الطبخة الرئاسية.. من “الوصاية الفارسية” إلى “أهل السيادة”!

مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار اتفاق الطائف، أصبحت سوريا الحاكم الفعلي للمشهد اللبناني، حيث كرّست نفسها وصيّاً إقليمياً على القرارات السياسية الكبرى، وفي مقدمتها انتخابات الرئاسة. كان الرؤساء يُختارون بناءً على توافقات إقليمية ودولية ترعاها دمشق، التي كانت تفرض أسماء بعينها تحت شعار الحفاظ على استقرار لبنان.

شكّل خروج الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥ منعطفًا كبيرًا، حيث انتقل مركز القرار من دمشق إلى عواصم أخرى مثل واشنطن وباريس والرياض وطهران. ومع هذا التحول، برزت تناقضات جديدة، حيث بات لبنان ساحة صراع مفتوح بين هذه القوى. وهكذا، أصبح كل رئيس يُنتخب نتيجة صفقة إقليمية-دولية، في غياب أي دور فعلي للقرار الوطني.

حدّث ولا حرج!

اليوم، تتخذ الضغوط الدولية منحًى جديدًا أكثر مباشرةً، حيث تقود الولايات المتحدة حملة مكثفة للتأثير على مسار الانتخابات الرئاسية في لبنان. التلويح بفرض عقوبات على السياسيين اللبنانيين بات أداة واضحة في يد الإدارة الأمريكية، بهدف دفع الأطراف الداخلية للموافقة على انتخاب قائد الجيش، الجنرال جوزيف عون، كمرشح توافقي. هذه الضغوط تُعتبر استكمالًا لسياسة “العصا والجزرة” التي اعتمدتها واشنطن في تعاطيها مع الملف اللبناني.

حسابات الداخل

على الطرف الآخر، يتمسك زعيم تيار المردة سليمان فرنجية بترشحه للرئاسة، لا سيما وأنه ما يزال يحظى بدعم حركة أمل وحزب الله وبعض النواب الذين يدورون في فلك “الثنائي”، حتى يجعل الله أمراً كان مفعولا والذي قد يتمثل بانسحاب فرنجية “من تلقاء نفسه” لحفظ ماء الوجه لزعيم بنشعي الذي سيدفع مجدداً على ما يبدو ثمن التطورات الدراماتيكية الأخيرة وصولاً إلى سقوط نظام بشار الأسد.

وبين “الضغوطات الدولية” و”حسابات الداخل”، هناك حالة من الاستقطاب السياسي الحاد. وبين هذين الطرفين، يغيب أي توافق داخلي فعلي، حيث تبدو الأطراف اللبنانية وكأنها تنتظر أن يحسم “سانتا كلوز” الأمر! فهل تحمل أجواء الأعياد المجيدة والسنة الجديدة أخباراً وتحالفات أكثر دقة أو شفافية في الملف الرئاسي؟

برغم صعوبة خيار رفض الوصايات الأجنبية كُلّها، إلا أن هذا السيناريو، يبقى الحل الوحيد لاستعادة القرار الوطني. يتطلب هذا السيناريو إعادة هيكلة النظام السياسي اللبناني ليصبح أكثر استقلالية وأكثر تمثيلًا لمصالح الشعب، لا القوى الخارجية

ازدواجية الخطاب

في هذا السياق، تظهر ازدواجية واضحة في الخطاب السياسي اللبناني. التدخلات الإقليمية، خصوصًا الإيرانية، كانت وما تزال تُعتبر “تهديدًا للسيادة”، بينما التدخلات الغربية، الأمريكية تحديدًا، تُسوّق كدعم للسيادة واستقرار البلاد. هذا التناقض يضع شعار “رئيس صُنعَ في لبنان” في خانة الشعارات الرنّانة الفارغة تأكيداً وبشكل معجّل مكرّر أن لبنان لا يُحكم إلا بعرّاب من الخارج!

تشريع التدخل الغربي

السيادة، كفكرة، باتت سلعة مرنة تُكيف بحسب مصلحة القوى السياسية اللبنانية. التدخلات الغربية، بدلًا من أن تُرفض بالمبدأ، تُعتبر “مشروعة” إذا كانت تخدم مصالح طرف معين. لكن هذا التشريع الضمني يُضعف أي محاولة لبناء قرار وطني مستقل. في ظل هذا الوضع، يبدو وكأننا نستبدل وصاية بأخرى. بعد أن كان هناك “مندوب سامٍ” سوري يفرض الرؤساء تحت شعار “الإستقرار”، أصبح هناك “مندوبون ساميون” غربيون، يقودون اللعبة تحت ستار “المساعدة”. لكن السؤال الأهم: هل يُمكن للبنان أن يخرج من دائرة الوصايات المتعاقبة؟

السيناريوهات المستقبلية

إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن لبنان سيبقى أسير المراوحة السياسية، حيث تتصارع القوى المحلية والدولية دون التوصل إلى حل جذري.

السيناريو الأقرب للواقع هو انتخاب رئيس نتيجة صفقة إقليمية-دولية، ربما تكون على شاكلة تسوية تعكس توازن القوى الحالي، مع استمرار النفوذ الغربي في توجيه بوصلة القرار.

أصعب السيناريوهات.. وأفضلها!

برغم صعوبة خيار رفض الوصايات الأجنبية كُلّها، إلا أن هذا السيناريو، يبقى الحل الوحيد لاستعادة القرار الوطني. يتطلب هذا السيناريو إعادة هيكلة النظام السياسي اللبناني ليصبح أكثر استقلالية وأكثر تمثيلًا لمصالح الشعب، لا القوى الخارجية.

وبهذا يتبدل شعار اللبنانيين الهاتف الطنّان من “لبيك يا زعيم” إلى “لبيك يا وطن”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من معنا.. ومن ضدنا فى أزمة السد الإثيوبي؟
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  المقاومة الفلسطينية تتجرأ.. وأميركا "تؤدب" العالم على أرض غزة (4/4)