محمد صالح موقوفاً:إنه صندوق بريد اليونان

Avatar18023/09/2019
تتجاوز قضية توقيف الصحافي اللبناني محمد صالح، الشخص المستهدف نفسه، برغم تشابه الأسماء الذي يجعل أجهزة إستخباراتية غربية، تقع في أخطاء من هذا النوع. إنها قضية محاصرة شريحة لبنانية ومحاولة تدفيعها ثمن خيارات سياسية معينة.

يوما بعد يوم، تتراكم المؤشرات والإجراءات التي تجعل شريحة من الشعب اللبناني تشعر أنها محاصرة إقتصادياً ومالياً. هذا الإنطباع لا يأتي من العدم. “فزاعة” العقوبات الأميركية باتت تتهدد مصارف، مؤسسات، ورجال أعمال وربما تتطور لإستهداف أفراد ومؤسسات إعلامية وتجارية ليس من لون طائفي وحسب، بل ربما تتمدد لتشمل كل من يتهم، ولو بمجرد الشبهة، أو أحيانا الوشاية، بدعوى دورانها في فلك حزب الله، و كأن هناك من يريد القول أن “العين المفتوحة”، ولكن الإستهداف قد يكون أعمى. المهم أن يبقى السيف مصلتا، وأن يحسب البعض حساب كل دولار يحصل عليه أو يصرفه وكل إتصال يجريه وكل سفرة يقوم بها.

بعد بنك الجمال، وقبله البنك اللبناني الكندي، وما بينهما من لوائح شملت عشرات الشخصيات الحزبية وعشرات المؤسسات التي طالها سيف العقوبات (الأوفاك)، وقرارات منع التعامل، يأتي قرار توقيف الصحافي اللبناني محمد صالح في اليونان قبل أربعة أيام. فما هي تفاصيل القضية؟

يوم الخميس الماضي في 19 أيلول/ سبتمبر، كان محمد صالح المولود في حارة صيدا عام 1954 يقوم برحلة سياحية برفقة زوجته على متن إحدى السفن بين الجزر اليونانية، قادته إلى جزيرة ميكونوس التي تعج بالسائحين من شتى أنحاء العالم خلال موسم الصيف. هناك أوقفته الشرطة اليونانية تنفيذاً لمذكرة صادرة عن السلطات الألمانية، وبدأت التحقيق معه في سجن شديد الحراسة في جزيرة سيروس، وهي مركز مجموعة من الجزر تضم محكمة ومركزا للشرطة، ويمكن أن تنوب قضائياً عن أثينا، عاصمة اليونان. وقد سارعت وسائل إعلامية يونانية ووكالات أنباء أجنبية، ومنها رويترز، إلى الإعلان عن توقيف رجل “مشتبه في أنه ضالع بإختطاف طائرة الركاب الأميركية التابعة لشركة ( تي.دبليو. أيه) عام 1985، والتي أدت حينها إلى مقتل أحد الغواصين من أفراد البحرية الأميركية ممن كانوا على متنها، وبجريمة أخرى مرتبطة بها وقعت في العام 1987”.

وصل الخبر إلى مسقط رأس الصحافي محمد صالح في حارة صيدا جارة مدينة صيدا في جنوب لبنان، ليتسبب بحالة غليان. سرعان ما تبين أن الأمر برمته ناتج عن تشابه في الأسماء. فصالح صحافي معروف ومرموق في صيدا والجنوب، وقد إنخرط في العمل الصحافي منذ أواسط السبعينيات، وعمل على مدى سنوات مديرا لمكتب صحيفة “السفير” اللبنانية العريقة منذ العام 1974 وحتى لحظة إقفالها في مطلع كانون الثاني/يناير 2017 ، ليتفرغ من بعدها وحتى يومنا هذا لموقع الكتروني إسمه ” الإتجاه”، وهو عضو في نقابة المحررين اللبنانيين.

أبلغ اللواء إبراهيم السلطات اليونانية والألمانية بطبيعة عمل محمد صالح وبأنه صحافي لبناني معروف

وفي موازاة حملة التضامن الواسعة مع الصحافي الموقوف، أدارت السلطات الرسمية اللبنانية محركات الإتصالات مع العاصمة اليونانية لإزالة هذا الالتباس، فدخل على خطها رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة سعد الحريري، وزارة الخارجية، مرجعيات أمنية عدة، مؤسسة الأنتربول، غير أن المتابعة السياسية للملف أوكلت إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي تربطه أيضا علاقة عائلية بصالح وعائلته، فضلا عن صداقة تربطهما منذ أن تولى إبراهيم مسؤولية فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب(2005 ــ 2008). وقد أبلغ اللواء إبراهيم السلطات اليونانية والألمانية بطبيعة عمل محمد صالح وطلب مقارنة المعلومات الشخصية الواردة في سجله العائلي مع هوية المتهم الأصلي.

