“منذ الأيام الأولى للاستيطان الصهيوني الكولونيالي في فلسطين، كانت القيادة الصهيونية تتصارع مع ما سمّته “المسألة العربية” (هاشلحّه عربيت)، أي مشكلة خلق دولة استيطانية ذات أغلبية يهودية في فلسطين حيث كان الفلسطينيون العرب هم الأغلبية الساحقة من السكان، وكانوا يمتلكون معظم الأراضي. فأضحى الحل المفضل لدى معظم القادة الصهيونيين هو ما يسمى “الترانسفير”، أي الانتقال، وهي كلمة مُلطّفة للتطهير العرقي والطرد المنظّم لسكان فلسطين نحو بلاد عربية مجاورة. فمنذ أيام مؤسس الصهيونية السياسية، أي تيودور هيرتسل، وصولًا إلى الأب المؤسس لدولة اسرائيل وأول رئيس لحكومتها، دافيد بن غوريون، اعتنق جميع الزعماء الصهيونيين عقيدة “الانتقال” بطريقة أو بأُخرى، أمّا الخلاف فكان ينحصر بالأساليب المعتمدة لتحقيق هذا الأمر (…).
بالنسبة إلى بن غوريون، فإن “الترانسفير” (أو ما سمّاه بالعبرية في مفكرته الشخصية “غيروتس”، التي تعني الطرد) أصبح، وبعد الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939) على الكولونيالية، والتي قادها أهل ريف فلسطين، والتي أدت إلى تأليف لجنة بيل البريطانية، وإلى إصدار الكتاب الأبيض البريطاني سنة 1939، بمثابة الهاجس والحل معًا في الفترة ما بين سنة 1936 وسنة 1948. فقد خاطب بن غوريون اجتماعًا للوكالة اليهودية قائلًا: “انا أحبذ الترانسفير بالقوة، ولا أجد في ذلك أي شيء يخالف الأخلاق.” كما أنه كتب في مفكرته، سنة 1937، أن في إمكان الصهيونية أن تسيطر على كل فلسطين الانتدابية في المستقبل (بين النهر والبحر) وعلى مراحل.
أمّا الرجل الآخر الذي كان هاجسه على الدوام “الترانسفير بالقوة”، فهو يوسف فايتس، رئيس دائرة الاستيطان في الصندوق الوطني اليهودي، ورئيس لجنة “الترانسفير” الرسمية التابعة للحكومة الإسرائيلية سنة 1948. وكان فايتس، وطوال عشرات السنين، في صلب عمليات شراء الأراضي الصهيونية. وكان كل من معلوماته الدقيقة وانغماسه في شراء الأراضي يجعله يدرك بعمق حدود هذا الأمر. وحتى زمن متأخر، أي في سنة 1947، بعد مضيّ نصف قرن على عمل مضنٍ لا يفتر، فإن كامل ملكية الصندوق اليهودي، أي نحو نصف ما يمتلكه “الييشوف” الصهيوني لم يبلغ 3.5% من أرض فلسطين.
لكن، وعلى الرغم من أن بعض القادة الصهيونيين تحدث، خلال الجدل داخل الوكالة اليهودية سنة 1938، عن “انتقال داخلي” و”انتقالات محلية” و”إزاحات” جرى تنفيذها بحق فلاحي فلسطين في العشرينيات والثلاثينيات لفسح المجال أمام إنشاء مستعمرات يهودية جديدة، وذلك بعد عمليات صهيونية لشراء الأراضي، وتحت حماية بريطانية عسكرية منذ أواسط الثلاثينيات فصاعدًا، فإن الإجماع الصادر عن القادة الصهيونيين في الفترة 1937-1939 كان أن “الانتقال الشامل” للفلسطينيين نحو دول عربية مجاورة وخارج حدود الدولة اليهودية المقترحة هو الحل الوحيد الذي لا بد منه لقيام دولة يهودية ذات قابلية ديموغرافية للحياة في فلسطين (…).
عقلية الترانسفير ونكبة 1948
خلال فترة ما من الانتداب وصل الزعماء الصهيونيون، وخصوصًا بن غوريون، إلى قناعة فحواها أن تحقيق “الترانسفير” وطرد الفلسطينيين من شأنهما أن يجريا بسهولة أكبر خلال الحرب منهما في أيام السلم، وذلك من خلال دمج العوامل العسكرية والأمنية والاستراتيجية والأرضية والاستعمارية والديموغرافية والأيديولوجية. ومن الجليّ أن بن غوريون وأعوانه الذين سيطروا على الهاغاناه (التي أصبحت لاحقًا الجيش الإسرائيلي) دخلوا في سنة 1948 وهم تحت تأثير مفهوم “الترانسفير”، وكانوا مصممين على حل “المعضلة العربية” الديموغرافية؛ تلك المعضلة التي (وبمواكبة مقاومة فلسطينية أهلية عنيفة ضد الاستيطان) كانت بمثابة التحدي الأكبر للصهيونيين على امتداد أكثر من نصف قرن قبل سنة 1948.
