وهن “إردوغاني” ظاهر.. الرئاسة في خطر

يواجه الرئيس التركي أزمة حقيقية بعد العارض الصحي الذي تعرض له. اقترب جداً موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فيما يبدو رجب طيب إردوغان بحالة صحية، شعبية وسياسية، مُقلقة.

لا تُبشّر استطلاعات الرأي بفوز سهل لإردوغان في الإنتخابات المقررة في الرابع عشر من الشهر الحالي. بعضها يعطيه أفضلية بسيطة جداً على منافسه الرئاسي مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، فيما يشي بعضها الآخر أن هذا الأخير سيكون رئيس جمهورية تركيا المقبل.

وكان إردوغان قد تعرض لعارض صحي خطير مساء 25 نيسان/أبريل المنصرم، عند مشاركته بمقابلة تلفزيونية محلية أجبرته على الاعتذار عن الاستمرار بها مباشرة على الهواء. واعتبر بيان رئاسي رسمي أن الرئيس التركي قد تعرض لوعكة صحية في المعدة أجبرته على إلغاء بضعة زيارات ميدانية واحتفالات شعبية كان من المفترض أن يشارك فيها في الأيام التالية.

الضعف البادي عليه جسدياً ينسحب كذلك على ضعفه الشعبي. ولّى زمن الـ2011 عندما كان الرئيس التركي وحزبه في ذروة قوتهما، حيث استطاعا تحقيق الفوز تلو الآخر بسهولة نسبية. كانت الانتخابات في حينها وتلك التي تلت ذاك العام عبارة عن “نزهات ربيعية سهلة”، حيث يُعلن فيها فوز إردوغان وحزبه النظري قبل أسابيع حتى من إجراء الانتخابات الفعلية.

وضع إردوغان الشعبي صعب للغاية، ورحلة الوصول مجدداً إلى السدة الرئاسية أمر أكثر صعوبة ويحتاج إلى شبه معجزة. فالمنافسة بينه وبين باقي المرشحين على نار حامية، وفرصة سقوطه واردة

في حينها، كان الاقتصاد التركي قوياً للغاية، والمجتمع التركي متراصاً خلف قائده، والمعارضة معارضات مشتتة الأصوات والجهود. كان إردوغان، في ذاك الوقت، يُحكم قبضته على الإعلام وعلى حزبه، كما يملك نفوذاً كبيراً في تجمعات الشركات الصناعية الكبرى وبين فقراء ضواحي المدن وعلى كامل الطرق الصوفية المؤثرة جداً في الانتخابات التركية.

اليوم تغيّر الوضع نسبياً. أبرز قادة حزب “العدالة والتنمية” تركوا الحزب وانشقوا عنه وراحوا يؤسّسون أحزابهم الخاصة. أحمد داوود أوغلو واحد منهم. كان المنظر الأساسي للسياسة الخارجية التركية في أول عهود “العدالة والتنمية” ووزير خارجية البلاد ورئيس حكومتها بين عامي 2014 و 2016. أما اليوم، فبات معارضاً لإردوغان ورئيساً لحزب “المستقبل” وعضواً في إئتلاف المعارضة الداعم لكمال كيلجدار أوغلو.

لا يشذ علي باباجان عن داوود أوغلو بتاتاً. هو الآخر كان القيادي الثالث من حيث التأثير في حزب “العدالة والتنمية” ورفيق إردوغان منذ أيام النضال الأولى. أما الآن فهو رئيس حزب “الديموقراطية والتقدم” وداعم شرس لخصم الرئيس التركي.

أما الاقتصاد التركي فقد تراجع في الزمن الحالي بالمقارنة عما كان عليه في الماضي. التضخم ارتفع جداً، كذلك نسبة البطالة، فيما تراجعت قيمة العملة التركية مرات ومرات. إضافة إلى ذلك، تواجه تركيا بعض العقوبات الغربية، فيما توقف تصدير الكثير من المواد والمنتجات المحلية إلى مصر وأوكرانيا ودول الخليج، كما إلى دول وسط آسيا الغارقة أسواقها بالسلع الصينية الرخيصة.