ونقلت وزارة الخارجية هذه المعطيات الى أثينا عبر سفيرها في بيروت، كما أوفدت القائمة بأعمالها إلى جزيرة سيروس، لتقديم المساعدة القنصلية لمحمد صالح في ضوء القوانين الدولية المرعية الإجراء.

وفي حين أخذت السلطات اليونانية علماً بكل هذه المعطيات، كانت ألمانيا تحتفل إعلامياً بما سمته “الإنتصار” بعد 33 عاماً على حادثة الـ (تي. دبليو. أيه.). وهي لم تكن حتى يوم الأحد قد أرسلت نسخة عن بصمات المتهم الحقيقي، لمطابقتها ببصمات الموقوف، علماً بأن هذه البصمات أُخذت من صالح منذ يوم السبت.

وفيما أكد اللواء إبراهيم لموقع 180 أن محمد صالح بخير وأن قضيته قيد المعالجة، موضحا أنه أجرى إتصالات بالسلطات اليونانية والألماانية، متوقعا عودة الصحافي الموقوف إلى عائلته قريبا، تمكن محمد صالح من التواصل مع العائلة.

ومن المقرر أن يمثل صالح اليوم الإثنين أمام المدعي العام اليوناني في جزيرة سيروس، ترافقه محامية يونانية تم تكليفها من قبل المحامي حسن شمس الدين، بتكليف من نائب صيدا بهية الحريري. ويقول شمس الدين لموقع 180 إن اليونان لا تملك ملفاً للقضية، بل هي مجرد صندوق بريد. ونحن بإنتظار ما سترسله ألمانيا لتأكيد المؤكد، لأن الخطأ قائم والموقوف لا علاقة له بالتهمة الموجهة إليه، ولذلك، فالنتيجة محسومة وهي إطلاق السراح، لكن المشكلة تكمن في بطء الآليات القضائية، لا سيما تلك المتعلقة بالانتربول.

يؤكد المحامي حسن شمس الدين أن هناك 22 شخصا من حارة صيدا يحملون إسم “محمد علي صالح”

ويشير شمس الدين الى أن المراسلات بين الدول في قضايا كهذه قد تستغرق في بعض الأحيان ثلاثة أسابيع، فضلاً عن أن جهة أخرى متضررة من القضية الأم وهي خطف طائرة الـ ( تي دبليو أيه)، أي الولايات المتحدة قد تدخل على الخط للتأكد من هوية الموقوف، وإن كانت هناك شكوك كبيرة حول المسألة، لكن هذه الدول عادة ما تدقق بشكل كبيرفي القضايا التي تضنفها “إرهابية”. ويؤكد المحامي حسن شمس الدين أن هناك 22 شخصا في حارة صيدا يحملون إسم “محمد علي صالح”، غير الصحافي الموقوف، فضلا عن أن أبناء المنطقة يؤكدون أنهم لم يسمعوا مطلقاً بمتهم من أبناء منطقتهم في قضية الطائرة، فعلى أي أساس تم التوقيف؟

إقرأ على موقع 180  فينيقيا المقتولة بالأمس.. لبنان المقتول اليوم 

 يذكر أن عملية إختطاف طائرة “تي دبليو أيه” في الرحلة رقم 847 من أثينا إلى روما قد وقعت في 14 حزيران / يونيو 1985 ، وكان على متنها 153 مسافراً، وقد تبنتها في حينه مجموعة أطلقت على نفسها إسم “منظمة المضطهدين في الأرض”. وقد تلخّصت مطالب الخاطفين في ذلك الوقت بإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيليّة، وإصدار إدانة دوليّة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانيّة.

توقفت الطائرة المختطفة مرات عدة في مطار بيروت، وفي مطار الجزائر، جرى خلالها اطلاق عدد من ركاب الطائرة.  تم توجيه أصابع الاتهام بتنفيذ عملية الاختطاف إلى عماد مغنية وحسن عز الدين وعلي عطوي ومحمد على حمادي، واستناداً إلى وكالة المخابرات الأمريكية فإن جميعهم كانوا اعضاء في حزب الله. تم القبض على حمادي بعد عامين تقريبا في مطار فرانكفورت. ولم تكد تمضي أيام  حتى اختُطف مواطنان ألمانيان في لبنان.

وفي محاولة لثني ألمانيا عن تسليم حمادي إلى الولايات المتحدة لمحاكمته. قررت ألمانيا محاكمة حمادي بدلاً من ذلك ، وأُدين وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وتم إطلاق سراحه في العام 2005 بعد أن أمضى 19 عامًا. منذ ذلك الحين، قدمت الولايات المتحدة التماسا فاشلا لتسلمه من لبنان. على الرغم من التقارير غير المؤكدة التي تفيد بأن حمادي قُتل على يد طائرة استطلاع تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في باكستان في يونيو/ حزيران 2010، فإنه لا يزال على قائمة الإرهابيين المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "أحجية" المتوسط.. هل تعطّل اليونان طموحات أردوغان؟