وكان حزب العمل الصهيوني هو الحزب المسيطر (ولاحقًا الحزب السائد في دولة إسرائيل)، وخصوصًا في الفترة 1930 – 1977. والأمر الأساسي في استراتيجيات حزب العمل الصهيوني في أواسط الثلاثينيات، وخصوصًا بعد سنة 1936، تمثل في عقيدة السعي نحو امتلاك “القدر الأكبر من الأرض والقدر الأصغر من السكان العرب” في الدولة اليهودية المقترحة.
أمّا كيفية تطبيق هذه العقيدة فقد تطورت بمرور الزمن وعبر مختلف التحولات التاريخية في فلسطين ثم، لاحقًا، في فلسطين/إسرائيل بعد 15 أيار/مايو 1948. وجاء طرد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني سنة 1948، والاستيلاء على 78% من مساحة فلسطين تحت الانتداب، ليضمنا، بصورة عامة لكن ليس بصورة نهائية، إنجاز هذه الاستراتيجيا الصهيونية حيال الأرض والديموغرافيا.
في سنة 1948، استولت إسرائيل على معظم فلسطين الانتدابية من خلال التطهير العرقي لمعظم سكان فلسطين الأصليين. وكانت استراتيجيا إسرائيل سنة 1948 هي الحصول على القدر الأعظم من الأرض والقدر الأقل من العرب. ففي سنة 1948، وبالنظر إلى الحقائق الديموغرافية في فلسطين وملكية أراضيها العربية، لم يكن من الممكن إنشاء دولة يهودية في البلاد من دون طرد الفلسطينيين وتدمير الجزء الأكبر من المجتمع الفلسطيني. وفي الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1948 تم طرد 90% من الفلسطينيين والعديد منهم تحت تهديد السلاح مباشرة.
كان “الترانسفير”، وعلى شكل أوامر محددة للطرد، ماثلًا وواضحًا في خطة دالت، وهي خطة الهاغاناه الشاملة لإخضاع فلسطين، والتي جرى اعتمادها رسميًا في آذار/مارس 1948، ثم جرى تطبيقها في الأسابيع اللاحقة. أمّا حرب 1948 فلم تكن سوى تلك الفرصة المتاحة لتطبيق عقيدة “الترانسفير” الصهيونية، وإنشاء دولة يهودية خالية على الأغلب من الفلسطينيين. وركزت الحرب عقول الصهيونيين، كما وفرت التبريرات الأمنية والعسكرية والاستراتيجية لتطهير الدولة اليهودية والاستيلاء على أملاك شعب فلسطين. وفي كتابي الآخر عرضت كمية هائلة من الوثائق والأرشيفات الإسرائيلية الرسمية التي تتعلق بمفهوم “الترانسفير” الصهيوني والجدل الذي نشأ في شأنه، وفيما يتعلق بما جرى خلال النكبة، كما وبشأن مسؤولية إسرائيل عن طرد الفلسطينيين المنتظم سنة 1948. وفي يومنا هذا، فإن أكثر من 50% من الفلسطينيين هم لاجئون، وأكثر من 80% من سكان غزة هم من اللاجئين الفلسطينيين من أراضٍ أصبحت داخل إسرائيل سنة 1948.
كانت استراتيجيا اسرائيل هي “القدر الأكبر من الأرض والقدر الأقل من العرب”، وهذا يفسّر إلى حد ما بقاء أقلية فلسطينية داخل الخط الأخضر، بلغ مجموعهم 13% من عدد السكان سنة 1949، إلاّ إن هذه النسبة ارتفعت لتصل اليوم إلى 20% من سكان إسرائيل. أمّا ضم “المثلث” الذي جرى بالاتفاق مع الملك الأردني عبد الله الأول، وقوامه قرى عربية محاذية للخط الأخضر مع الضفة الغربية، فقد أضاف مزيدًا من الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل سنة 1949 في سنواتها المبكرة. وفيما يتعلق بطرد معظم الفلسطينيين من الدولة اليهودية سنة 1948 ليزداد حجمها ازديادًا كبيرًا، ثم تحويل الفلسطينيين إلى أقلية بعد أن كانوا أغلبية كبرى ضمن الخط الأخضر، فقد اعتبره قادة حزب العمل الصهيوني بمثابة نجاح استراتيجي لا بأس فيه. وهو أيضًا استراتيجيا تكررت في حزيران/يونيو 1967 حين وصفها وزراء العمل في الأراضي المحتلة بعد سنة 1967 بأنها تمثل “القدر الأكبر من الأرض والأقل من العرب”، أو “القدر الأكبر من الجغرافيا لإسرائيل والقدر الأقل من الديموغرافيا العربية في إسرائيل.”
