الحكومة اللبنانية هل تدخل في دوّامة إدارة أزمة؟

الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسىة نوّاف سلام أمام تحديات عديدة. لن يكون سهلاً عليها أن يمرَّ الثامن عشر من شباط/فبراير الجاري من دون انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب، فماذا ينتظرنا؟

لجنة المراقبة التي يترأسها الأميركيون صامتة. قوات “اليونيفيل” حذرة جداً. واشنطن تقول في العلن إنها لا توافق على بقاء الاحتلال في الأراضي اللبنانية. وفي السر، وبالطرق الالتفافية، تقدم سكوت الرضى عن بنيامين نتنياهو، وترسل إشارات الموافقة على بقاء إسرائيل في خمسةِ مرتفعات جبلية حاكمة ميدانياً في الجنوب. فرنسا سقط اقتراحها بحلول القوات الدولية مُعزّزة بمشاركة فرنسية في هذه المرتفعات في إطار تطبيق القرار 1701. نتنياهو يلعب برعاية ترامب في ملعب التنصل من الالتزامات، ويواصل خططه في لبنان وغزة وسوريا.

تعرف واشنطن أنَّ التلاعب بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب يترك آثاراً تفجيرية في الداخل اللبناني، وفي معادلات السلم الأهلي، وهي تتعمَّدُ ذلك لترسخ الوصاية بصورة واسعة، ابتداءً من مطار بيروت وصولاً إلى مراكز صنع القرار

كلُّ هذه المؤشرات تؤثر سلبياً في هدف قريب. لن تنسحب إسرائيل في 18 شباط/فبراير من المناطق التي ما زالت تحتلـُّها في جنوب لبنان. ستواصل الاعتداءات والتهديدات، وستكمل محاولتها في تركيب القوس العسكري من مرتفعات جبل عامل، إلى مرتفعات جبل الشيخ والجنوب السوري، لتصبح في وقت واحد مطلة على دمشق وتبقى قريبة من كل البقاع ومؤثرة على بيروت، ومتآلفة كلياً مع خطط ترامب لمزيد من تخريب المنطقة عبر مشاريع التهجير والتوطين. لا فصل بين هذه الخطوات فهي سلَّة أميركية-إسرائيلية متكاملة.

بإزاء ذلك، قد تُصبح الهيكلية الجديدة لتطبيق القرار 1701 ووقف إطلاق النار كلُّها في مهب الريح، وقد نسمع قريباً بنغمات أميركية مستحدثة لتغيير هذه الهيكلية نفسها، ولطلب تمديد البقاء الإسرائيلي مرات جديدة. وعندئذ سيكون لبنان أمام مستجدات قاسية يُفْترضُ أنَّها أُخِذت بالحسبان عند الموافقة على آلية تطبيق القرار 1701 إلَّا أنّه حتى اللحظة لم نرَ دليلاً على ذلك، لا في العلن ولا خلف الكواليس، بما فيها اللحظات التي أعقبت التصريحات الباجحة للمبعوثة الأميركية “أورتاغوس” التي تـَصالـَفَتْ عندما شكرت إسرائيل لأنها هزمت المقاومة على حدِّ تعبيرها. وهي تجهل أو تتجاهل أن المقاومة فكرة وإرادة وانتماء وهوية لا تهزم، وأن الصراع لم ينته حتى تختمه “أورتاغوس” بهذه الطريقة التي تدل على أن واشنطن لا تريد أن تنظر إلى لبنان بوصفه دولة ذات سيادة بل بوصفه كياناً تحت الانتداب الأميركي.

تعرف واشنطن أنَّ التلاعب بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب يترك آثاراً تفجيرية في الداخل اللبناني، وفي معادلات السلم الأهلي، وهي تتعمَّدُ ذلك لترسخ الوصاية بصورة واسعة، ابتداءً من مطار بيروت كما فعلت مؤخراً، وصولاً إلى مراكز صنع القرار.

أمام هذه المشهديّة ماذا سيكون موقف الحكومة اللبنانية التي تعكف الآن على إعداد بيانها الوزاري؟

يقول الرئيس نواف سلام “إننا نعمل على أن تنسحب إسرائيل في 18 شباط/فبراير وربّما قبل”.. ماذا لو كان الأمر عكس ذلك كما تدلُّ المؤشرات؟ هنا تتسلط الأنظار على البيان الوزاري الذي يُفْترض أن يتضمَّن رؤية سياسية للتعامل مع هذه المسألة الخطيرة، ولا بدَّ من رؤية جديدة أيضاً إلى قضية الوحدة الوطنية التي تأخَّر انتقالها من الكلام إلى الفعل عقوداً طويلة. طبعاً لا نغفل أبداً أن البيان الوزاري سيتناول قضايا أخرى ملحّة، اجتماعية وتنموية، لكن لا يمكن الإنجاز في هذه القضايا من دون الحسم في القضايا الوطنية.

إننا ننتظر البيان الوزاري لنرى كيف ستوفق الحكومة بين المهمات الداخلية، والتحديات الإقليمية القريبة، فكيانات المنطقة مهدّدة بعد مشاريع دونالد ترامب بالخلخلة ولا سيما في سوريا والأردن ولبنان. وإذا لم يستطع البيان أن يؤسس لنهج وطني واضح في التعامل مع المستجدات الآتية فإن الحكومة الجديدة ستتحول سريعاً إلى حكومة قديمة وتدخل في دوَّامة إدارة أزمة لا معالجة أزمة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  أن تُقر الأحزاب بإخفاقها.. حكومة بلا حزبيين!
بسّام ضو

عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الكُتّاب اللبنانيين

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  لودريان.. راعي أبرشية فرنسا في لبنان