كُشف عن المادة بناء على طلب من معهد عكفوت للتحقيق في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث نشر في موقع الإنترنت الخاص به مئات وثائق الأرشيف المرتبطة بنشاطات الحكم العسكري. وتظهر قراءة الوثائق ما الذي طلب من أرشيف الدولة إخفاؤه عن الجمهور. ومثلما في حالات أخرى في أخطاء كهذه يجسد الى أي درجة كانت اليد خفيفة على زناد الرقابة.
المقاطع المذكورة كان يجب أن تشطب، أحيانا صفحة كاملة وأحيانا فقرة أو كلمة، توثق الأسلوب السلبي الذي تعاملت به عناصر الحكم العسكري المختلفة مع مواطني إسرائيل العرب وطرق العمل الإشكالية لها إزاء هؤلاء المواطنين. كشفها يمكن في الواقع أن يؤدي الى احراج الدولة ومؤسساتها، ولكنه لا يعرض أمن الدولة للخطر. “لا يوجد للمادة التي تقرر شطبها أي علاقة، ولو ضئيلة، بأمن الدولة. القراء يمكنهم تقرير ذلك بأنفسهم عبر مشاهدة الملفات”، قال آدم راز، الباحث في عكفوت.
جاء من أرشيف الدولة: “يظهر فحص الملفات أن الأمر يتعلق بملفات مرت بفحص آخر، تقرر فيه عدم طمس المقاطع المشار اليها. تعليمات الطمس لم يكن من الواجب مسحها ضوئيا وتم الإبقاء عليها في الملف بالخطأ. هذا الامر سيتم فحصه لضمان أن لا يتكرر”.
الأمثلة كثيرة. في احدى الجلسات في نهاية العام 1958 تحدث المقدم يهوشع فيربن، الحاكم العسكري للمنطقة الشمالية، عن النكبة. حتى بعد مرور 75 سنة تبقى أقواله مؤثرة.
“في 1948 حدثت هنا كارثة للسكان العرب، من ناحيتهم”، قال. “لقد حدثت هنا هزة وعاصفة شديدة في أعقاب حرب الاستقلال، وهرب معظم السكان، أُبيدوا، وتم فصلهم عن المكان الذي عاشوا فيه لأجيال متتالية”.
نعيم اكول، عضو بعثة الجمعية اليهودية – العربية من اجل السلام والمساواة في الحقوق قال إن “الحاكم العسكري جاء للسكان وهددهم وقال لهم اذا لم توقعوا على هذا وذاك فأنا سأطردكم. في كفر اسميع قال للمختار: اذا لم توقع على هذا فان ابنتك لن تصبح معلمة”. عندما سئل على ماذا كان يجب على المختار أن يوقع أجاب: أن هذه الأراضي تعود للحكومة وليس له”
من بين هذه الأقوال طلب من أرشيف الدولة أن يطمس كلمة “أبيدوا”، هكذا حتى لا يكون أي ذكر بأن شخصا عسكريا يستخدم كلمة لاذعة جدا لوصف موت عرب البلاد في “حرب الاستقلال”.
مقطع واسع طلب من الأرشيف شطبه تناول سرقة الأراضي من العرب. في البروتوكولات يتم الاقتباس عن الحاكم العسكري لمنطقة المثلث، زلمان ميرت، وهو من أوائل المحاربين في “البلماخ”، والذي اشتهر بأنه هو الذي عالج موشيه ديان بعد إصابته في عينه أثناء اقتحام القوات البريطانية لسوريا ولبنان في 1941 وفي “حرب الاستقلال” عمل قائدا لكتيبة “موريا” في المعارك في القدس.
في النقاش الذي يدور الحديث عنه أوضح ميرت بأن تجريد العرب من أراضيهم التي عاشوا فيها قبل الحرب استهدف اخلاء مناطق لصالح مستوطنات يهودية أقيمت لدوافع امنية في المنطقة التي مرت بها الحدود مع الأردن. وقد فصل وأوضح الطريقة التي سلبت فيها هذه الأراضي من أصحابها – الإعلان عن منطقة كمنطقة عسكرية مغلقة طبقا لتعليمات الطوارئ – “من اجل الحفاظ على الاحتياط ذاته من الأراضي التي خصصت للاستيطان الأمني”، أي من اجل إقامة المستوطنات اليهودية في أراضيهم.
“يبدو أن هذا الأمر هو خطير”، قال ميرت. “لكن عملياً نحن نستخدم هذه التعليمات ونحرص على تنفيذها بالأساس من اجل الحفاظ على شيئين: أحدهما هو الحفاظ على احتياطي الأراضي”.
