

لطالما كان الحذرُ دائماً من انفجار الوضع الداخلي وانزلاقِه إلى صراع أهليّ ٍ- طائفي. وما زال هذا الحذرُ قائماً. وسيبقى على هذه السيرورة إذا ما استمرَّت نظريةُ الربطِ بين السلاح ونزعِه بالقوة. ولا يخفى على أحدٍ أنَّ السلاحَ المقصود راهناً هو سلاحُ المقاومة. وأنَّ مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة من دون تسويةٍ حوارية-وطنية هو بلا شكٍّ أنرٌ ناريٌ.
تتجاهل الجهاتُ التي تقفُ هذا الموقف خطورةَ الاحتلال الإسرائيلي، والمخاطر الوجوديَّة على لبنان من جرَّاء المشروع الصهيوني- التوراتي المرعيِّ أميركياً بكلِّ تفاصيله. يطمعُ هذا المشروعُ الأسودُ لإقامةِ إسرائيل الكبرى. ويتغاضى أصحابُ نظرية النزع بالقوة عن أنَّ نجاح مشروع إسرائيل الكبرى لن يُبقي على لبنانَ، لا الكبير ولا الصغير، بل سيجعلُه فُتاتا هامشيّاً، مثلما يحدُثُ الآن في سوريا التي تنتظرُ خلال الأشهُرٍ القليلةِ الآتية خارطةً جديدةً بعدما تلاقت أنقرة وتلْ أبيبْ وواشنطن على تقاسم الحصص والنفوذ والثروات فيها.
القوى “اللبنانية” التي نُشيرُ إليها من دون تسميةٍ مباشرةٍ – حفاظاً على ما قد يتبقَّى من أملٍ باستنهاض وعي الوحدة – هي الآنَ تتحمَّلُ المسؤوليةَ عن ملاقاةِ الأميركي والإسرائيلي في مشروعِهما الواحد ضدَّ لبنان وكلِّ المنطقة. وتتذرَّعُ هذه القوى بالقرار 1701 وتركِّز على نزع سلاح المقاومة فيما العدوُّ الإسرائيلي يرفض الانسحاب من الجنوب وفقاً للقرار نفسِه. الغريب أنَّ هذه القُوى بكلِّ ما فيها من تعصُّبٍ طائفي وجِهوَيّ، تتوهَّم وتصدِّقُ نفسها بأنها تستطيع مخادعة الآخرين لترتيب حساباتها الداخلية تحت عنوان القرار 1701. وترتكبُ فضيحةً مدوِّيةً عندما تركِّزُ في القرار المذكور على مسألة نزع السلاح، وتتغافل عنْ أنَّ القرار عينه استند في مقدِّمته عام 2006 على ستةِ قراراتٍ سابقةٍ ما زالت سارية المفعول من دون أن يطبِّقَها العدوُّ الإسرائيلي، وعلى رأسها القرار 425. إنَّ أقلَّ ما توصفُ به هذه الذهنيّة ُ،هي أنَّها تغامرُ بمصيرِ وحدةِ لبنان.
المقاومة اتخذت موقفاً عقلانياً وإيجابياً فهل تلاقيها السلطةُ بخطوةٍ تاريخية ضمن مؤتمر وطني كي يكون عندنا دولةٌ ووطنٌ في لبنان. أمْ نضيِّعُ الوقت والموقف حتى يكمل العدوُّ الإسرائيلي السطو علينا فنكون سوريا الثانية؟
الأمرُ لا يحتملُ الجمعَ بين الحقدِ والتلاعبِ. ولا العودة إلى أحلام التقسيم التي ظهرت بفجاجة عام 1975. لقد تغيَّرت الظروف في المنطقة إلى الأسوأ. وأولياء السلطة العرب يفكِّرون عقارياً وسلطويَّاً مثل دونالد ترامب الذي سلَّموهُ بلادَهم. وهنا بالضبط تزداد الخطورة على لبنان فيصبح التقسيم قاب قوسين أو أدنى ما لم تبرزْ صحوة ،– ولو بتسويةٍ طائفية برغم بشاعتها- تنقذُ البلد من التشرذم، وتحمي أبناءَهُ من التحوُّلِ إلى عبيد في سوق النخاسة اليهودية. ولربّما يتذكَّرُ أولئك الذين يأمُلونَ بأنَّ التطبيعَ مع الكيانِ الإسرائيلي يجلب لهم الخيرات – ربَّما يتذكرون- أنَّ ميشال شيحا المفكِّر الكياني اللبناني حذَّرَ من خطر الكيان الإسرائيلي على لبنان من زاويةٍ اقتصادية ووجودية ووظيفية، أي من زاوية المصلحة لا من زاوية الهوية العربية التي يأنفون ذكرها.
هلْ يفكِّرون بمصلحة لبنان؟ هل ما زالت هناك فرصة للإنقاذ؟. ربّما يكون الجواب: نعم إذا انتقل العهد والحكومة من الكلام على الحوار إلى التطبيق العملي. وهنا تشخصُ الأنظارُ إلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام معاً. الوقت ضاغطٌ جدّاً، والمَنطِقة تتعرَّضُ لعاصفةٍ تلو أخرى، والأشهر المُقبِلة حُبلى بالتطوُّراتِ فإمَّا أنْ نتخلَّص من الكارثة السياسية – الوطنية، وإمَّا أن ندخُل في لُجَّةٍ حمراء ملتهبة شديدة الاستعار.
حسناً فعلتِ المقاومة عندما أعلنت بوضوح في الأيام القليلة الماضية أنَّها مستعدّة لمناقشة موضوع السلاح ضمن الاتفاق على إستراتيجيّةٍ دفاعيّةٍ وطنيّة. هكذا أسقطتِ المقاومةُ ورقة الابتزاز التي تستخدِمُها بعض القوى المحليّة تحت شعار الاتهام بأنَّ حزب الله لا يريد الحوار.
مؤتمر الحوار الوطني بات ضرورةً ملِحّةً قبل فوات الأوان. المأمول أن يُبادرَ إليه العهدُ والحكومة، وأن يشارك فيه جميع القوى الفاعلة، لوضع خطة تحُولُ دون إعطاء الفرصة للأميركي والإسرائيلي للتلاعب الدمويّ بما يُسمَّى “صراع المكوِّنات” اللبنانية.
المقاومة اتخذت موقفاً عقلانياً وإيجابياً فهل تلاقيها السلطةُ بخطوةٍ تاريخية ضمن مؤتمر وطني كي يكون عندنا دولةٌ ووطنٌ في لبنان. أمْ نضيِّعُ الوقت والموقف حتى يكمل العدوُّ الإسرائيلي السطو علينا فنكون سوريا الثانية؟