الفترة التي تلت سنة 1967
في حزيران/يونيو 1967، وفي تكرار لما حدث سابقًا، تم طرد نحو 300,000 فلسطيني من الضفة الغربية إلى الأردن، والعقيدة الصهيونية ذاتها (التي لها اتصال وثيق بفكرة “الترانسفير”)، أي القدر الأكبر من الأرض والأقل من العرب، هي التي طُبقت بكل وضوح من جانب حزب العمل الحاكم آنذاك في الأراضي المحتلة سنة 1967، وإنشاء المستوطنات اليهودية فيها، ولا سيما في الضفة والقطاع بعد سنة 1967 مباشرة.
كما أن هذه العقيدة هي التي اتخذت شكلًا غير رسمي في خطة ألون (1967-1970)، التي كانت هي أيضًا مطروحة استراتيجيًا في العقيدة المتمثلة في سيادة إسرائيل على الجزء الأكبر من أراضي الضفة، وتثبيت الجيش الإسرائيلي على نهر الأردن، كما كانت جزءًا أساسيًا من عقيدة إسرائيل الدفاعية، وأصبحت هذه الحجة مطروحة من جانب جميع حكومات حزب الليكود في الفترة التي تلت اتفاقيات أوسلو، وخصوصًا خلال العقدين الأخيرين. وهذا الأمر يفسّر إلى حد ما انتعاش جدل “الترانسفير” (الرسمي والعام) في إسرائيل في العقود الأخيرة.
ونحن نعلم أن إسرائيل لم تعمد في استراتيجيتها بعد سنة 1967 إلى ضم الأراضي التي احتلتها آنذاك بصورة رسمية وقانونية، ما عدا القدس الشرقية التى جرى ضمها رسميًا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وإنما كانت استراتيجيا إسرائيل هي تدمير الخط الأخضر الذي كان يفصل الضفة الغربية. لذا لم تكن أي حكومة إسرائيلية منذ سنة 1967 على استعداد للعودة إلى حدود ما قبل ذلك العام. ومارست كل حكومات حزب العمل سياسة “التوسع العملي”، وسعت إلى الضم في واقع الأمر من خلال إنشاء مستوطنات، وفرض حقائق جديدة على الأرض، ثم عدم السماح لمعظم الفلسطينيين بالبقاء داخل حدود الدولة اليهودية المتوسعة باطراد. ثم إن الإجماع السياسي في إسرائيل كان يقضي بأن الجزء من وادي الأردن التابع للضفة الغربية، حيث تم إنشاء مستوطنات يهودية بعد سنة 1967، سوف يجرى ضمه إلى دولة إسرائيل لاحقًا (…).
أوسلو وما بعد أوسلو
كانت اتفاقيات أوسلو (1993) تتماشى إلى حد لا بأس فيه مع فكرة “القدر الأكبر من الأرض والأقل من العرب.” ومن خلال اتفاقية أوسلو الثانية في أيلول/سبتمبر 1995، فإن هذا التوسع أدى في الواقع إلى تفتيت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة “أ” حيث مُنحت المدن الفلسطينية الكبرى حكمًا ذاتيًا، والمنطقة “ب” حيث مُنحت القرى والبلدات الفلسطينية التي كانت تقع على تخوم المدن الكبرى في المنطقة “أ” حكمًا ذاتيًا جزئيًا، ثم المنطقة “ج” حيث الفلسطينيون أقلية تعدادها 200,000، وتشكل نحو ثلثي مساحة الضفة، تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، وهي منطقة خصصها صانعو السياسة الإسرائيليون لتصبح فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من دولة إسرائيل. وهذا التقطيع في الواقع للضفة، والذي جرى بموجب اتفاقيات أوسلو بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تتمتع بـ “حكم ذاتي”، كان قد طُرح على بساط البحث لأول مرة في خطة ألون في الفترة 1967 – 1970.
