجمهورية الإسلامية، يجب على إيران تعزيز علاقتها مع روسيا والوقوف بجانبها حيث يتطلب الأمر: في ساحة المعركة”، بحسب المرشد الأعلى(…).

وكما كان متوقعاً، فقد أدَّى قرار تزويد روسيا بطائرات حربية مسيَّرة إلى تأجيج الغضب الغربي تجاه الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي دفع طهران بدوره إلى التقرب أكثر من موسكو. في هذه الحلقة المفرغة، سيكون الفائز الأول هم المحافظون المتشددون الذين فضلوا دائماً توثيق العلاقات مع روسيا والانفصال عن الغرب. ومع إنجراف إيران أكثر نحو الفلك الروسي، ستزداد قوة التيار المتشدد، وستزداد فرص فوزهم في معركة الخلافة التي تلوح في الأفق.

تسعى إيران الآن لكي تصبح “لاعباً” لا غنى عنه بالنسبة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. وكلما احتاج بوتين إلى إيران، سيضطر لإنتهاك العقوبات الغربية، وسيزود طهران بالمعدات والتكنولوجيا العسكرية الحيوية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي الحديثة والمتطورة. وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام الحرس الثوري، الشهر الماضي، ستحصل إيران على 24 طائرة حربية روسية متطورة من طرازSukhoi Su-35 في الشهر المقبل، وتتطلع للحصول على طائرات هليكوبتر ونظام دفاع جوي متطور من طراز S-400، قادر على تعقب طائرات F-35 الأميركية. هذه المساعدات ستُعزز قدرة إيران العسكرية بشكل كبير، وستمكنها من مواجهة القوة الجوية الإسرائيلية في سوريا والعراق بشكل أفضل، وكذلك الضغط العسكري الذي تمارسه القوات الأميركية ضدها في الخليج الفارسي. كما أنها ستمنحها الثقة لإستيعاب التهديدات الغربية بشن هجوم عسكري محتمل ضدها رداً على أنشطتها النووية.

لكل هذه الأسباب، يزداد القلق من انجراف طهران نحو موسكو، خصوصاً من دول الجوار التي تخشى أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ نفوذ التيار المتشدد ويجعل إيران أكثر خطورة. ففي نهاية المطاف، قد يواجه الغرب ليس فقط أزمات منفصلة تشمل روسيا وإيران، ولكن أيضاً مشكلة إضافية تتمثل في إدارة سلوكهما المشترك (…).

الأمل وحده لا يكفي

من جهة ثانية، يأمل بعض المسؤولين والمحللين الغربيين في أن يؤدي استيلاء المتشددين في إيران على السلطة إلى تسريع وتيرة الاحتجاجات وتوسيعها، وبالتالي تغيير النظام. لكن الأمل وحده لا يكفي. حتى الآن، اعتمدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على العقوبات والتهديد بالحرب لردع سلوك إيران العدواني. لكن إسرائيل قلقة جداً ومضطربة من برنامج إيران النووي، إلى حد يمكن أن تلجأ للتصعيد العسكري. وإذا فعلت، فذلك لن يؤدي إلَّا إلى جعل إيران أكثر تشدداً ومناهضة للغرب، وزيادة مخاطر إندلاع “حريق يأكل الأخضر واليابس” لن تستطيع أميركا وحلفاؤها إيقافه لا سيما في خضم مواجهتهم مع روسيا والصين.

لذلك، يجب على واشنطن وحلفائها وضع إستراتيجية ذات مصداقية على الأقل لإبطاء الانعطافة المتشددة لإيران. ومثل هذه الإستراتيجية ستتطلب عدم الإكتفاء بالتهديد والوعيد وتوسيع العقوبات، بل فتح المجال واسعاً أمام الحوار مع الجمهورية الإسلامية. وقد إلتقى مسؤولون إيرانيون وأوكرانيون، مؤخراً، في سلطنة عُمان لمناقشة دور إيران في الحرب. كانت هذه بداية جيدة. ويجب على أوروبا والولايات المتحدة البناء على مثل هذه الجهود، وإطلاق مبادرة دبلوماسية أوسع تتجاوز المحادثات النووية المتوقفة لتشمل الحرب في أوكرانيا وقضايا إقليمية مختلفة. وإلَّا فإن التيار المتشدد في إيران سيزداد قوة ونفوذاً، وسيستمر في دفع البلاد في اتجاه أكثر خطورة من أي وقت مضى.

– النص بالإنكليزية على موقع “فورين أفيرز“.

(*) ولي نصر، أميركي من أصل إيراني، متخصص بشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  كنتُ في بغداد.. لماذا يضحك العراقيون؟