ما يزيد من مخاطر هذا الوضع أن لبنان كان يعانى من مسار انهيار متسارع فى أوضاعه الاقتصادية مع تداعيات ذلك فى السياسة وفى الاجتماع قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة. زادت هذه الحرب المفتوحة والمتصاعدة فى الزمان والمكان، كما صار واضحًا، من المخاطر والتحديات بعد أن تحولت الأولوية الإسرائيلية فى الحرب فى عامها الثانى من غزة إلى لبنان.
تتحكم بالسياسة فى لبنان، إلى درجة كبيرة، قدرية سياسية، قوامها أنه فى الأزمات الكبرى والمستعصية كما يبدو على حل «صنع فى لبنان» يأتى الحل من تفاهم الخارج. حل يرتبط بالتوازنات التى تنتج عن تفاهمات يتم التوصل إليها عند حلول لحظة التعب أو انسداد الأفق المكلف للجميع من اللاعبين الخارجيين. فيذهبون عند حلول تلك اللحظة نحو التسوية لإعادة إعمال وتفعيل السلطة وملء الفراغ الرئاسى متى كان قائمًا. ينعكس ذلك الاتفاق الخارجى بين أصدقاء وحلفاء الأطراف المتصارعة أو المختلفة فى لبنان، فى القيام بالخطوات الدستورية المعروفة من الأطراف الداخلية، بعد ظهور «الضوء الأخضر»، مثل انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة وفاق وطنى.
علينا المضى فى المسارين بشكل متواز: مسار الانتخاب ومسار العمل الدبلوماسى الخارجى للتوصل إلى وقف إطلاق النار بشكل كلى ووقف العدوان الإسرائيلى على لبنان. فانتظام السلطة فى هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة، حيث الوقت عدو أساسى لهذا الهدف الوطنى، أمر أكثر من ضرورى
هنالك جدل وخلاف مباشر أو غير مباشر، لكنه غير مخفى بين من يدعو من جهة إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، والإسراع لا يعنى التسرع ولكنه لا يعنى أيضًا الهروب إلى الأمام، وبين من يدعو من جهة أخرى إلى انتظار حصول وقف إطلاق النار، للذهاب نحو ملء الفراغ المدمر. ويرى بعض المراقبين أن ذلك مرده إلى لعبة توازن القوى فى اللحظة المطلوبة للانتخاب. توازن قد يراه أو يراهن على رؤيته كل طرف أنه قد يكون لمصلحته فى «الموعد المختار» لملء الفراغ، بسبب التوازنات الخارجية والداخلية الحاكمة فى تلك اللحظة.
إن المطلوب ليس الصراع حول ما يأتى أولًا أو تحديدًا حول ترتيب الأولويات، وخلق تناقض مصطنع بينها بل الاقتناع أن المطلوب وطنى وفى سبيل إنقاذ لبنان من الانهيار الكلى هو التوافق الفعلى، وليس الشكلى، على ما يلى: المضى فى المسارين بشكل متواز: مسار الانتخاب ومسار العمل الدبلوماسى الخارجى للتوصل إلى وقف إطلاق النار بشكل كلى ووقف العدوان الإسرائيلى على لبنان. فانتظام السلطة فى هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة، حيث الوقت عدو أساسى لهذا الهدف الوطنى، أمر أكثر من ضرورى.
وللتذكير إن المناكفة السياسية التقليدية أمام الاستحقاق الرئاسى لا يمكن أن تخضع هذه المرة، أيًا كانت العناوين التى ترفع هنا وهناك، لمنطق تقاسم قالب حلوى السلطة بمنافعها السياسية وغيرها. المطلوب اليوم انتخاب رئيس توافقى يطمئن الجميع. رئيس لا يمكن أن يكون طرفا طالما المطلوب منه قيادة «سفينة» الإنقاذ الوطنى مع «حكومة مهمة» يفترض تشكيلها فى البداية للمضى فى مواجهة التحديات المختلفة والمترابطة فى الداخل من جهة والانطلاق من جهة أخرى فى تحرك خارجى مبادر وناشط للإسهام فى معالجة التحديات الخارجية والتى لها تداعيات كبيرة على لبنان.
ذلك كله، وللتذكير، يسهم بشكل أفضل وأكثر فعالية بسبب الخروج من حالة الفراغ القاتل فى المسار الآخر: مسار التوصل إلى الوقف الكلى لإطلاق النار. فالانتظار يعنى عمليًا المزيد من الانهيار.
(*) بالتزامن مع “الشروق“