نشر البروفيسور الإسرائيلي أور لافي، المختص بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، مقالاً بعنوان “‘هجرة طوعية من غزة؟ لقد جرّبت إسرائيل ذلك فعلاً” على موقع “زمان يسرائيل” العبري في 12/1/2024. ويحاول الكاتب في مقاله تفنيد فكرة الهجرة الطوعية التي تتعالى في الطرح السياسي الإسرائيلي لمستقبل قطاع غزة وأهله، ويستعرض في سبيل ذلك خطة للغرض نفسه، وكانت حكومة الاحتلال، بزعامة ليفي أشكول، قد نفذتها عقب حرب 1967 في قطاع غزة، وانتهت بفشل ذريع. ويحمل المقال في طياته معلومات تاريخية غير مشهورة على نطاق واسع، غير أن ما يرد فيه يستبطن عدداً من القضايا التي لم يشر إليها الكاتب، ومنها:
- إن مسعى تهجير أهالي قطاع غزة هو مسعى رافق الاحتلال منذ سنة 1967، مع أنه في ذلك الوقت لم تكن موجودة فيه أي مقاومة فلسطينية، ولم تكن حركة المقاومة الإسلامية – حماس، وغيرها من فصائل المقاومة، قد تأسست بعد.
- إن مشكلة الاحتلال الأساسية تكمن في الوجود الفلسطيني نفسه، سواء أكان مقاوماً أم مسالماً، وهذا منسجم مع طبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الذي يهدف إلى السيطرة على الأرض بأقل عدد من أهلها.
- يكشف هذا المقال الأساليب التي يتّبعها الاحتلال لتهجير الشعب الفلسطيني تحت مسمى “الهجرة الطوعية”، والتي هي ممارسة قديمة في تاريخ الاحتلال نفسه. وعلى الرغم من أن هذا المقال يتحدث، بصورة أساسية، عن قطاع غزة، فإن هذه الممارسة نفسها طُبقت في الضفة الغربية أيضاً.
- إن الواقع الحالي، سواء في قطاع غزة أم الضفة الغربية أم في أراضي 1948، يشير إلى أن الاحتلال لم يتخلَ عن هذه السياسة، لكنه غيّر وسائله، فبدلاً من الاعتماد على الحوافز المالية والمادية، أصبح يعتمد على وسائل أُخرى لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة من تلقاء أنفسهم؛ ففي غزة، يساهم الدمار والقضاء على كل مقومات الحياة في إرغام الفلسطينيين على الهجرة، نظراً إلى انعدام عوامل البقاء. وفي الضفة الغربية، يساهم الاستيطان، والأوضاع المعيشية الصعبة، والحصار، والتضييق على الأهالي، وتصاعُد عنف المستوطنين، في إقبال الفلسطينيين على الهجرة أيضاً. أمّا في الداخل المحتل، فإن تصاعُد الجريمة في الوسط العربي، وانتشار العصابات الإجرامية التي، في أقل تقدير، تتغاضى عنها حكومة الاحتلال، هي أدوات لدفع الفلسطينيين إلى ترك بلدهم. وقد عبّر وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كارهي، مؤخراً عن هذه السياسة باقتباسه لقاعدة شرعية من الديانة اليهودية تقول: “أرغمه حتى يقول أنا أريد“.
- مع كل الصخب الدائر حالياً بشأن فكرة الهجرة الطوعية، والتي نادى بها سموتريتش في خطته المعروفة بـ “خطة الحسم” منذ سنة 2017؛ وهي بالمناسبة تمثّل طرحاً سياسياً لدى عدة سياسيين ومختصين إسرائيليين قبل أن يطرحها سموتريتش بوقت طويل، فإن تنفيذ الخطة ليس مرهوناً بإعلان إسرائيل تنفيذَها رسمياً. فالذي يشير إليه المقال هو أن الاحتلال يسعى للمحافظة على سرّية خططه وتنفيذها بصورة تبدو طبيعية، من دون أن يلفت الانتباه إلى مساعيه وخططه. ولذلك، فمن المهم مراقبة ومتابعة ما يحدث على الأرض، وليس ما يعلنه الاحتلال صراحة.
