

بالمقابل، اعترض بعض نشطاء الثورة السورية على ذلك، معتبرين أن مهند المصري من شبيحة النظام المخلوع ووزعوا صوره وهو يُكرّم المنتخب السوري في عهد بشار الأسد ويحتفي به (يُطلقون عليه “منتخب البراميل”) واستغربوا اهتمام الشرع الخاص وتعمد وزير خارجيته أسعد الشيباني التقاط صور له برفقة الرئيس الشرع في رحلة العودة من الإمارات إلى دمشق، وصولاً إلى لوم الحكم الجديد على مقاربته الناعمة لقضية المصري، بينما هناك آلاف المواطنين السوريين الموقوفين في العديد من دول الجوار السوري في أحكام وقضايا غير جنائية ويمكن حل قضيتهم بسرعة.
وبين المهللين والمعترضين، قررت الاستقصاء والبحث لمعرفة أبعاد القضية حتى يستطيع المرء أن يُحدّد موقفه منها؛ أيُصفق ويُطبل أم يستغرب ويُندّد؟
مهند فايز المصري رجل أعمال سوري من مواليد 1984، أي من جيل الرئيس أحمد الشرع، وهو رئيس مجلس إدارة مجموعة “دامسكو” التجارية التي نشطت في مجال العملات والبورصة والحوالات وأسّسها في دمشق عام 2004. أطلق المصري شركته عندما كان في عمر العشرين ونجح نجاحاً باهراً في التوسع إلى حد افتتاح فروع للشركة في دول مثل العراق عام 2008 والإمارات عام 2011 (أي مع بدء الثورة السورية) وتركيا عام 2017، أي في السنة التالية للمحاولة الانقلابية هناك. ولك أن تتخيل كيف ينجح رجل أعمال شاب في سوريا من دون أن يكون له ما يكفي من صلات وارتباطات بالنظام السوري أو على الأقل له سند من قلب النظام والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد وتحصى!
اشتهرت مجموعة “دامسكو” بتنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية، وبخاصة في مناطق اللجوء السوري في تركيا ودول أخرى، وأصبح المصري محط الأنظار بسبب علاقاته المثيرة للجدل. فقد اتهمه نظام الأسد بدعم جماعات مسلحة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”، وبصلاته بقائدها حينها أبو محمد الجولاني.
ثمة حيرة عند أغلبية السوريين في تقييم مهند المصري، فهل كان مناصراً للأسد، أو ثائراً أو داعماً للإرهاب أو خبيراً في غسل الأموال؟ وهل الاهتمام بحرية الرجل هو جزءٌ من الاهتمام بحرية كل مواطن سوري أم لعلاقاته الوثيقة مع “هيئة تحرير الشام” وقائدها في المرحلة السابقة أم لأنه مستودع أسرار كبير؟
في الإمارات، توسعت أعمال مهند المصري لتصل إلى مجال استيراد وتصدير المواد الغذائية، بالإضافة إلى عمله في مجال العملات والتحويلات المالية، الأمر الذي أبقاه على علاقة طيبة مع رجال الأعمال المحسوبين على بشار الأسد، أمثال رامي مخلوف (قبل أن يبتعد عن النظام) ومحمد حمشو وغيرهما ممن أصبحوا بأمس الحاجة إليه، بعد أن طالتهم العقوبات الدولية، وباتوا بحاجة لمن يغسل لهم أموالهم خارج سوريا.
ومع الوقت توسعت أعمال مهند المصري في دبي وكبرت محفظة أمواله من غسيل الأموال لرجال الأعمال المحيطين بالأسد، وذاع صيته في ذلك، حتى تحول إلى مقصد يؤمه تجار الحرب الجدد من أتباع النظام.
وبحسب موقع “اقتصاد نت” فإن افتتاح المصري فرعاً لشركته في إسطنبول في العام 2017، شكل نقطة تحول في أعماله وتوجهاته، حيث تتهمه أوساط سورية بلعب دور كبير في تسهيل تجارة المواد الغذائية إلى مناطق “داعش” وتلك التي كانت وما تزال تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” (“قسد”). كما قامت شركة “دامسكو” عبر فرعها في إسطنبول، بشراء المعادن من إدلب وإعادة إنتاجها في تركيا ثمَّ تصديرها إلى دبي، وكذلك قامت بشراء معظم المنتجات الزراعية في إدلب بالتعامل مع تجار محليين يتبعون لـ”هيئة تحرير الشام”، كما كلّفه أبو محمد الجولاني (الشرع حالياً) بتوظيف أموال الجبابات الجمركية بالعملة الصعبة (من المعابر في محافظة إدلب) في عدد من البورصات ولا سيما بورصة دبي، وهو الأمر الذي يتردد أنه كان سبباً لالقاء القبض عليه من الإماراتيين.
وبرغم ذلك بقي المصري على علاقة طيبة مع نظام الأسد في دمشق، فلقد رعت شركته حفل تكريم المنتخب السوري بكرة القدم، في السفارة السورية في أبو ظبي، بحضور السفير السوري هناك واللواء موفق جمعة رئيس اللجنة الأولمبية في سوريا وذلك في مطلع العام 2019.
ويعتقد البعض أن ما أطاح بالمصري بالدرجة الأولى، هو اللعب على جميع الحبال والتوق إلى لعب دور سياسي، وبحسب المصدر نفسه فإن بداية انتكاسة المصري كانت مع تأييده للمنطقة الآمنة التركية في الشمال السوري عام 2019، بالإضافة إلى إعلانه الاستعداد للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في تلك المنطقة، تحت المظلة التركية.
واللافت للانتباه أن المصري خاض حروباً إعلامية مع رجال أعمال كانوا مقربين من النظام وانقلبوا عليه مع وصول الحكم الجديد أمثال (س. ف.) وحاول كل منهما النيل من الآخر باتهامات من كل حدب وصوب، وانتهت المعركة بينهما بتوجيه النظام السوري، في العام 2019، مذكرة إلى الإمارات يطالب فيها باعتقال واسترداد مهند المصري بالإضافة إلى رجل أعمال آخر يدعى (ض. أ)، ويتهمهما فيها بالتورط في أعمال إرهابية من خلال التعامل مع “جبهة النصرة”. وبالفعل قامت الإمارات في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 باعتقال المصري، ولكنها لم تسلمه للنظام ولم تسمح له بتعيين محامٍ للدفاع عنه، إلى أن بلغ الأمر فصوله الأخيرة مع اطلاق سراحه بطريقة هوليودية كما تشي كل محطات الرجل، فيزيد الأمر من غموض القصة، وتختلط على السوريين الأوراق والرؤى.
اليوم ثمة حيرة عند أغلبية السوريين في تقييم مهند المصري، فهل كان مناصراً للأسد، أو ثائراً أو داعماً للإرهاب أو خبيراً في غسل الأموال؟ وهل الاهتمام بحرية الرجل هو جزءٌ من الاهتمام بحرية كل مواطن سوري أم لعلاقاته الوثيقة مع “هيئة تحرير الشام” وقائدها في المرحلة السابقة أم لأنه مستودع أسرار كبير؟ والسؤال الأكبر ما هو مستقبله ودوره المالي والسياسي في المرحلة المقبلة؟