وهكذا، وللمرة الثانية، نجد كيف أن العقيدة الصهيونية، أي القدر الأكبر من الأرض والأقل من العرب، جرى تطبيقها على أرض الواقع من جانب إسرائيل بواسطة اتفاقيات أوسلو وما تبعها من إجراءات، وأضحت هذه العقيدة في صلب الطريقة التي تم بها تقطيع أوصال الضفة إلى مناطق “أ” و”ب” و”ج”. وهذا التقطيع هو الذي سمح لإسرائيل منذ سنة 1993 بأن تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف أعداد سكان المستوطنات في الضفة، وتحت غطاء أوسلو في بادئ الأمر. وقد سعت إسرائيل لإنشاء مستوطنات غير قابلة للتفكيك مستقبلًا، وبالتالي فرض وقائع ديموغرافية على الأرض من خلال بناء مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وأيضًا فرض حقائق على الأرض، الأمر الذي يشكل جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيا الصهيونية على امتداد قرن من الاستيطان الصهيوني في فلسطين، والذي كان يرمي إلى ضمان ضم أجزاء كبرى من الضفة بطريقة لا يمكن نقضها أو الرجوع عنها، وبالتالي إلى منع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تقع في محاذاة إسرائيل. ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن مفهوم الحكم الذاتي الفلسطيني، على شاكلة السلطة الفلسطينية المحصورة في المنطقة “أ” (أي 5% من الضفة) والمنطقة “ب”، كان يرمي إلى حل مشكلة إسرائيل الديموغرافية، إي إلى إبعاد مراكز السكان الكبرى الفلسطينية عن الدولة اليهودية. واليوم نجد أن معظم الفلسطينيين في الضفة محصور داخل المنطقتين “أ” و “ب” اللتين تحكمهما السلطة الفلسطينية بصورة جزئية، وهي سلطة لا يمكنها أن تمارس مهماتها سوى بالتنسيق الحميم مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
وفي الفترة الأخيرة، وبعد تعاظم تمدد مئات المستوطنات اليهودية في الضفة، حاول بنيامين نتنياهو أن يحوّل ضم أجزاء من الضفة من أمر واقع إلى ضم قانوني. وعلى الرغم من أن حلفاء إسرائيل في حكومات الغرب (وخصوصًا الولايات المتحدة) كانوا يمتنعون في الفترة الأخيرة من دعم الضم القانوني، فإن حكوماتهم لم تفعل شيئًا لمنع إسرائيل من ضم المنطقة “ج” بصورة عملية. أمّا الاتحاد الأوروبي فكان طوال العقود الثلاثة الماضية يموّل عملية الاحتلال الإسرائيلية.
الديموغرافيا والانسحاب من غزة سنة 2005
من المعلوم، أنه، وخلال حكم رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، انسحبت إسرائيل من غزة سنة 2005. وهذا يعني، استنادًا إلى عقيدة “القدر الأكبر من الأرض والقدر الأقل من العرب”، خسارة جزء صغير جدًا من الأرض في مقابل التخلص من عدد كثير من الفلسطينيين.
في واقع الأمر، فإن فشل محاولة نقل اللاجئين من غزة إلى شمال سيناء في أواخر الستينيات والسبعينيات، هو الذي كان يشكل جزءًا من الخلفية التاريخية للانسحاب من جانب واحد من غزة في سنة 2005. وهذا الانسحاب كان من شأنه أن يزيل أكثر من مليوني فلسطيني من الدولة اليهودية في مقابل خسارة جزء ضئيل من الأرض، ثم فرض حصار خانق على فلسطينيي غزة، وهو حصار كان من العوامل الفاعلة التي أدت الى هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
في ذلك الحين (أي في سنة 2005) وافقت أغلبية الإسرائيليين على خطة الانسحاب، وعلى التخلص من مشكلة ديموغرافية عربية فلسطينية كبرى في غزة. أمّا اليوم، وبعد هذه الحرب القاتلة على غزة، فإننا نجد بعض الأصوات داخل حكومة إسرائيل تطالب باحتلال إسرائيلي دائم لأجزاء من القطاع بعد أن يجري إفراغها من سكانها الفلسطينيين.
جدل “الترانسفير” و”الترانسفير الزاحف” مجدداً
عادت الحياة مجددًا الى خطر “الترانسفير”، أو الطرد، والذي واجهه الفلسطينيون في العقود الأخيرة، وهو خطر له جذور عميقة في تاريخ سياسات الاستيطان الإسرائيلي، وفي يومنا هذا في الضفة الغربية. لكن، ومع أن فكرة “الترانسفير” كثيرًا ما جرى الحديث عنها في السر، وتمت المصادقة عليها في الدوائر العميقة في المؤسسات الصهيونية في الفترة التي سبقت سنة 1948، إلاّ إن عودة الحياة مجددًا إلى مفهوم “الترانسفير” اكتسبت الشرعية في الخطاب الإسرائيلي العلني منذ الثمانينيات، ثم اكتسبت مزيدًا من الشرعية في الفترة التي تلت الانتفاضة الثانية باعتبارها الطريقة الفضلى للتعامل مع “المشكلة الديموغرافية” الفلسطينية في الأراضي المحتلة ومع “المقاومة الفلسطينية” لضم أجزاء كبرى من الضفة بصورة عملية.
أمّا القدس الشرقية المحتلة والتي جرى توسيعها من جانب واحد، ويبلغ عدد سكانها 300,000، فقد تم ضمها إلى إسرائيل بصورة رسمية و”شرعية” منذ زمن بعيد. لكن، وفي السنوات الأخيرة، فإن معظم سياسات إسرائيل الاستيطانية في القدس الشرقية كان يركز على التغلغل إلى داخل الأحياء الفلسطينية، وتفتيتها، ثم تقليص الديموغرافيا الفلسطينية. وهذا في واقع الحال هو “ترانسفير زاحف” للفلسطينيين من القدس الشرقية التي ضُمّت إلى إسرائيل من جانب واحد، وهي سياسة يتم تنفيذها من خلال مجموعة متنوعة من الإجراءات الإدارية والبيروقراطية والقانونية.
