من يُساند فلسطين يُسأل.. ويُلام!

ما أن انتهت الحرب مع إسرائيل، حتى سارع اللبنانيون إلى إخضاع نتائجها لقاموس انقسامهم العامودي التقليدي الحاد: انتصار أم هزيمة؟ هو السؤال الذي يُطرح عليكَ أينما حللت. لكن هل يُمكننا أن نهدأ قليلاً، أقله حتى ننتهي من لملمة جراحنا ودفن شهدائنا.. وبعدها ليكن لكلٍ منا رأيه، سواء أكان حريصاً على إبن بلده أو حاقداً عليه بما يتجاوز بأشواط حقد العدو وكراهيته لنا.

هل هو انتصار أم هزيمة؟

سيختلف اللبنانيون في جوابهم على هذا السؤال. كلُّ واحدٍ منهم سيُجيب حسب قناعته ومفهومه لمعنى الانتصار والهزيمة. أما بالنسبة إليّ، وبكل هدوء، أعيش بعيداً كل البعد عن روح الهزيمة ومفاهيمها.

إن معيار الربح والخسارة في الحرب يتصل بتحقيق أهداف الحرب أو الاخفاق، ومن هنا ينطلق التقييم.

وضع رئيس وزراء حكومة العدو بنيامين نتنياهو أهدافاً عدة للحرب على لبنان:

١- تدمير بنية منظومة الاتصالات الخاصة بحزب الله. وهذا ما استطاع فعله في تفجيرات البايجرات وأجهزة اللاسلكي. زدْ على ذلك أن العدو تمكن هذه المرة من اختراق شبكة الإتصالات الخاصة، وهو الأمر الذي جعل الحزب يعتمد على وسائل بدائية للتواصل، بينها العودة إلى الاتصال الفيزيائي، أي الرسائل يداً بيد.

٢- اغتيال القادة العسكريين الميدانيين في المقاومة، من فؤاد شُكر وصولًا إلى السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين مروراً بإبراهيم عقيل وغيره من قادة والمجلس الجهادي. ظنّ العدو أنه بإغتياله قادة “فرقة الرضوان”، سيتفكك الحزب داخلياً وينهار تلقائياً. جاءت الوقائع لتُثبت أن الحزب اختار قيادة جديدة وأعاد ترتيب بيته الداخلي وبنيته المقاومة بكل تشكيلاتها القتالية ولا سيما الصاروخية.

٣- القضاء على القدرة الصاروخية لحزب الله من منصات ومخازن.. أطلق قادة العدو أكثر من مرة أرقاماً حول النسب المئوية للترسانة التي تم تدميرها، إلا أن الوقائع تشي أن المقاومة لم تتوقف يوماً واحداً عن قصف المستوطنات والقواعد والمقرات العسكرية إلى اليوم الذي حصل فيه وقف اطلاق النار. حتى وصلت صواريخه إلى ما يزيد عن ١٥٠ كلم. لنتذكر جيداً أنّه في اليوم الذي كان نتنياهو يعقد مؤتمراً صحافياً قال فيه إنه قضى على ٧٠-٨٠٪؜ من القدرات الصاروخية لحزب الله، ردّ الحزب بعد ثلاث ساعات بقصف تل أبيب!

٤- إنشاء منطقة عازلة في الجنوب حتى خط الليطاني، والهدف هو قتل فكرة 7 أكتوبر اللبناني، أي اقتحام الجليل الفلسطيني الأعلى، ما يعني إسرائيلياً نقل خطوط المواجهة مع حزب الله وحلفائه من الحدود اللبنانية الإسرائيلية عند الخط الأزرق إلى حدود نهر الليطاني. وهذا ما لم يستطع فعله نتنياهو ويعود الفضل للمقاومين الأبطال الذين تصدوا للجيش الاسرائيلي في أشرس معارك بريّة على الحدود.

وفي ضوء الخسائر التي أُلحقت بجيش العدو وتحديداً خلال العمليات البرية، بالإضافة إلى ضغط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وضغط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية داخلياً، انخفض سقف الأهداف لدى نتنياهو لينحصر بعودة مستوطني الشمال وهو الهدف الذي تبناه الكابينيت الإسرائيلي في السادس عشر من أيلول/سبتمبر 2024.. وهذا كلّه أفضى إلى فرض اتفاق وقف اطلاق النار.