- يوضح الكاتب أن السبب الرئيسي لفشل خطة الهجرة الطوعية التي يتناولها هو رفضها من جانب الفلسطينيين في قطاع غزة، على الرغم من سيل الإغراءات المالية والمادية التي قُدّمت إليهم لإقناعهم بها.
- من المهم توضيح أن هدف الكاتب من مقاله هو إظهار أن فكرة الهجرة الطوعية التي ينادي بها عدد من قادة الاحتلال غير قابلة للتنفيذ، وذلك لحثّ الحكومة على إيجاد بدائل لها، كي لا تُضطر إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وتتورط في إدارة الشؤون الحياتية للسكان، وهو عبء يدّعي الكاتب أن حكومة الاحتلال اضطُرت إلى الاضطلاع به منذ سنة 1967 حتى اتفاق أوسلو سنة 1993، في الوقت الذي لم تكن الحكومة معنية بتحمُّل هذا العبء الكبير.
ولأهمية المعلومات الواردة في المقال، فقد ارتأينا ترجمته حرفيا للقارئ الفلسطيني والعربي، مع إجراء تعديلات في الصيغة لعدد من المصطلحات والجمل، كي لا يبدو وكأنه ترديد للخطاب الصهيوني بحذافيره:
الترجمة الحرفية
“تتعالى، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصوات وطروحات لدى عدد من السياسيين والمسؤولين في حكومة الاحتلال تنادي بتنفيذ هجرة طوعية لسكان القطاع، وقد أخذت هذه الطروحات تنتشر في الخطاب السياسي والشعبي لدى الاحتلال، ولا سيما أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وبعض الوزراء في حكومته، كبتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، نادوا بها مراراً وتكراراً. ويفترض المقتنعون بهذه الخطة أنها ستكون مفيدة لدولة الاحتلال والفلسطينيين في غزة أيضاً؛ إذ ستشكل خلاصاً لسكان غزة من حالة الفقر، والبطالة، والاكتظاظ الخانق، وانعدام الفرص، التي يعيشونها في القطاع، وفي المقابل، فسيتخلص الاحتلال من الخطر الدائم الذي يشكّله القطاع على مستوطنات الجنوب، وسيعمّ الهدوء الدائم هناك.
لكن المشكلة في هذه الفكرة، والتي تبدو جذّابة على الورق، أن إمكانات تطبيقها تقترب من الصفر والاستحالة، ولا يمكن أن يحدث [تطبيقها]، وعلى الرغم من ذلك، فهي تحظى بأهمية في النقاش السياسي، لأنها فكرة شعبوية وبرّاقة.
ويعيش في قطاع غزة اليوم 2.2 مليون لاجئ، وقد وعد وزير المالية، والوزير في وزارة الحرب، بتسلئيل سموتريتش بأن دولة الاحتلال ستعمل على تهجير الأغلبية العظمى من السكان لتقليل عددهم إلى ما بين 100,000 و150,000 نسمة فقط، وهو عدد تستطيع دولة الاحتلال أن “تتعايش معه”.
والتهجير الجماعي لمجموعة بشرية بالإجبار هي عملية ستجابَه بردة فعل دولية حازمة، تشمل فرض عقوبات اقتصادية وخسارة الدعم الأميركي. وبما أن عواقب هذا الأمر واضحة لسموتريتش وأشياعه، فلا أحد منهم يتحدث عن تهجير قسري، إنما يقولون إنها هجرة طوعية؛ أي أن يخرج الفلسطينيون بإرادتهم إلى مكان آخر فيه مستقبل أفضل كثيراً لهم.
بعد حرب 1967، حاولت دولة الاحتلال أن تنفذ خطة تهجير طوعي مشابهة لما يدور الحديث عنه في هذه الأيام، وعلى الرغم من الموارد والجهود التي استثمرتها حكومة الاحتلال لتنفيذ تلك الخطة، فإنها مُنيت بالفشل، وتولت، في نهاية المطاف، وعلى خلاف ما كانت تريد، السيطرة الكاملة على كل السكان في قطاع غزة.