هذه الحالة الاقتصادية الصعبة، دقت ناقوس الخطر عند تجمعات الشركات الصناعية الكبرى. وهؤلاء يشكلون قوة مالية وشعبية ضخمة ويضمون آلاف الشركات الكبرى المنضوية تحت تجمعين عملاقين هما MUSIAD وTUSIAD. التجمعان كانا من مؤيدي إردوغان بشكل دائم، أما اليوم فبات كثر من رجال الأعمال يرون أن السياسة الاقتصادية والتجارية والضرائبية للدولة التركية ما عادت تلبي طموحاتهم ومصالحهم. إضافة إلى ذلك، خفت السطوة “الإردوغانية” على النقابات في الفترة الأخيرة، وذلك مع تردي حالة الإقتصاد التركي، وهذه كلها مؤشرات على وهن إردوغان وتراجع تأييده الشعبي.

أما في المشهد الإعلامي التركي، فلا يزال الرجل التركي الأقوى يُحكم القبضة على حصة الأسد فيه، إذ أن معظم الإعلام المحلي هو موالٍ لإردوغان أو حتى مملوكاً من موالين له ولحزبه. لا يعني ذلك، في مطلق الأحوال، أن لا إعلامَ محلياً معارضاً، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي والحملات التي تُطلق عبرها، والتي باتت أشد تأثيراً من الإعلام التقليدي، فإن قسماً لا يستهان به منها لا يؤيد إردوغان.

تجربة تركيا خلال الثمانينيات والتسعينيات الماضية مع الحكومات الإئتلافية كانت من أسوأ التجارب، حيث يضيع القرار والحكم ومصلحة البلاد، ويلتهي الجميع بالمناكفات الداخلية

على مقلب آخر، لا تزال معظم الطرق الصوفية تؤيد إردوغان وحزبه، هذا طبعاً باستثناء بعض فروع الطريقة النورسية كما جماعات أخرى مثل “جماعة فتح الله غولن”. صحيح أن تأثير هذه الأخيرة قد خفّ كثيراً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، إلا أن حضورها ما يزال موجوداً في الخفاء وفاعلاً جداً بين الأتراك القاطنين خارج البلاد.

أما أزمة إردوغان الحقيقية فهي في ظهور إئتلاف المعارضة كمنافس جدي له. هذا الإئتلاف مشكّل من ستة أحزاب معارِضة لا تملك رؤية واحدة لمستقبل تركيا، إنما تملك هدفاً واحداً أوحد وهو إسقاط إردوغان مهما كلف الأمر. ويُمكن إضافة حزب “الشعوب الديموقراطي” ذات الأغلبية الكردية إلى الأحزاب الستة على الرغم من عدم تأييده العلني لكيليجدار أوغلو، وذلك نظراً للخلافات العميقة بين حزبه وإردوغان في الملف الكردي.

إقرأ على موقع 180  أردوغان وآيا صوفيا.. أتاتورك الجديد  

ويمكن القول إن خيار تجمّع أحزاب المعارضة تحت سقف مرشح رئاسي واحد، مع ما رافق ذلك من تخفيف لطموحات رؤسائها ومصالحهم الشخصية، ما هو إلا دليل على غياب أي إمكانية أخرى للفوز. فهذه الأحزاب، لا تملك إلاّ خيار التوحّد سويةً، على الرغم من المشاكل الجمّة التي ستقع فيها لاحقاً في حال وصولها إلى الحكم. هنا يكفي التذكير بأن تجربة تركيا خلال الثمانينيات والتسعينيات الماضية مع الحكومات الإئتلافية كانت من أسوأ التجارب، حيث يضيع القرار والحكم ومصلحة البلاد، ويلتهي الجميع بالمناكفات الداخلية.

على العموم، يبقى أن وضع إردوغان الشعبي صعب للغاية، ورحلة الوصول مجدداً إلى السدة الرئاسية أمر أكثر صعوبة ويحتاج إلى شبه معجزة. فالمنافسة بينه وبين باقي المرشحين على نار حامية، وفرصة سقوطه واردة.. هذا طبعاً إن قرر الأتراك ذلك، فيكون لهم ما يريدون.

Print Friendly, PDF & Email
تركيا ـ جو حمورة

كاتب لبناني متخصص في الشؤون التركية

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  محمود سريع القلم: روسيا الشريك الإستراتيجي لإيران وليس الصين