وبعد انهيار عملية أوسلو في أعقاب الانتفاضة الثانية، ومع غياب أية عملية سياسية خلال العقدين المنصرمين، وما واكب ذلك من تهميش للسلطة الفلسطينية في الضفة من جانب حكومات إسرائيلية متعاقبة كان يرأسها بنيامين نتنياهو، فإن مفاهيم “الترانسفير” قد تم الترويج لها مجددًا من طرف دوائر رسمية وشبه رسمية. وقد عمد أحد أهم مراكز الأبحاث الأكاديمية في إسرائيل، أي مركز الدراسات المتداخلة الحقول في هيرتسليا، وهو مركز يقدم النصح إلى وزراء إسرائيل وقادة جيشها ذوي المراتب العليا، إلى التوصية بهذا “الخيار الرسمي”، أي خيار “الترانسفير”.
وعلى الرغم من أن زعماء اليمين المتطرف في إسرائيل في حكومة الائتلاف الحالية هم الذين يرفعون الصوت عاليًا بشأن هذا السيناريو، فإن الجدل الحالي والعلني في إسرائيل فيما يخص “نقل” السكان الفلسطينيين إلى خارج الأراضي المحتلة هو مطلب ينادي به علنًا المسؤولون الإسرائيليون والمعلّقون على وسائل الاتصال. كما أن هذا الخيار موجود في “اقتراحات السياسة” وفي “أوراق البحث السياسية” التي يقدمها الأكاديميون للحكومة، والتي لا يجرؤ على إدانتها سوى قلة قليلة جدًا في إسرائيل.
الحرب على غزة “والحرب الصامتة” في الضفة الغربية
إن الأغلبية العظمى من سكان غزة (أي أكثر من 80 % من السكان وتعدداهم 2.3 مليون نسمة) هم من أحفاد لاجئين فلسطينيين تم اقتلاعهم وطردهم من أراضيهم التي أصبحت جزءً من إسرائيل سنة 1948.
إن الحرب الماحقة التي تشنها اسرائيل حاليًا على غزة والدمار الهائل لمعظم البنية التحتية المدنية في القطاع و”الإزاحة الداخلية” لنحو ثلثي سكان غزة، من شأن كل هذا أن يكون له تأثير عميق في كل فلسطيني، وعلى الأخص فلسطينيي القطاع والضفة. وبالإضافة إلى هذه الحرب الشاملة على غزة، فإن الدعوات الصادرة عن دوائر رسمية في إسرائيل إلى طرد الفلسطينيين بصورة جماعية من منازلهم في الضفة والقطاع قد تعاظمت واتّسعت منذ بداية الحرب على غزة قبل ستة أسابيع، وهي على حد قول بعض الجهات الحقوقية في إسرائيل تمثّل عملية وضع الدعوات المطالبة بـ “الترانسفير” والطرد الجماعي في صلب الخطاب الإسرائيلي السائد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخطأ الذي يرتكبه العديد من الكتّاب هو أن مفهوم “الترانسفير” الصهيوني ينطبق فقط على إزاحة الفلسطينيين المنتظمة من فلسطين إلى دول عربية مجاورة. لكن، وفي حقيقة الأمر، فإن ربع عدد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (أي نحو نصف مليون نسمة) هم من “اللاجئين الداخليين” من الذين عُزلوا داخليًا، أي الذين استولى المستوطنون اليهود على أراضيهم وقراهم. وخلال الانتداب البريطاني زالت من الوجود نحو 36 قرية فلسطينية، وتم نقل أراضيها ومواقعها إلى المستوطنين اليهود. من هنا، فإن مفهوم “الترانسفير” الصهيوني يشير تاريخيًا إلى “الإزاحة الداخلية” للفلسطينيين داخل فلسطين الانتدابية (وإسرائيل لاحقًا) كما يشير إلى “الترانسفير إلى الخارج”، وطرد الفلسطينيين الذي جرى خلال نكبة سنة 1948. وهذا المفهوم لـ “الترانسفير الداخلي والخارجي” له دلالات خطرة في شأن ما يجري الآن في الضفة.
