منصة المواطنة المدنية.. لا بد من خطوة أولى

سنة بعد سنة، يُثبت هذا النظام الطائفي اللبناني المهترئ فشله الذريع كونه أسير المحاصصات الطائفية؛ لذا، بات من المُلحّ أن ينتقل لبنان من النظام الطوائفي السائد إلى دولة مدنية ديموقراطية عصرية تُلبّي طموحات الأجيال المستقبلية.

لبنان هو البلد الديموقراطي الأقدم في العالم العربي، إلا أنه يعاني من نواقص وثغرات وعاهات تشوبُ نظامه السياسي الذي تحكّمت به الطائفية والمذهبية وذابت فيه الهوية الوطنية في أتون المحميات الطائفية والمناطقية، فباتَ هذا النظام السياسي الزبائني الطائفي المناطقي مُشوِّهاً للديموقراطية، وغدت الطائفية المتجذرة في التركيبة اللبنانية والتي تفتكُ بمجتمعنا، أشبهُ بمرض ينهشُ كيان الوطن.

من هذا المنطلق، اخترتُ أن أخوض غمار مشروع منصة المواطنة المدنية التي تُشكّل إحدى الأدوات للوصول إلى دولة مدنية ديموقراطية عصرية، في خُطوة طموحة وتأسيسيَّة نحوَ لبنان المدنيِّ، وذلك إيماناً مني بأنّ وحدها الدولة المدنية تُشكّل خشبة خلاص لبنان فيما اللبنانيون اليوم هائِمونَ في البحثِ عن سُبل الخلاص، كوننا أبناء وطن لا أبناء طوائف، تجمعنا روح المواطنة والانتماء الخالص لوطننا.

إنّ هذه المنصة المدنية ليست حزباً سياسياً اليوم بل هي “قوة تأثيرية” وطنية بامتياز وبأجندة وطنية، هدفها تهيئة الأرضية المؤاتية لإرساء دولة مدنية عصرية تحكم نفسها بنفسها؛ دولة مواطنة تعزز الانتماء للوطن، وتُعلي دولة القانون وتُحقّق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين باعتماد مبدأ الكفاءة وتُؤمّن العيش الواحد بمعزل عن أية ولاءات دينية أو عرقية أو عشائرية أو مناطقية؛ دولة تسعى إلى ترسيخ مفهوم سيادة القانون في دولة المؤسسات وإلى تكريس النظام الديموقراطي العادل الذي يؤمّن المساواة بين المواطنين.

الرحلة التي ستستغرقها منصة المواطنة المدنية قد تبدو لأول وهلة طويلة وربما شائكة ومحفوفة بالصعوبات في بلد لم يُعبّد الطريق بعد لمثل هذا المشروع الطَموح. إلا أنني على يقين بأنّ رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى التي لا تتحقّق من خلال شعارات فارغة، لا بل من خلال خارطة طريق واضحة المعالم

وتشكّل عملية مكافحة الفساد المدخل الأساس لإرساء هذه الدولة العصرية، فلا دولة مدنية في ظلّ نظام سياسي فاسد أصاب بالشلل كلّ مفاصل الدولة وانعكس سلباً على بُنية الاقتصاد الوطني وهيكليته فشكّل جرحاً نازفاً في خزينة الدولة وفرض واقعاً سياسياً مُهترئاً تحكمه أولويات المصالح الشخصية الضيقة والمحسوبيات وتفحّ منه روائح السمسرة والتلزيمات والصفقات المشبوهة.

لا شكّ في أنّ الرحلة التي ستستغرقها منصة المواطنة المدنية قد تبدو لأول وهلة طويلة وربما شائكة ومحفوفة بالصعوبات في بلد لم يُعبّد الطريق بعد لمثل هذا المشروع الطَموح. إلا أنني على يقين بأنّ رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى التي لا تتحقّق من خلال شعارات فارغة، لا بل من خلال خارطة طريق واضحة المعالم.