اعطى الحاكم العسكري أيضا أمثلة ملموسة. فقد قال إنه في 1951 طلب من “سكان قرية خربة الحرش العربية مغادرة البيوت والانتقال الى جلجولية من اجل اخلاء المكان لاقامة كيبوتس حورشيم، الذي سمي “استيطاناً امنياً يهودياً”. في المقابل، انتقل سكان الجلمة الى باقة الغربية من اجل اخلاء مكان لإقامة كيبوتس لاهفوت حبيبا. “لقد قالوا لهؤلاء العرب بأنه في هذا المكان على الحدود نحن مضطرون الى إقامة مستوطنة عسكرية”، قال. “إبعادهم عن الأرض والحفاظ على الأرض ومنحها للمستوطنات اليهودية تم من قبل الحكم العسكري. في موازاة ذلك، عن طريق إغلاق هذه المنطقة منعنا العرب، اللاجئين الذين عاشوا في القرى المذكورة، من العودة الى قراهم”.
الحاكم العسكري، العقيد ميشال شاحم، قال في إحدى الجلسات عن القرى التي كانت في الأراضي الأردنية وتم ضمها لإسرائيل في اتفاق الهدنة: “قمنا بإخلائها من الحدود من الداخل”، قال عن سكانها. بنحاس روزن، وزير العدل، أشار الى أنه لا يفهم كيف أن أصحاب الأراضي العرب الذين هم مواطنون إسرائيليون لا يمكنهم العودة والعيش فيها. “هذا غريب كما يبدو؛ أن صاحب أو أصحاب الأراضي لا يمكنهم السيطرة على ممتلكاتهم”، قال. رد شاحم وقال: “بخصوص الأملاك، هم غائبون”..
شموئيل ديبون، مستشار الشؤون العربية في مكتب رئيس الحكومة قال: “يدور الحديث عن أراض هي بصورة قانونية من ممتلكات الدولة”. روزن صمم: “لكنك قلت بأن هؤلاء الناس في حينه…” وانقطع الحديث.
تركز النقاش على العرب الذين تم اخلاؤهم من بيوتهم من اجل إقامة مستوطنات يهودية في المكان. “قمنا باخلائهم؟” تساءل الوزير روزن. “هؤلاء قمنا باخلائهم”، أجاب شاحم. “عن اللاجئين الذين تم اخلاؤهم”، رد روزن، “أنا أقول إنه على الأقل بخصوصهم يمكن القول بأنه كما يبدو كان من المنطقي جدا أنهم يريدون السيطرة على الممتلكات التي هي املاكهم، حاول التأكد من أنه فهم. “ليس بمعنى أن هؤلاء الناس هم الذين يعرضون الأمن للخطر.. ألم نكن نستطيع أن نضمن وجود استيطان أمني؟”.
عندما أجاب شاحم بأن “الادعاء كان مختلفاً”، أصر روزن وقال: “السؤال هو هل ادعاؤه حقيقي أم لا”. أجاب شاحم: “بخصوص القريتين في المثلث لم يتم عرض الأمر على المحكمة العليا. بخصوص القرى في الشمال (إقرث وبرعم) كان الادعاء البسيط هو أنهم يريدون العودة الى قراهم. أولا، قاموا بإخلائهم بصورة غير قانونية وبعد ذلك استندوا الى قانون المناطق الأمنية (1949)”.
شهد العرب أيضا على ذلك في الجلسات. نعيم اكول، عضو بعثة الجمعية اليهودية – العربية من اجل السلام والمساواة في الحقوق قال إن “الحاكم العسكري جاء للسكان وهددهم وقال لهم اذا لم توقعوا على هذا وذاك فأنا سأطردكم. في كفر اسميع قال للمختار: اذا لم توقع على هذا فان ابنتك لن تصبح معلمة”. عندما سئل على ماذا كان يجب على المختار أن يوقع أجاب: أن هذه الأراضي تعود للحكومة وليس له”. بعد خروجه قال: وقعت على ذلك تحت الضغط. عندما قاموا ببناء بكيعيم الجديدة اليهودية أيضاً هذا ما حدث. الحاكم العسكري قال: اذا لم تعط الأرض فأنت ستطرد.
موضوع آخر على الأجندة هو تقييد دخول العمال العرب، مواطنين إسرائيليين، الى المستوطنات اليهودية. الحاكم العسكري ميرت قدم عدة مبررات لذلك. أولا، تحدث عن الحاجة الى “منع إغراق سوق العمل اليهودية بالعمل العربي الرخيص” وعن “منع انتشار عمل حوراني كهذا في القطاع اليهودي”. هكذا فسر ذلك: “فرض علينا التأكد من أن أماكن العمل ذاتها التي خصصت للمهاجرين الجدد والعمال اليهود سيتم الحفاظ عليها للعمال اليهود، وأن العمال العرب لن يمنعوا المهاجرين الجدد أو العمل اليهودي من كسب الرزق من هذه الأعمال.. من مهمتنا أن نمنع سيطرة عرب المثلث على سوق العمل”.