ولا يوجد في يومنا هذا أي تمييز يذكر بين “قيادة المستوطنين” في الضفة وبين حكومة إسرائيل، الامر الذي يبرز بوضوح تام في الخطاب العنصري المعادي للعرب الذي يتبناه الطرفان، وفي عملية الاستيطان المتسارعة في الضفة الغربية. وفي يومنا هذا أيضًا هناك مئات الآلاف من المستوطنين، وبحماية الجيش الإسرائيلي، يشكلون خطرًا وجوديًا على الشعب الفلسطيني. وبينما تتابع إسرائيل حربها على غزة، فإن المستوطنين في الضفة قد فتحوا “جبهة ثانية”، وهي حرب صامتة ضد فلسطينيي الضفة يتخللها عنف يومي وتهديدات بالطرد. فقد هاجم المستوطنون القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة، واجتاحوا أراضي فلسطينية خاصة في سعي منهم لإيجاد حقائق جديدة على الأرض. واستنادًا إلى العديد من التقارير، ومع التركيز الدولي الحالي على الحرب في غزة، فإن المستوطنين، بمساندة الجيش الإسرائيلي في الضفة، استغلوا فرصة الحرب وصعّدوا حملتهم الرامية إلى إعادة رسم خريطة الضفة وتهديد المجتمعات الفلسطينية المكشوفة وطردها. وهم يحاولون، بصورة خاصة، طرد الفلسطينيين من ما وصفته اتفاقيات أوسلو بالمنطقة “ج”، أي المنطقة الريفية، غالبًا، في الضفة، وأن يحصروا الفلسطينيين في بؤر داخل المنطقة “أ” التي تشمل المراكز المدينية في الضفة الغربية. وأحد أمكنة الإزاحة حتى يومنا هذا يقع إلى الجنوب من جبل الخليل، والبرهان على زوال المجتمعات الفلسطينية يُرى بوضوح على تلال وأودية إلى الجنوب من تلال الخليل ووادي الأردن التي نراها اليوم خالية إلاّ من بقايا بعض الأبنية. أمّا معظم سكانها فقد التجأوا إلى قرى وبلدات أكبر حجمًا في المنطقة “أ”. وإذا نجح المستوطنون في حملتهم هذه، فهذا الأمر يمثّل أكبر حملة لـ “الترانسفير الداخلي” والطرد منذ عقود من الزمن.
ويدرك الفلسطينيون في الضفة جيدًا ما يجري لهم على الأرض، كما هم على معرفة بخطط إسرائيل الرامية إلى الطرد الجماعي. وجاء في تصريح حديث لنبيل أبو ردينة، وهو الناطق باسم محمود عباس ما يلي: “نحن ضد أية إزاحة لأي مكان وبأي شكل من الأشكال، ونعتبرها خطًا أحمر لا يمكن لنا أن نسمح بتجاوزه”، مضيفًا: “لن نسمح لما حدث عام 1948 بأن يحدث مجددًا”. غير أن السلطة الفلسطينية التي أصابها الوهن والضعف، والتي تعتمد ماليًا على تلك الدول الأوروبية التي تساهم اليوم في حرب غزة لم تستطع حتى الآن أن توقف إزاحة المجتمعات الفلسطينية التي طردت خارج أراضيها في المنطقة “ج” من الضفة على يد مستوطنين يحميهم الجيش الإسرائيلي.
ماذا عن “الترانسفير الخارجي” من الضفة وإلى الأردن؟
إن أهداف حكومة إسرائيل الحالية تتطابق تمامًا مع أهداف المستوطنين في الضفة، وقد استغل الطرفان حرب غزة، واستعملا الجيش لإشعال العنف ضد التجمعات الفلسطينية المحلية، كما أن التهجير الجماعي من الضفة هو أيضًا خيارهم المفضّل. لكن ثمة بعض العقبات التي تعترض طريق هذا السيناريو في الأوضاع الحالية:
أولًا، إن الحكومة الأردنية ليس لديها أي رغبة في المساهمة في أي تهجير بالقوة من الضفة والموافقة عليه، وهي لا تقبل بأية محاولة إسرائيلية في هذا الصدد، وذلك تحت طائل الحرب. استدعت الأردن سفيرها من إسرائيل وبلّغت السفير الإسرائيلي بالبقاء بعيدًا كبادرة احتجاج على الحرب الإسرائيلية على غزة. وفي الأردن ثمة نسبة لا يستهان بها من السكان من أصل فلسطيني، لذا فإن أية محاولة للطرد الجماعي للسكان من الضفة الغربية من شأنها لا أن تضع الأردن في مواجهة عسكرية مع إسرائيل فحسب، بل أن تضع كل سكان الأردن (من الفلسطينيين والأردنيين) في المواجهة ذاتها. فالشعب الأردني والحكومة في عمّان والجيش الأردني سيقاومون مثل تلك المحاولات. وفي واقع الأمر، وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ذهب الأردن إلى أبعد من ذلك من خلال تعزيز جيشه على نهر الأردن وعلى الحدود مع إسرائيل، وإطلاق التحذيرات بأن أية محاولة لطرد الفلسطينيين بالقوة عبر النهر من شأنها أن تهدد اتفاقية وادي عربة سنة 1994 مع إسرائيل.