وفي حزيران/يونيو 1967، حققت دولة الاحتلال نصرها العسكري الأكبر؛ إذ في غضون 6 أيام، هزم الجيش الإسرائيلي جيوش سوريا ومصر والأردن، لتتوسع مساحة دولة الاحتلال المحدودة، التي أُقيمت سنة 1948، أضعافاً مضاعفة، بعد أن سيطرت على هضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.
وكان قطاع غزة إحدى المناطق التي شكلت معضلة مباشرة لدولة الاحتلال، إذ كان منطقة هشة من ناحية البنية التحتية، والخدمات، فضلاً عن اكتظاظه بالسكان، الذين أغلبهم من اللاجئين الذين هُجّروا من أراضي 1948. ومع ذلك، ومقارنةً بوضعه اليوم، فكان وضع القطاع أفضل كثيراً، إذ كان عدد سكانه في المجمل 450,000 نسمة، في مقابل 2.2 مليون نسمة الآن.
وبعد احتلال القطاع مباشرة، طُرحت عدة أفكار في مداولات حكومة إسرائيل بشأن مستقبله، وكانت الفكرة الأبرز هي تشجيع الهجرة لدى سكان القطاع إلى دول أُخرى، وبعد ذلك، ضمه إلى سيادة إسرائيل بعد أن يتم تفريغه من سكّانه. واقترح ليفي أشكول، رئيس الوزارء حينها، تجفيف المياه في القطاع لخلق ضائقة إنسانية، وتدمير ما تبقى من قطاع الزراعة، المحدود أصلاً، لتهيئة الأوضاع الخانقة التي ستجبر جزءاً من السكان على الهجرة إلى دول أُخرى.
وقد وضع موشيه دايان، وزير الحرب حينها، هدفاً طَمُوحاً لتقليص عدد سكان القطاع من 450,000 إلى 100,000، مقدّراً أن دولة الاحتلال تستطيع أن تتعايش مع هذا العدد. وقررت الحكومة حينها أنّ تنفيذ الخطة سيجري بتشجيع السكان في القطاع على الهجرة، وتقديم المساعدة لاستيعابهم في الدول الأُخرى التي سيهاجرون إليها، كما حرصت على إبقاء هذه الخطة سرّية، كي تتجنب ردات الفعل الدولية. وقال دايان أنه سينكر أي وجود للخطة في حال كُشف أمرها، وعُقدت لجنة تحقيق بشأنها.
إن المنادين بفكرة الهجرة الطوعية في هذه الأيام هم أعضاء في الكنيست، ووزراء شعبويون مختصون على مقاطع التكتوك، على النقيض من جيل وزراء سنة 1967 في حكومة الاحتلال، والذين كانوا رجالاً عمليين ينتمون إلى الجيل الذي أقام دولة الاحتلال، وأخذوا على عاتقهم تنفيذ المشاريع الضخمة، بدءاً بإقامة دولة الاحتلال نفسها، ومروراً باستيعاب موجات الهجرة اليهودية الضخمة إليها، واستيطان البلد وبنائه، وتأسيس جيش الاحتلال، والنظام التعليمي، وغيره.
واتساقاً مع خلفية أصحاب خطة الهجرة الطوعية سنة 1967، أُخذت الخطة المذكورة أعلاه على محمل الجد. ففي السنة الأولى بعد حرب 1967، أصبحت الخطة هي السياسة المركزية لحكومة الاحتلال تجاه قطاع غزة، وعيّن رئيس الوزراء، ليفي أشكول، عِداه سرني مسؤولة عن “مشروع الهجرة”. وكانت سرني أرملة المظلي الميثولوجي، أنتسو سرني، الذي حوصر وقُتل في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وكانت لها علاقات مع دول أوروبا، وعملت بعد المحرقة على البحث عن اللاجئين اليهود، وإقامة مخيمات لاستيعابهم.
وحُددت مهمتها، حينها، بتشجيع الهجرة الصامتة لسكان قطاع غزة، عبْر إيجاد دول مستعدة لاستقبال اللاجئين، وتقديم محفزات إلى الفلسطينيين المستعدين للهجرة إلى تلك الدول. وكانت الدول المستهدَفة، بحسب هذه الخطة، لاستقبالهم هي: الأردن، وممالك الخليج العربي، و”كل دولة أُخرى مستعدة لاستقبالهم”.