اعترف ميرت بأن عمل العمال العرب ليس فقط أرخص أجراً بل أيضا افضل من عمل اليهود. “كل عامل عربي من المثلث يمكن أن يعطي ناتجاً اكبر من المهاجر الجديد من أي دولة من دول الشرق والدول الأوروبية على حد سواء. هو متعود اكثر، هو تعود على الظروف والمناخ وتعود أيضا على العمل. من جهة أخرى، العامل العربي غير ملزم بالضرائب والدفعات الأخرى الموجودة بخصوص العامل اليهودي – ظروف اجتماعية، تأمين وما شابه – كل ذلك يسبب أن هناك طلبا كبيرا ونشيطا على عمل عرب المثلث”. وقال أيضا “لا نعتبر ذلك خطوة غير إنسانية أو غير عادلة أو أحادية الجانب”.
طلب من الأرشيف أيضا شطب شهادة خميس عن محادثة تحدث فيها مع حاكم عسكري عن منع استغلال المزارعين العرب. الأخير الذي اعتقد بالخطأ أن خميس يهودي أجاب: “هل جئت للدفاع عنهم؟ نحن معنيون بأن يكونوا اكثر فقرا، وبسبب ذلك هم سيتركون البلاد”
قدّم الحاكم العسكري أيضاً مبرراً أمنياً لعدم إعطاء تصاريح العمل للمواطنين العرب. الخوف من وجودهم قرب مواقع عسكرية، توجد قرب مستوطنات يهودية. “الحركة غير المراقبة، الحرة والفوضوية – كنت أقول – للعرب غير مرغوب فيها”. أيضا تحدث عن كيبوتس رمات دافيد وقال إنه بقربه يوجد مطار. أجزاء من المقطع القادم كان يجب أن تكون مشطوبة: “من المرغوب فيه جدا بأن لا يكون في محيطه القريب عرب، سواء عرب جيدون أو سيئون، أي عرب، لأننا لا نثق تماما بهم، حتى لو تعلموا في كيبوتس سريد أو في أراضي الكيبوتس القطري. يجب علينا تقييد حركتهم في المحيط اليهودي. وعلى هذه الخلفية يوجد لنا الكثير من المحادثات غير اللطيفة”.
قدم ميرت أيضا معلومات مهمة عن الطريقة التي يجند فيها الحكم العسكري العملاء والمتعاونين من أوساط المواطنين العرب. لقد اعتبرهم “عاملا مساعدا للجهات الحكومية، لا سيما للجهات الأمنية، مثل التجسس وتقديم الأخبار وما شابه”. حسب قوله: “نعطي لهؤلاء الأشخاص كل الدعم وأنا مستعد للاعتراف بأننا نعطي اكثر. نحن نعطيهم أفضليات”.
اعترف أيضا بأن إسرائيل تغض النظر عن نشاطات جنائية تورط فيها بعضهم مقابل التعاون معها. “نحن أيضا نعرف انه إضافة الى ذلك هم أحيانا يعملون في قضايا ليست تماماً لصالح الجيش. هم أيضا يهربون بضائع ويهربون أخباراً ويعملون أيضا في قضايا أمنية تخصنا”، قال.
بعد ذلك فسر كيف أن الحكم العسكري يحمي هؤلاء العملاء اذا تورطوا مع سلطات القانون بسبب نشاطاتهم الجنائية.
في حالة أنهم عملوا في قضايا أمنية فنحن نعطيهم الدعم. وإذا تم اعتقالهم من قبل الشرطة فنحن نقدم في صالحهم كلمة جيدة ونقوم بإخراجهم من السجن قبل سنة أو نصف سنة قبل انتهاء حكمهم.
طلب من الأرشيف أيضا شطب شهادة خميس عن محادثة تحدث فيها مع حاكم عسكري عن منع استغلال المزارعين العرب. الأخير الذي اعتقد بالخطأ أن خميس يهودي أجاب: “هل جئت للدفاع عنهم؟ نحن معنيون بأن يكونوا اكثر فقرا، وبسبب ذلك هم سيتركون البلاد”. أيضا قول خميس بأنه أحيانا الحاكم العسكري يستخدم العامل الأمني كذريعة لتحقيق أهداف سياسية وغيرها، وحسب كلامه حرفيا “هذا ليس موضوعا امنيا وهم يستخدمون هذا الاسم المقدس، الأمن، لأغراض أخرى كان يجب أن تكون مخفية”.
الخطأ التقني لأرشيف الدولة سمح برؤية الشخص الذي طلب شطب المادة، وهو شخص عمل لعشرات السنين في مكتب رئيس الحكومة. وحقيقة أن موظفاً عاماً قرر منع الجمهور من معرفة تاريخه، هي تحد حقيقي للديمقراطية”.
(*) المصدر: صحيفة “الأيام” الفلسطينية.