العودة اللبنانية.. اللاعودة الإسرائيلية!

إن من يتابع مواقف نتنياهو المدعوم من تيار اليمين الديني الصهيوني المتطرف، يدرك أنه لن يغادر منطق التدمير والإبادة والاحتلال كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.

صحيح أن اتفاق وقف النار كبّل يد لبنان بالعديد من النقاط الملتبسة، إلا أن مسارعة أهل الجنوب النازحين الى مختلف المناطق اللبنانية للعودة إلى مدنهم وقراهم في نفس لحظة سريان وقف النار، برغم تعريض حياتهم للخطر، شكّل عنصر استفزاز للعدو. غير أن العبرة في هذه النقطة أن معظم أهل الجنوب عادوا الى الجنوب، ولم يعد المستوطنون إلى الشمال حتى الآن (أحد أهداف نتنياهو). في هذا السياق، يقول أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان هو “اتفاق استسلام لحزب الله”. ويضيف “الحكومة الإسرائيلية ترفع العلم الأبيض بينما يستمر رفع أعلام حزب الله في بيروت. ما نراه هو أنه على الرغم من تحذير الجيش الإسرائيلي ومطالبته بعدم العودة إلى القرى الواقعة على خط التماس، فإن جميع اللبنانيين – السكان الشيعة وبالطبع أعضاء حزب الله المموهين – بدأوا يعودون بالفعل. إنهم ببساطة يطلقون صفيراً عند تحذير الجيش الإسرائيلي، ويعودون في قوافل تتجه جنوبا”.

وما يحدث اليوم في الجنوب من خروقات كنا شهدنا مثيلاً له غداة انتهاء حرب تموز عام ٢٠٠٦، فسُجّل خروج آخر جندي إسرائيلي من الجنوب (من مروحين) في 30 أيلول/سبتمبر 2006 (أي بعد شهرين من وقف الحرب).

شعور العدو بالاستفزاز من أهل الجنوب يترجمه الآن بخرقه المتكرر للاتفاق. إطلاق النار على الأهالي المدنيين، غارة جوية بين الحين والآخر (بعضها قرى تقع في شمال الليطاني)، بالإضافة إلى الاستمرار في تفخيخ المنازل في قرى الحافة الأمامية. يلتزم حزب الله ببنود الاتفاق من دون الرد على الخروقات الإسرائيلية. الجيش اللبناني يواصل تحشيد قواته في الجنوب. لجنة مراقبة الخروقات اكتملت ومن المقرر أن تلتئم خلال الأيام القليلة المقبلة.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس".. في معبر نتساريم كل فلسطيني يستحق القتل!

حزب الله.. والمراجعة المطلوبة

غداة حرب 2006، تشكلت في إسرائيل لجنة فينوغراد للتحقيق في إخفاقات العدو في حربه على لبنان. اعترفت اللجنة في تقريرها في أكثر من مكان بالإخفاق والفشل الذي مُنيت به، وبأن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها السياسية أو العسكرية التي شنّت من أجلها الحرب. لكن بقي البعض في لبنان يعتبر حتى الآن أن حزب الله هُزم.

أهم ما يجب أن يفعله حزب الله حالياً هو قراءة متمعنة ودقيقة وحساسة لمرحلة الحرب. فالنقد الذاتي مهم وصحّي ولا عيب فيه، والثقة العالية بالنفس تحتاج إلى إعادة نظر، بدءاً من إعادة ترتيب البيت الداخلي، معالجة الخرق الكبير الذي تعرض له الحزب تقنيا (البايجرات والأجهزة اللاسلكية والهاتفية إلخ..) وبشرياً.

أعتقد أن حزب الله بدأ مرحلة المراجعة، وهذا ما بدأنا نلمسه مؤخراً من خلال خطابات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والعديد من قيادات الحزب.

المؤسف جداً أن من يُساند فلسطين يُسأل ويُلام ويُهاجم، أما من يقف متفرجاً فلا أحد يُوجِّه له سؤالاً أو يُلام.

Print Friendly, PDF & Email
يوسف كليب

ناشط سياسي، لبنان

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تحاصر مذبحة غزة بالأكاذيب.. وحضارة الإجرام!