وكانت الفكرة أن الهجرة ستُنفَذ بصورة طبيعية، كما هو مفترض، من دون أن تلاحَظ بصمات أصابع إسرائيلية في تنفيذها، وذلك لتجنُب أي ردة فعل دولية ضد إسرائيل. وقد كان رئيس الوزراء، أشكول، متورطاً بصورة شخصية في الخطة، وحصل على تحديث أسبوعي بشأن تطوراتها، وبشأن عدد الغزّيين الذين كانوا مهتمين بالهجرة.
ونظراً إلى أن الفكرة كانت تتمحور بشأن إيجاد حالة من الهجرة الصامتة، فقد أُسست وحدة سرّية من شخصيات إسرائيلية ذات خلفية أمنية ممن لديهم “معرفة عميقة بالمجتمع والعقلية العربية”، وكانت وظيفة أعضائها العمل بين سكان القطاع، وإقناعهم بالهجرة الطوعية. وفي المقابل، أُجريت أبحاث معمقة، واستطلاعات رأي في المجتمع الفلسطيني، بهدف فحص إمكانات الاستجابة لعروض الهجرة.
وشملت حوافز تشجيع الهجرة الطوعية، التي قُدمت إلى الغزّيين تحت بند سلّة الهجرة، منحة مالية ومساعدة لوجستية خلال عملية الهجرة، ومساعدة لمرة واحدة خلال الهجرة نفسها (تكاليف السفر). وظلت كل النشاطات المتعلقة بتنفيذ الخطة بعيدة عن الأنظار، لأن إسرائيل خشيت التبعات الدولية، في حال اتضح أنها تنفذ عملية كهذه.
وعلى الرغم من الموارد التي خصصتها حكومة الاحتلال للخطة، فقد مُنّيت بفشل ذريع؛ إذ استطاعت سِرني أن تجد عدداً من الدول الأوروبية المستعدة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، لكن المشكلة الكبرى كانت في إقناع اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم بجدوى الهجرة، إذ رفضت الأغلبية العظمى منهم العرض المقدَم إليهم بصورة قاطعة، فلم تسحرهم حياة الرفاه في الدول الأُخرى مطلقاً، وأيضاً لم يتغلب الحافز المالي على تطلعهم إلى التمسك بأراضيهم. وفي النتيجة، فإنه بدلاً من هجرة 350,000 لاجئ، كما كان مقرراً في الهدف الذي حددته حكومة الاحتلال، أسفرت العملية في نهاية المطاف عن هجرة 20,000 لاجئ فقط.
وكانت النجاحات البسيطة التي تمكنت حكومة الاحتلال من تحقيقها تتمثل أساساً في سفر الغزّيين الذين يحملون جوازات السفر الأردنية، الذين استغلوا الفرصة التي أتاحها تطبيق خطة الهجرة الطوعية وانتقلوا إلى الأردن، وأيضاً في سفر نساء غزّيات ممن يعمل أزواجهن في دول الخليج ليلتئم شمل عائلاتهن، إذ مُنحت النساء المتزوجات من رجال يعملون في الخليج الفرصة للالتحاق بأزواجهن ضمن الخطة، وتبيّن أنّ لمّ شمل العائلات كان إحدى وسائل الإقناع الأنجح لدفع الغزّيين إلى الهجرة من أراضيهم، إلاّ إن هذا النجاح النسبي نفسه كان أحد عوامل إيقاف خطة الهجرة الطوعية، لأنه أدى إلى افتضاح أمر الخطة؛ إذ توجهت مصر والأردن إلى الأمم المتحدة بشكوى ضد دولة الاحتلال يتهمانها فيها بتنفيذ عملية تهجير للفلسطينيين، وإجبار اللاجئين على توقيع تعهدات بعدم العودة إلى قطاع غزة أو كل الأراضي الفلسطينية، وادّعيا في الشكوى أيضاً أن بهذه الطريقة أجبرت دولة الاحتلال 35,000 فلسطيني على الهجرة (لكن الرقم المتداول لدى حكومة الاحتلال كان أقل من ذلك كثيراً، واعتبرت أن تضخيم الرقم يهدف إلى تلطيخ سمعتها الدولية).