ثانيًا، إن الفلسطينيين لديهم إجمالًا حساسية بالغة تجاه هذا الأمر، وهم يعلمون علم اليقين أن إزاحتهم بالقوة وبصورة جماعية، بمثابة نكبة أُخرى، وأنهم سيقاومون أية محاولات إسرائيلية في هذا الصدد، بينما يحشدون دعمًا دوليًا متعاظمًا من حملة التضامن معهم لإبطال تلك المحاولات. والدعم ضد الإزاحة الجماعية من الضفة يأتي من منظمات دولية لحقوق الإنسان، كما من منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل ذاتها. كما أنه، وفي هذه اللحظة بالذات، فإن داعمي إسرائيل (وخصوصًا الإدارة الأميركية الحالية) لا مصلحة لهم في توسيع الحرب في غزة كي تصل إلى الضفة الغربية، ولا مصلحة لهم أيضًا في مجابهة أوسع نطاقًا مع العالمين العربي والإسلامي. أمّا الإدارة الأميركية، فقد أبدت انتقادات في الأسابيع الأخيرة إزاء محاولات إسرائيل استغلال حرب غزة لـ “خلق” وقائع جديدة على الأرض في الضفة الغربية.
“تقرير الترانسفير”
إن العقلية السائدة اليوم في إسرائيل كما نلمحها في التقرير الرسمي الإسرائيلي وهو “دراسة موقف” بشأن خيارات الحرب (انظر أدناه) تظهر أن السيناريو المفضل هو طرد سكان غزة الفلسطينيين إلى شمال سيناء في مصر، وذلك تحت ستار الحرب وما يواكبها من دمار هائل للبنية المدنية التحتية. وهذا الأمر يتم وصفه بأنه “ضرورة أمنية” بالنسبة إلى الحكومة الحالية في إسرائيل، كما أن هذا السيناريو يساهم في طمس قضية فلسطين على المستوى القومي، ويسهّل الضم الشرعي والنهائي لأجزاء (أو لمعظم) من أراضي الضفة إلى اسرائيل. لكن، وفي ضوء المقاومة الشديدة من جانب مصر والفلسطينيين فإن هذا “السيناريو المفضل إسرائيليًا” لا يمكن إنجازه بسهولة حاليًا. وبصورة أساسية، لا يوجد أي مسوّغ شرعي دولي، ولا أي دعم يذكر لهذا السيناريو. لكن مجرد وجود مثل هذا التقرير الرسمي يعكس “عقلية الترانسفير” والتفكير العملي ضمن بعض دوائر القرار في حكومة إسرائيل.
والحرب الاسرائيلية الحالية على غزة، والتي تشمل اجتياحًا بريًا واسع النطاق، وتهدف علنًا إلى “استئصال حماس”، أتت مباشرة بعد هجوم “حماس” العنيف في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو هجوم أتى نتيجة ما يقارب عقدين من الزمن عانى فيها القطاع حصارًا إسرائيليًا خانقًا، وكذلك نتيجة عقود من الاحتلال والتطهير العرقي في فلسطين. وبينما كان الجيش الإسرائيلي يشن حملة ساحقة من الجو تدمّر، بصورة منتظمة، بنية غزة التحتية المدنية، أي مدارسها وجامعاتها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها، وتقتل الآلاف من المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، صرّح أحد الوزراء في إسرائيل أن الجيش هو الآن بصدد إنزال “نكبة” بفلسطينيي غزة، وذلك في إشارة واضحة إلى التطهير العرقي في فلسطين سنة 1948. واستعجل أريئيل كالنر، وهو عضو الكنيست عن حزب الليكود، حصول نكبة فلسطينية أُخرى شبيهة بنكبة سنة 1948.
بالإضافة إلى هذا، فإن العقلية الإسرائيلية الصهيونية السائدة اليوم حيال مسألة “الترانسفير” تتضح أيضًا من خلال التصريحات العلنية التي أدلى بها بعض المسؤولين الإسرائيليين في الأيام الأولى للحرب، والتي تروّج لفكرة “دفع” سكان غزة نحو شمال سيناء كما “الترانسفير القصري” و”إعادة الإسكان” للاجئي غزة في شمال سيناء، وهي فكرة ذات جذور تاريخية عميقة تصل الى خطة ألون في الفترة التي تلت سنة 1967، والتي لم تحظ في حينه بأي نجاح سياسي. وقد رفضت الحكومة المصرية هذه الفكرة بشدة، إذ كانت قلقة، بصورة خاصة، نتيجة تقرير رسمي صدر عن مديرية الاستخبارات الإسرائيلية، ويقترح الطرد الجماعي لفلسطينيي القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، كجزء من “ورقة بحث” في خيارات الحرب. وذكرت المديرية في هذا التقرير “ثلاثة خيارات” ترمي جميعها إلى “إحداث تغيير عميق في ʾالديموغرافياʿ وفي الوضع المديني القائم في قطاع غزة.” وهي ترى أن “خيار الترانسفير” هو الأفضل بالنسبة إلى أمن إسرائيل، وتقترح دفع سكان غزة نحو الانتقال إلى مخيمات في شمالي سيناء، ثم بناء مدن دائمة مع وجود “ممرّ إنساني” لم يتم وصفه بالضبط. كما يقترح التقرير ذاته إقامة “منطقة أمنية” إسرائيلية داخل غزة تكون بمثابة حاجز يمنع الفلسطينيين المهجّرين من العودة إلى القطاع. ويتحدث التقرير عن مصر والسعودية ودولة الإمارات وتركيا وقطر وكندا التي في إمكانها أن تقدم العون المادي لهذا المشروع، وتستقبل فلسطينيي غزة كلاجئين. ولم يحدد التقرير مصير القطاع بعد إجلاء سكانه، لكنه يفترض ضم أجزاء من هذا القطاع إلى إسرائيل وإنشاء مستوطنات يهودية داخله.
