

لا بد من التذكير أن الظروف الموضوعية الخاصة بكل بلد وبكيفية التعامل مع إدارة التحديات التى يواجهها البلد المعنى هى المسئولة بشكل أساسى عما تؤول إليه الأوضاع فى هذا البلد أو ذاك. من مظاهر ردود الفعل المجتمعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص تصاعد قوة ودور العقائد والمواقف السياسية المتطرفة التى يُمثّلها اليمين المتشدد والعنصرى فى مجمل أطرافه وقواه السياسية، كما تشهد أوروبا حالياً وهى ليست وحدها بالطبع.
الاختزال والتعميم والتبسيط هى الثلاثية الرئيسية التى تشكل وتحكم رؤية هؤلاء للآخر المختلف فى اللون أو الدين أو العرق أو الهوية الأصلية بشكل عام. أزمات معقدة فى عناصرها بعضها بنيوى وبعضها الآخر ظرفى برغم شدتها ولكن هذه الرؤية المتشددة والاختزالية فى تشخيص “المرض” لا تُقدّم الحلول الناجعة. إنها رؤية تُعبّر بأشكال مختلفة وبشكل تبسيطى عن المخاوف من غياب الحلول الفعلية والتى بالطبع لا تندرج فى عناوين المخاوف التى يحملها أصحاب هذه الرؤية. سياسات ودعوات الانغلاق والانطواء ورفض التعاون التعددى وتحميل فشله أو عدم تحقيق الأهداف المطلوبة منه للقراءة التى تقدمها هذه الرؤية التبسيطية والمتشددة يزيد من حدة المشاكل والأزمات.
ذلك كله يستدعى تعزيز ثقافة الحوار أولاً ضمن أبناء المجتمع الوطنى الواحد، ضمن أبناء الثقافة الواحدة، بهدف تعزيز ثقافة الانفتاح واحترام التنوع وإدارة الاختلاف، وثانياً مع الآخر المختلف فى الانتماء الوطنى أو غيره (الإقليمى على سبيل المثال) مثل الحوار بين أطر أو منظمات إقليمية مختلفة
فشل أو قصور بعض أوجه أو مجالات التعاون المتعدد الأطراف بهندسته المختلفة كما نجد فى الأطر والمؤسسات الدولية والإقليمية المعنية لا يعنى أن مبدأ التعاون المتعدد الأطراف هو المسئول عن ذلك الفشل بل إن سياسات معينة أو عدم وجود توافقات فعلية وليس فقط فى العناوين هو المسئول الحقيقى عن غياب النجاح أو الفعالية المطلوبة فى التعامل مع التحديات المشتركة.
فى «القرية الكونية» التى نعيش فيها، والبعض يفضل تعبير المدينة الكونية، باعتبار أنها أدق فى وصف عالم اليوم بسبب درجة الصخب والاختلافات والتنوع وعدم معرفة الآخر وكلها تشكل معايير تميز حياة المدينة عن حياة القرية من الضرورى العمل على بلورة ثقافة الحوار لمعرفة «الآخر» الذى عليك التعامل معه وبناء الجسور معه. فالحوار لا يعنى بالضرورة التفاهم الكلى بل معرفة الآخر والعمل على البناء على المشترك وتعزيزه من جهة وإدارة الاختلاف واحتواءه من جهة أخرى. فالحوار بين الثقافات أو كما يقال بين الحضارات والذى جاء كرد فعل على نظرية «صدام الحضارات» لصامويل هانتجتون، أمر أكثر من ضرورى خدمة للاستقرار فى العلاقات بين الدول وبين المجتمعات المختلفة ولتعزيز هذا الاستقرار.
ذلك كله يستدعى تعزيز ثقافة الحوار أولاً ضمن أبناء المجتمع الوطنى الواحد، ضمن أبناء الثقافة الواحدة، بهدف تعزيز ثقافة الانفتاح واحترام التنوع وإدارة الاختلاف، وثانياً مع الآخر المختلف فى الانتماء الوطنى أو غيره (الإقليمى على سبيل المثال) مثل الحوار بين أطر أو منظمات إقليمية مختلفة. ذلك كله يُعزّز معرفة الآخر وبالتالى يُسهّل إقامة أو تعزيز أطر تعاون متعددة الأبعاد قائمة بين مختلف هذه المنظمات والمؤسسات أو خلق أطر جديدة للتعاون.
نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها لتعزيز الحوار من حيث نتائجه المرجوة وهى تتعلق بما أُسميه بديموقراطية الحوار أو بلا مركزية الحوار. الأمر الذى يعنى مشاركة أوسع للقطاعات المجتمعية باهتماماتها المختلفة، وعلى صعيد الجغرافية الوطنية فى حوارات تحمل عناوين متعددة وتتعلق بمختلف أوجه الحياة الوطنية والحياة الدولية. فلا يبقى الحوار أسيراً للنخب المعنية أو لأهل الاختصاص فقط.
(*) بالتزامن مع “الشروق“