أزمتا الاحتياط و”الحريديم”.. تهديد وجودي لإسرائيل!

إعلان عشرة آلاف عنصر إحتياط من 40 وحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي تركهم الخدمة وتهديد 70% من الطيارين في سلاح الجو الإسرائيلي بالإضراب اعتراضاً على مشروع "الإصلاحات القضائية"، هما خطوتان توازيان بأبعادهما الانقسام الحاصل في المجتمع الإسرائيلي وما تسمى "التهديدات الخارجية"، ولا سيما من "الجبهة الشمالية".

بداية، يتشكل الجيش الاسرائيلي من ثلاثة أطر تنظيمية رئيسية:

جيش الخدمة الإلزامية؛ يقوم على مبدأ الخدمة العسكرية الالزامية وشبه العامة. ثمة تجنيد إجباري للرجال والنساء فوق سن الثامنة عشرة (فترة التجنيد سنتين للنساء وثلاث سنوات للرجال)، باستثناء واسع لغير اليهود ما عدا الدروز المفروض عليهم تأدية هذه الخدمة، واستثناء طلبة المدارس الدينية من اليهود المحافظين المعروفين باسم “الحريديم”، وهو تعبير يعني بالعبرية “من يرتعشون أمام الرب” أو “الاتقياء”، وهؤلاء يُحرّمون دخول أولادهم إلى الجيش.

الجيش المحترف؛ أو ما يعرف بالجيش النظامي، بحيث يتطوع “المواطن” الإسرائيلي من تلقاء نفسه للعمل ضمن الوحدات العسكرية في الجيش بعد إنهائه الخدمة الإلزامية.

جيش الإحتياط؛ وجد الإسرائيليون ضالتهم في جيش الاحتياط الذي يرفد المؤسسة العسكرية بالعدد الأكبر من الضباط والعناصر مقارنة بعديد جيش الخدمة الإلزامية وجيش المحترفين مجتمعيْن (يشكل الاحتياط 65% من مجموع الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي). إلا أن الاحتياط تكون مشاركته متواضعة في وقت السلم، كي لا تتأثر القطاعات الإقتصادية سلباً. إذ يتعين على جندي الاحتياط قضاء عدة شهور في الخدمة العسكرية سنوياً (كلٌ حسب الحالة الخاصة به). وكل “مواطن” اسرائيلي، رجلاً كان أم امرأة، هو بمثابة احتياط بعد إنهاء خدمته العسكرية الإلزامية ما لم ينضم أو تنضم إلى الخدمة النظامية. وتزداد مشاركته تصاعدياً كلما تأزمت الأوضاع الأمنية وصولاً إلى التعبئة الشاملة إبان الحروب.

والجدير ذكره أن فكرة جيش الاحتياط جاءت تطبيقاً لنظرية “أمة تحت السلاح”، التي تعني التجنيد العام للرجال والنساء مع استثناءات أشرنا إليها آنفاً، وتعزيز القدرة على جمع أكبر عدد من الجنود ليتسنى للمؤسسة العسكرية القيام بالمهمات الملقاة على عاتقها، عدا عن وجوب بقاء القوات العسكرية الإسرائيلية في حالة تفوق دائم على الجيوش المحيطة طبقاً لعقيدة الأمن القومي الإسرائيلي.

وبطبيعة الحال، نظرية “أمة تحت السلاح” تنسجم وتتماهى مع وصف ديفيد بن غوريون لإسرائيل بأنها “عبارة عن مجتمع للمحاربين”.

لذلك، يستحوذ موضوع الاحتياط على اهتمام كبير لدى القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، خصوصاً في الآونة الأخيرة، إذ بات هؤلاء الجنود جزءاً رئيسياً من حراك الرأي العام المعترض على التشريعات القضائية التي تحاول حكومة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف إقرارها. هؤلاء لم يكتفوا بعرائض الاحتجاج التي وقع عليها كبار الجنرالات في الجيش الإسرائيلي، يتصدرهم الجنرال دان تولكوفسكي، الذي شغل منصب قائد القوات الجوية الإسرائيلية من 1953 إلى 1958، وصولاً إلى أميكام نوركين، الذي كان قائداً للقوات الجوية حتى نيسان/أبريل 2022، ولا حتى بالمشاركة في الاحتجاجات التي عمّت المدن الإسرائيلية والتدوين على مواقع التواصل، إنما الأمر الخطير يتمثل بتلويح عشرات الآلاف منهم بترك وظائفهم وعدم الالتحاق بوحداتهم.