وبعد أن تلقى مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيلًا من التنديدات من المسؤولين المصريين، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة بين مصر وإسرائيل، سعى هذا المكتب إلى التقليل من شأن التقرير المذكور، ووصفه بأنه مجرد “بحث نظري” تم وضعه من جانب مديرية في الحكومة. غير أن نتنياهو بالذات بات يستشهد علنًا بشواهد من الكتاب المقدس مستذكرًا شعب “العماليق” الوارد في هذا الكتاب كي يفسّر موقف إسرائيل في الحرب الدائرة، والتي أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من اثني عشر ألف فلسطيني من المدنيين. واستشهد بكتاب العهد القديم، سفر صموئيل الأول، الفصل الخامس عشر، الفقرتان 2 و3 اللتان جاء فيهما: “قد افتقدتُ ما صنع عماليقُ بإسرائيل [….] فهلمّ الآن واضرب عماليقَ وأبسل جميع ما لهم ولا تعْفُ عنهم بل اقتل الرجال والنساء والصبيان والرضّع والبقر والغنم والإبل والحمير”. وفسّر العديد من المراقبين هذا الاستشهاد بأنه ينمّ عن رغبة في شن حرب شاملة على غزة، وهذا ما يستدعي القلق بشأن حدوث مجزرة عرقية كاملة.
وكان من شأن ذاك التقرير الرسمي، وكذلك تصريحات نتنياهو، أن تغذيا مخاوف مصر من أن بين أهداف الحرب الإسرائيلية طرد سكان غزة إلى مصر. أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين، فقد أعادت إلى ذاكرتهم نكبة أُخرى هي تدمير فلسطين التاريخية سنة 1948، واقتلاع نصف سكانها. أمّا بالنسبة إلى مصر، وبصورة رئيسية، فإنها لطالما كانت تخشى رغبة إسرائيل في اقتلاع سكان غزة، بصورة دائمة، والدفع بهم نحو مصر. لذا فقد أوضحت مصر طوال هذه الحرب على غزة أنها ستقاوم أية محاولة لدفع موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها.
وبالإضافة إلى مقاومة مصر والفلسطينيين أنفسهم، ثمة سلاح آخر ينبغي اللجوء إليه كي يحبط خطط إسرائيل الخاصة بـ”الترانسفير” في غزة، ألا وهو القانون الدولي. إذ إن “نقل السكان” (بما يشمل “الإخلاء القسري” و”التطهير العرقي” و”الطرد” و”الإجلاء” “وإعادة الإسكان بالقوة”) هو بمثابة جريمة كبرى في القانون الدولي الراهن الذي يذكر تحريم كل ذلك، ثم مقاضاة مرتكبي “جرائم الحرب هذه”. من هنا فإن المطلوب حاليًا وعاجلًا هو أن تقوم محكمة الجرائم الدولية بإجراء تحقيق في شأن “جرائم الحرب” المرتكبة في غزة. وفي هذه الأثناء تتصاعد الضغوط الدولية المطالبة بوقف إطراق النار، غير أن المطلوب الآن لا التدخلات الدولية الحثيثة المطالبة بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار فحسب، بل أيضًا موقف دولي واضح يندد بـ”الترانسفير القسري” لفلسطينيي غزة من جانب إسرائيل إلى خارج غزة وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة. كما يجب أن يتم وبسرعة إنشاء نظام عالمي إنساني للدعم والمعونة كي يلبي الحاجات الماسة لسكان غزة ممن جرى اقتلاعهم، وهم في حالة من البؤس الشديد والآلام النفسية.
وفوق كل هذا وذاك، وكي لا تقع نكبة أُخرى في غزة، يجب أن يتحد الفلسطينيون لمواجهة الحرب والتطهير العرقي والمجازر العنصرية المرتكبة في غزة كما وفي الضفة الغربية.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية