18009/05/2023
كتب جدعون ليفي، الصحفي "الإسرائيلي" في "هآرتس"، المعروف بانتقاداته الحادة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، نصاً عن إستشهاد الأسير الفلسطيني خضر عدنان، ندر أن تجد مثيلاً له في عشرات الصحف والمجلات العربية!
“إذا كان في إسرائيل والمناطق التي احتلتها شخص ينطبق عليه تعريف “محارب حرية” فهو خضر عدنان، الذي توفي الاسبوع الفائت في السجن. فهو حارب من أجل حريته، وكان مستعداً للتضحية بحياته مقابلها، في الوقت الذي كانوا فيه قلائل مستعدين لفعل ذلك. حارب ضد استبداد شرير وانتقامي. اعتقل مرات كثيرة لسنوات من أول تحطيم معنوياته. وحارب لأجل حقه الأساسي وهو العيش بحرية.
كان عدنان معتقلاً سياسياً بكل معنى الكلمة. لا أحد اتهمه بالإرهاب يوماً ما. وعندما اتّهم بشيء ما في الاعتقال الأخير، كان في شيء بسيط وتافه نسبياً، وهو الإنتماء إلى منظمة غير مشروعة، واتهامه بالتحريض أيضاً. شملت التهمة المشاركة في العزاء والتشجيع على الإضراب عن الطعام. وبسبب ذلك، اعتقل حتى انتهاء الإجراءات. وإذا لم يكن هذا اعتقالاً سياسياً، فما هو إذاً الاعتقال السياسي؟
أُرسل أليكسي نافالني إلى 10 اعتقالات إدارية في روسيا الديكتاتورية. وأرسل خضر عدنان إلى 12 اعتقالاً إدارياً في إسرائيل الديموقراطية. وكلاهما يعارضان النظام. لو كان روسياً أو إيرلندياً أو من بورما أو إيران لاعتبر محارب حرية وتفاخر به الإسرائيليون، ولكن لأنه فلسطيني يعتبر إرهابياً. الأيام الـ 86 الأخيرة لعدنان كانت أياماً من التنكيل، الذي سبب له معاناة لا توصف. ولكنها أيضاً كانت أيام عار لإسرائيل وللرأي العام فيها ولوسائل الإعلام ولمعسكر الاحتجاج. من الذي سمع عن إضرابه عن الطعام؟ من الذي كتب عنه؟ ومن اهتم للأمر؟.
سألته “كم انخفض وزنك”؟ أجابني “لا تسألني كم انخفض وزني، اسألني كم ارتفعت كرامتي”. مات باحترام. من المؤسف أنه لا يوجد الكثير من الإسرائيليين يحترمونه كما يستحق”
إن احتضار محارب حرية، مر باهتمام أقل من احتضار كلب ضال. وعندما لفظ أنفاسه تعبنا منه ومن حروبه من أول الحرية – الأمر الوحيد الذي أثير تركز على رد “حركة الجهاد الإسلامي”. لا أحد تحدث عن دوافعه وعدالته وعار الاعتقال الإداري لنحو ألف شخص أو عن طريقة موته. هل كان يمكن ويجب منع موته، ومنع جولة قتال أخرى في منطقة الجنوب؟
مسؤولية إطلاق الصواريخ ألقيت في هذه المرة على “الشاباك” ومصلحة السجون، التي منعت إنقاذ حياة خضر عدنان بشكل متعمد وبوعي. هذا ليس غير أنهم أرادوا موته، وإلا قدموا له العلاج، كما فعلوا في إضراباته السابقة. لم يرغب عدنان في الموت. هم أرادوا أن يموت كي يخيف موته غيره. أرادوا موته لأنهم رأوا فيه شخصاً لا تهمه إسرائيل أو حياته أو موته.
هم أرادوا موته مع معرفتهم بأن هذا الأمر سيؤدي إلى جولة عنف، ومع ذلك لم يحركوا ساكناً..
تابعتُ اعتقالاته، التقيتُ مع والده وزوجته وشقيقته في بيتهم في بلدة عرابة أثناء إضرابه الأول. والتقيته في صيدلية في نابلس بعد الإضراب قبل الأخير له عن الطعام.
كان خضر عدنان متعباً بعد 54 يوماً من الجوع. ولكنه كان مصمماً على عدم التنازل، وقد بالغ قليلاً بأهمية نضاله. “إسرائيل جعلتني رمزاً. نجحت في إظهار وجهها القبيح”.
عدنان تحدث بعبرية زاهرة مع كثير من لفظ “إن شاء الله وتبارك الله”. عندما قال ذات مرة لمن حقق معه بأن يأمل أنه “بعون الله سيرى أولاده”. أجابه المحقق: “الله الآن منشغل بسوريا”. سجانوه أكلوا الشاورما والبيتزا في غرفته في المستشفى أثناء إضرابه السابق عن الطعام، الأمر الذي جعله يعاني أكثر. سألته “كم انخفض وزنك”؟ أجابني “لا تسألني كم انخفض وزني، اسألني كم ارتفعت كرامتي”.
مات باحترام. من المؤسف أنه لا يوجد الكثير من الإسرائيليين يحترمونه كما يستحق”.