نتنياهو يخوض حرب تغيير الشرق الأوسط.. من البوابة اللبنانية!

أخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربه على لبنان إلى أقصى مدياتها، باستهداف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وسط حملة جوية هي الأعنف منذ عقود، من حيث دمويتها واتساعها، واستبعاد أي أفق لوقف اطلاق النار أو طرق سبل الحل السياسي.

إنّها حرب تغيير الشرق الأوسط والعودة به إلى 6 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عن طريق مواصلة حرب غزة إلى مدى غير منظور وفتح حرب تهدف إلى القضاء على “حزب الله”، وفي هذا السياق، يقول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي إن تل أبيب انتظرت هذه اللحظة منذ سنوات.

“سهام الشمال” هي حرب واسعة، ولو لم تطلق عليها هذه التسمية رسمياً، منذ أن فجرت إسرائيل أجهزة “البيجرز” واللاسلكي ضمن منطق شبيه بمنطق “الصدمة والرعب” الذي كانت الولايات المتحدة قد استخدمته في حروبها على العراق وأفغانستان بواسطة القصف الجوي والصاروخي المكثف، وكرّت سبحة العمليات الأمنية التي استهدفت القادة العسكريين لتحدث أكبر ضرر بالبنية العسكرية للحزب، ولا سيما مع الإغارة التي أودت بحياة هيئة أركان “وحدة الرضوان” والقيادي في المجلس الجهادي ابراهيم عقيل (الحاج عبد القادر)، وصولاً إلى استهداف أحد مقرات الحزب الأساسية في حارة حريك بعد ظهر يوم الجمعة الماضي.

ينطلق نتنياهو من معادلة أن إضعاف “حزب الله” يُضعف إيران ودورها في المنطقة، وبذلك يشطب معادلة أرسيت منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وتعزّزت في التسعينيات وبلغت أوجّها مع الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 وفي حرب 2006، فيكون قد أصاب عصفورين بحجر واحد؛ نفوذ طهران ودرة تاجها في الإقليم أي “حزب الله”.

في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عصر يوم الجمعة، حدّد نتنياهو رؤيته لشرق أوسط تكون إسرائيل تندمج فيه ويكون “مزدهراً”، ورأى أن العائق الذي يحول دون الوصول إلى هذه المرحلة، هو إيران وحلفائها في المنطقة من “حماس” إلى “حزب الله”. ولم يوفر نتنياهو من هجومه حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأنه لم يُندّد بهجوم “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولأن السلطة الفلسطينية تعمل على ملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية بجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة والضفة الغربية. ولم تنجُ المنظمة الدولية نفسها من هجمات نتنياهو التي شبهها بـ”مستنقع معادٍ للسامية”.

في قاعة شبه فارغة من الوفود، لم يستطع نتنياهو أن يخفي نشوته بالمكاسب التي حققها باعادة احتلال القطاع وبالضربات التي وجهها لـ”حزب الله” ودفعته إلى القول “إننا نربح الحرب”. إذن لماذا عليه أن يوقف النار؟ ومثلما تجاهل على مدى أشهر، دعوات الرئيس الأميركي جو بايدن لهدنة في القطاع، لم يعبأ بـ”النداء المشترك” الأميركي-الفرنسي من أجل وقف مؤقت للنار في لبنان يصار إلى التفاوض خلاله على تسوية سياسية على جانبي الحدود، لا بل اتجه إلى التصعيد منذ أن حطّت طائرته في نيويورك مساء يوم الخميس الماضي.

بين انهاء نتنياهو خطابه والضربة العنيفة في حارة حريك، أقل من ساعة وضعت الشرق الأوسط أمام مصير مجهول. بعدما اغتالت أميركا قائد “قوة القدس” الجنرال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، انتقل مركز الثقل إلى “حزب الله”، الذي لعب دوراً متقدماً في شؤون المنطقة مُذاك، ولا سيما بعد 7 أكتوبر وقرار مساندة غزة

ومُجدداً يبتلع البيت البيض كبرياءه ويُعرب مواربة عن الإستياء على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في ظرف لا يحتمل صداماً علنياً مع الحكومة الإسرائيلية، لما يُمكن أن يُرتبه ذلك من سلبيات على حملة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، في سباقها المحتدم مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

كل الكلام الأميركي عن ضرورة تفادي حرب واسعة “يخسر فيها الجميع”، لا يجد آذاناً صاغية في إسرائيل التي تحولت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى قبيلة تسعى إلى الانتقام فحسب ونحت السياسة جانباً. وهذا ما تدل عليه استطلاعات الرأي التي تُظهر تأييد 67 في المئة من الإسرائيليين مهاجمة لبنان، بينما شعبية نتنياهو وتكتل الليكود في تصاعد مستمر. وتراجع الحديث عن الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس” وكأن ثمة تسليماً من أهالي هؤلاء بأن صفحتهم قد طويت مع الإخفاق في التوصل إلى وقف للنار وإنجاز صفقة التبادل.

وتنقل صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن الرئيس التنفيذي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي مايكل ماكوفسكي، أنه أخذاً في الاعتبار الضربات الأخيرة التي وجّهها إلى “حزب الله”، فإن نتنياهو “يشعر للمرة الأولى بأنه بدأ يقلب الأمور على الإيرانيين”، بينما يحذر رئيس مجموعة “جي ستريت” اليهودية الأميركية التي تنتقد إسرائيل جييمي بن عامي، من أن “مقاربة نتنياهو المتشددة لا تفعل شيئاً سوى تعريض ملايين المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين واللبنانيين وللخطر وتضع المنطقة عند حافة حرب شاملة”.

بين انهاء نتنياهو خطابه والضربة العنيفة في حارة حريك، أقل من ساعة وضعت الشرق الأوسط أمام مصير مجهول. بعدما اغتالت أميركا قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، انتقل مركز الثقل إلى “حزب الله”، الذي لعب دوراً متقدماً في شؤون المنطقة مُذاك، ولا سيما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر وقرار مساندة المقاومة على أرض غزة، من دون الذهاب إلى الحرب الشاملة. هذه الحرب أتت من الجهة التي لطالما حاول “حزب الله” ضبط إيقاعها على مدى سنة كاملة من “الإسناد”، ليتبين أن الإسرائيلي عندما كان “يُوفر حزب الله”، إنما كان يضع اللمسات الأخيرة على خطة متكاملة تقضي باستهداف “حزب الله”، عبر اغتيال معظم قادته العسكريين وقادة وحدات النخبة والمحاور والأسلحة الإستراتيجية.. وصولاً إلى استهداف بيئة الحزب المدنية.. وأخيراً استهداف البيئة الحاضنة كلها من خلال “التجريف” الذي شهدته مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية خلال أقل من أسبوع واحد، مع ما أدى إليه من تهجير كتلة تُقدر بمئات الآلاف نحو العاصمة وباقي المناطق اللبنانية.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إعادة إحياء النووي تتمته.. تفاهمات إقليمية
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ترامب وسوريا.. أربع سنوات من الارتجال والتناقضات