يستحوذ موضوع الاحتياط على اهتمام كبير لدى القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، خصوصاً في الآونة الأخيرة، إذ بات هؤلاء الجنود جزءاً رئيسياً من حراك الرأي العام المعترض على التشريعات القضائية التي تحاول حكومة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف إقرارها

وبرغم ذلك، لم يكن بوسع القيادة العسكرية التعامل معهم بقسوة برغم أن ما يقومون به يقع في خانة المحرمات في الجيش الإسرائيلي وسائر الجيوش في العالم. وهذا ما دفع بكثيرين لانتقاد القيادة العسكرية، وقد أتت إقالة بنيامين نتنياهو لوزير دفاعه يوآف غالنت في هذا الصدد، والمفارقة بأنها لم تنفذ، وهذا ما يُدلل على مأزق الحكومة التي لا تقدر على محاسبة وزير مهما اختلفت معه.

واللافت للإنتباه أن سياسة الجيش حيال التهديدات برفض التطوع هي سياسة احتواء و”احتضان” انطلاقاً من فهم قيادة الجيش إلى الحاجة لمنظومة احتياط كفوءة ومتكاتفة. ومن شأن هذه السياسة، برأي مسؤولين إسرائيليين، أن تدفع جنود الاحتياط إلى مزيد من التمرد في محطات مقبلة، وهذا ما يُهدّد أسس وبنيان الجيش الذي تقوم عليه إسرائيل من ألفها إلى يائها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ثمة تعتيم في الإعلام الإسرائيلي فيما إذا كان جيش الإحتياط قد امتثل لقيادة الجيش والتحق بوحداته أثناء الحرب الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية، إثر اغتيال إسرائيل عدداً من قادة حركة “الجهاد الإسلامي”، في قطاع غزة، ورد الحركة بقصف مدن غلاف غزة وصولاً إلى تل أبيب.

ولعل رغبة إسرائيل بعدم توسيع المعركة نابع من خشيتها من تمرد جنود الاحتياط على المهمات المطلوبة منهم، خصوصاً أنه أثناء الحرب يُستدعى السواد الأعظم منهم.

وبطبيعة الحال، مشكلة الجيش الإسرائيلي لا تنحصر بعدم استجابة جنود الاحتياط له، إنما يعاني هذا الجيش من عدم ضم شباب “الحريديم” إلى صفوفه. الأمر لا يتوقف عند حدود الإمتناع عن تأدية الخدمة العسكرية، إنما في الأموال (الإعانات) الضخمة التي تخصص لمؤسساتهم التعليمية وطلابهم العاطلين عن العمل في كل موازنة. وهذا ما دفع برئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، عضو الكنيست، أفيغدور ليبرمان إلى شنّ هجوم لاذع على بنيامين نتنياهو المدافع بشدة عن هذه الإعانات.

إقرأ على موقع 180  مركز هرتسليا: تحركات إقليمية خارج المعسكرات والتحالفات

في هذا السياق، يتوقع خبير التنمية الاقتصادية البروفيسور دان بن دافيد، في سنة 2065، أنه سيكون 40% من مواليد إسرائيل من “الحريديم”، و15% من العرب، و35% من اليهود المتدينين وغير المتدينين.

من هذه الأرقام يخلُص المحلل السياسي في “هآرتس”، روغيل ألفير إلى أن “الحريديم” سوف يُشكلون العدد الأكبر من المجتمع الإسرائيلي، والاقتصاد الإسرائيلي سينهار، وستصبح إسرائيل دولة متخلفة، والجزء الأكبر من سكانها يعاني جرّاء الجهل الذي يبدأ من عدم حصول طلاب “الحريديم” على التعليم الأساسي في المدارس الابتدائية.

ويختم مقالته بالتحذير من “قنبلة نووية حريدية. مشروع نووي اجتماعي منظّم سيدمر دولة إسرائيل الليبرالية والمتعلمة والمزدهرة.. وإذا كانت هذه هي الحال، ففي إمكان إيران التخلي عن برنامجها النووي، وأن تنتظر، بصبر، الانفجار النووي الحريدي”.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إسرائيل في مواجهة إيران عتبة نووية؟