ونوقشت الشكوى في الأمم المتحدة، ووجدت دولة الاحتلال نفسها أمام ضغط دولي للسماح بهجرة عكسية للفلسطينيين أيضاً، أي لمّ شمل العائلات في قطاع غزة عن طريق السماح للفلسطينيين بالعودة من الأردن وغيره من الدول للاجتماع بعائلاتهم، واضطرت إلى الموافقة كي تسمح لها دول العالم بالاستمرار في مشروعها (المتستر تحت غطاء لمّ شمل العائلات). وأدى الإذن الإسرائيلي بلمّ شمل العائلات في قطاع غزة إلى عودة آلاف الفلسطينيين، الذين عوّضوا، في الواقع، من ناحية عددية، جزءاً من أولئك الذين تركوا القطاع خلال سنة 1968.
وبعد وقت قصير من النقاش في الأمم المتحدة بشأن الشكوى المصرية الأردنية، قررت إسرائيل إنهاء مشروعها الطَمُوح بتهجير سكان القطاع؛ إذ بعد مرور سنة على بدء تطبيق الخطة، والاستثمارات الضخمة التي ضُخت فيها، فإنها لم تتحقق أي نتائج عملية، فقد ظل 97% من سكان قطاع غزة في أراضيهم، وتعرضت دولة الاحتلال لإدانات وضغوط دولية في إثر تنفيذ خطة الهجرة الطوعية.
وفي هذه المرحلة، شرعت دولة الاحتلال في إنشاء إدارة مدنية للقطاع، وبدأت إدارة حياة الفلسطينيين بالكامل، على الرغم من أنها لم تكن تنوي أن تتحكم بكل سكان القطاع المكتظ، واضطرت إلى ذلك، لأنها لم تفلح في تهجيرهم.
إن تلك الفكرة الواعدة (على الورق) التي تهدف إلى تقليل عدد الفلسطينيين في غزة، لإنتاج وضع يمكّن دولة الاحتلال من ضم القطاع بأقل عدد ممكن من سكانه، كانت مخالفة للواقع الذي كان بعيداً جداً عن طموح دولة الاحتلال.
وبعد فشل خطة التهجير، بدأت حقبة سيطرة دولة الاحتلال على قطاع غزة، وهو وضع بقي على حاله حتى اتفاق أوسلو سنة 1993، وخلال تلك السنوات التي سبقت هذا الاتفاق، عرضت دولة الاحتلال على مصر أن تتولى إدارة قطاع غزة كجزء من اتفاق السلام بينهما، والذي وُقّع سنة 1978، لكن المصريين رفضوا الفكرة رفضاً قاطعاً.
إن مشروع الهجرة الطوعية بعد حرب 1967 انتهى بفشل، وظلت دولة الاحتلال فعلياً، وبخلاف إرادتها، تسيطر سيطرة كاملة على سكان القطاع. وفي ذلك الوقت، كان يعيش في قطاع غزة 450,000 غزّي، بينما بلغ عددهم سنة 1993، عشية اتفاق أوسلو، أكثر من مليون فلسطيني، أمّا اليوم، فعدد سكانه أكثر من مليونَي نسمة.
قال بتسلئيل سموتريتش إن قطاع غزة سيُفرَغ من سكانه، وسيظل فيه بين 100,000 و150,000 نسمة، ولتحقيق ذلك، فعلى إسرائيل أن تجد طريقة لـ “إقناع” أكثر من مليونَي نسمة بمغادرة القطاع، والحديث يدور هنا بشأن خيال ليس له أي مضمون عملي، ولذلك، فمن الأفضل أن نهتم بأفكار أقل شعبوية، ولها إمكان للتنفيذ.
وأولاً، وقبل أي شيء، فإنه يجب إيجاد جسم عربي، أو فلسطيني، أو دولي، يأخذ على عاتقه السيطرة المدنية على القطاع، ويمنع عودة “حماس” إلى الحكم، أو إلقاء العبء على دولة الاحتلال، كما حدث بعد سنة 1967″.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية