“محور المقاومة”.. حروب بالوكالة أم دكاكين سياسية أم اتحاد مصالح؟ 

مع كل أزمة إقليمية، تُثار أسئلة بشأن طبيعة العلاقة بين إيران وأصدقائها في المنطقة وتحديداً أولئك المنضوين في إطار "محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة ومشروع الإحتلال للعديد من الأراضي العربية ولا سيما أرض فلسطين؛ وثمة قراءة إيرانية تعتبر أن لا هدف يتقدم أمريكيا على هدف حماية مصالح واشنطن وبينها دعم إسرائيل وحماية أمنها القومي بعيداً عن كل مُسميات أمن المنطقة ومصالح شعوبها.

هذه الأسئلة كانت أكثر دقة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر علی خلفية عملية “طوفان الأقصی” في غلاف غزة، وما رافقها من حراك عسكري لفصائل المقاومة في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا. فهل تتحرك هذه الفصائل بأمر من طهران؟ هل أنها تُحارب بالوكالة؟ هل هي مجرد أذرع لطهران تُحرّكها متی تشاء إستناداً إلی مصالحها وعلاقاتها مع الإقليم والغرب؟ هل هذه الفصائل مجرد “دكاكين إيرانية” تفتح متی شاء صاحب البازار لعرض بضائع جديدة أو خدمات مدفوعة الثمن؟

الأجوبة علی هذه الأسئلة وغيرها تكون عادة بـ”نعم كبيرة” لدى الأوساط التي تختلف مع “المشروع الإيراني” ومشروع “محور المقاومة”؛ وهي عند هذه الأوساط من المسلمات التي لا تقبل القسمة علی اثنين. لكن ما يتحدث به أصحاب الشأن من الإيرانيين ومن قيادات المقاومة يُفضي إلى تقديم صورة مختلفة لتلك الصورة النمطية حول علاقة طهران بحلفائها في المنطقة. هذه الاشكالية، وإن كانت الإجابة عليها معقدة، إلا أنها لا تمنع من محاولة طرح السؤال على “أهل الدار”.

وللمناسبة، فإن مصدري ليس شخصية عابرة أو متطفلة بل شخصية مطلعة ومنخرطة في هذا “المحور” منذ عقود، وأثق بمعلوماته لقربه من قيادات هذا “المحور”. سألته أولاً عن موقع “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني من هذا المحور؟ أجاب بكل وضوح؛ أن “الفيلق” هو الجهة الرسمية التي أنيطت بها إيرانياً مهمة تنظيم العلاقة مع عناصر “المحور”؛ وهذا “الفيلق” هو رأس حربة مواجهة الإحتلال الإسرائيلي ومواجهة التواجد الأجنبي في المنطقة، وتحديداً الأمريكي الذي لا ينظر إلى مصالح دول وشعوب هذه المنطقة إلا من خلال العين الإسرائيلية؛ ولذلك – يُضيف مُحدّثي – “نحن نعمل من أجل أمن واستقرار هذه المنطقة ولا نستحي من أحد عندما نقول إننا نريد شرق أوسط جديد يستند علی مصالح شعوب ودول هذه المنطقة؛ ونعتقد أن وجود كيان الاحتلال لا يخدم الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الغنية بالموارد البشرية والمالية والعوامل الجيوسياسية والجيوستراتيجية”. شكرتُه علی هذه الصراحة والشفافية قبل أن أقول له إن مثل هذا الطريق مكلفٌ ومتعبٌ وتنتابه عديد المخاطر، وقد لا يصل بالضرورة إلى نتيجة تخدم شعوب هذه المنطقة ناهيك عن إيران ذاتها! قال مُحدّثي “نعم، هذا صحيح وإيران دفعت وما زالت تدفع ضريبة باهظة الثمن لتحقيق أهدافها”.

قاطعته بالسؤال عن مصير شعوب المنطقة التي اختارت السير في هذا الطريق؟ أجابني “أين أخطأت إيران عندما دعمت المقاومة اللبنانية لتحرير أرضها من الإحتلال الإسرائيلي؟ وأين أخطأت إيران عندما دعمت الشعبين العراقي والسوري في مواجهة الحركات الإرهابية والتكفيرية التي كانت تنشر القتل والدمار والتقسيم والفوضی في المنطقة؟ وأين أخطأت إيران عندما دعمت اليمنيين لنيل حقوقهم والدفاع عن أرضهم وعودة الهدوء والاستقرار إلى بلدهم”؟

قلت لمُحدّثي “هذه الأفكار التي تطرحها ربما يكون مُختلفاً عليها في الدول التي ذكرتها تحديداً”. قال لي “أبداً.. شعوب وحكومات هذه الدول هي التي دعتنا للتواجد معها في الميدان من أجل مواجهة التحديات الإستراتيجية التي تواجهها. تصوّر ما الذي كان ليحدث لو أن تنظيم “داعش” الإرهابي يُسيطر علی سوريا والعراق وجزء من شرق لبنان بدعم إقليمي ودولي؟ ما هي انعكاسات ذلك علی دول المنطقة.. لبنان.. إيران.. تركيا وحتی الأردن وكل الدول الخليجية؟ ألم تُشكّل الولايات المتحدة ما يُسمى “التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب”؟ ما الذي فعله الشهيد قاسم سليماني غير ذلك؟ ألم يُحارب الإرهاب؟ لماذا تم استهدافه؟ لأنه وبكلام مختصر أراد مواجهة الإرهاب وحماية مصالح أهل المنطقة لكن ليس وفق المقاسات الأمريكية”!

وماذا عن العلاقة بين “محور المقاومة” وتحديداً العلاقة بين إيران وأصدقائها في هذا “المحور”؟ أجابني قبل أن ينتهي وقت اللقاء “سأكون واضحاً في جوابي لاعتبارات متعددة ترتبط بالوضعين الاقليمي والدولي”؛ وزاد قائلاً إن هذه العلاقة تعتمد علی الأسس الآتية:

أولاً؛ هي ليست علاقة سياسية بل علاقة أيديولوجية فكرية عقائدية يختلط فيها الديني بالسياسي والحضاري.

ثانياً؛ أولوية مواجهة إسرائيل والسياسات الأمريكية في المنطقة، وهذه المنطقة (الشرق الأوسط) تعاني كما نعاني نحن من هذه السياسات منذ عقود ولربما قبل أن تولد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979.

ثالثاً؛ طبيعة هذه العلاقة ليست علاقة رئيس ومرؤوس؛ ولا علاقة قائد عسكري بعسكره علی قاعدة “نفذ ثم اعترض أو ناقش”؛ كما أنها ليست علاقة مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية. إنها علاقة إستراتيجية وفق منظومة مصالح تخضع للأهداف العليا في المنطقة؛ وتستند علی قاعدة دراسة “تقدير الموقف” الذي ينسجم مع طبيعة الميدان الذي يخص كل عنصر من عناصر المحور الذي يتخذ بموجبه القرار الذي يخدم وضعه الميداني ويخدم الأهداف العليا التي تخص المحور. كيف يكون التحرك؟ ما هي أهدافه؟ بأي مستوی؟ هذه القضايا وغيرها متروكة لكل فصيل يعمل وفق ما يراه مناسباً، وفق “تقدير الموقف” الذي يرسمه لتحركه الميداني. هذا هو الإطار الذي نتحرك جميعاً في داخله لتحقيق أهدافنا المشروعة في المنطقة”.

إقرأ على موقع 180  فهم الحدث السوري، داخلاً وخارجاً.. نقاط ارتكاز منهجية

وجدتُ مُحدّثي هذه المرة منشرحاً أكثر مما كنتُ أتوقع لكنني أعتقد أنني استطعت أن آخذ منه ما يستطيع ان يخدم فكرة الفهم المشترك للعلاقات بين أهل هذا “المحور” في منطقتنا، وبالتالي توضيحها عند الأوساط الأخرى التي لا تتفق مع رؤية “المحور”.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  جورج قرم.. شعلةٌ لا يُطفِئها الزمن