ومن أبرز هذه المعالم:

  • إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يُكرّس مبدأ العدالة ويحقّق المواطنة والمساواة. هذا القانون من شأنه أن يُغزز فرص المواطنة الحقيقية ويحقّق الوحدة الوطنية والاجتماعية.
  • إقرار قانون جديد لتنظيم الأحزاب السياسية، يضمن الارتقاء نحو أحزاب سياسية بمقاييس ومعايير راقية عصرية تعكس صورة لبنان وتنوّعه وتعزز مفاهيم المواطنة، الهوية الوطنية، الانتماء للوطن، التداول على السلطة، الفصل بين السلطات، الديموقراطية، والحرية.
  • إقرار قانون انتخابي من خارج القيد الطائفي يعتمد نظام الاقتراع النسبي ويعتمد لبنان دائرة وطنية واحدة على الأساس الحزبي.
  • إقرار قانون اللامركزية الإدارية التنموية لتحقيق لامركزيّة جغرافية تنموية (وغير قائمة على فرز طائفي وبنوايا تقسيمية)، فاعلة ومُنتجة من شأنها تحقيق الإنماء الشامل الذي اعتبرته مقدمة الدستور “ركناً أساسياً من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام”.
  • إقرار قانون استقلالية القضاء. ففي ظلّ نظام قضائي باتَ اليوم رهينة التدخلات المستمرّة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي ظلّ التخبّط الكبير الذي نشهده في الجسم القضائي، من الضرورة بمكان تحقيق استقلالية القضاء وصولاً لشفافيته بهدف استعادة هيبة الدولة ووقارها.
  • إقرار قانون يقرّ بتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والفرص والواجبات بين الرجال والنساء (بدءاً بمنح المرأة اللبنانية الحقّ في منح الجنسية لأولادها). تؤمن منصة المواطنة المدنية أنّ المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حقّ أساسي من حقوق الإنسان، تُشكّل عاملاً أساسياً لتحقيق السلام في المجتمع.
  • إقرار كتاب “التنشئة الوطنية” و”التربية المدنية” وذلك لتنشئة الأجيال الصاعدة على مبدأ المواطنة وتعزيز مبدأ الانتماء للوطن.
  • إقرار قانون يُلزم المؤسسات الدينية في لبنان أن تحذو حذو سائر المؤسسات في لبنان في دفع الضرائب وتسديد الرسوم على غرار ما تقوم به الدول الراقية.
  • إقرار قانون التربية البيئية الذي يُلزم طلاب المدارس الابتدائية والثانوية على زرع شجرة باسمهم قبل التخرّج من المقاعد الدراسية. بذلك، تكون المنصة قد ساهمت من خلال هذا القانون، ولو مساهمةً خجولة، في ترسيخ التربية البيئية في النظام التربوي الوطني وفي تمكين لبنان من تنفيذ جزء ولو بسيط من أجندته البيئية الوطنية.
  • تبنّي اقتراح قانون يؤدي بموجبه كل تلميذ في المراحل الثانوية والتكميلية خدمةً مدنية اجتماعية للمساهمة في تحفيز الشباب على فضيلة خدمة المجتمع، إذ إنّ ممارسة الخدمة الاجتماعية تساهم، على غرار خدمة العلم التي أُلغيت قبل سنوات، في تعزيز روح الخدمة المدنية ومبدأ المُواطنَة وترسيخ الهوية الوطنية في عقول الشباب اللبناني الواعد.
  • تبنّي قانون التنشئة الرياضية في المدارس الذي يساهم في تعميق مفاهيم ثقافية رياضية قيّمة لدى الطلاب وغرس قيم رياضية سامية أبرزها التحلّي بالروح الرياضية والتنافس الشريف وترسيخ رسالة الرياضة التي تتعدى الربح والخسارة فيتمّ تقبّل الخسارة ولا يتعالى الرابح فتقوم المنافسة على الاحترام وتتمّ كذلك تنمية روح الجماعة والفريق.
  • نشر الثقافة المدنية/ العلمانية في الجامعات والثانويات عبر المحاضرات والندوات.
  • تعزيز العلاقات التكاملية بين القوى والشخصيات العلمانية خلافاً للتنافس الذي هو قائم اليوم بين هذه القوى.
إقرأ على موقع 180  السودان.. أفغانستان القرن الأفريقي وشرق أفريقيا؟    

إنّ هذا المشروع ليس مشروع طرف سياسي لا بل هو مشروع كلّ اللبنانيين يتبنّاه كل وطني سئم الخطابات الطائفية الرنّانة والاصطفافات الطائفية، ويريد الانتقال من فيدرالية الطوائف إلى دولة المواطنة.

هيَ ورشة وطنية كبيرة بامتياز يطمحُ كل واحد منا إلى تحقيقِها، يداً بيد، من خلال تطبيق خارطة الطريق التي عرضتها.. معاً، سنترجم هذا الحلم إلى واقع.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إلى صديقي.. الإنهيار الكلي ليس حتمياً