

لم يكن مُتصوراً أن يُنهي الإنسان “العربي”، وجوده، ويعيش على نفقة سلالته أو تدينه أو تمذهبه، كبضاعة صالحة للمتاجرة بالقيم والأخلاق والحرية. عالمٌ عربيٌ مقيَّدٌ لا رأي له. “شعوب” تُجيد الطاعة والنفاق وهواية رأس المال. “ولا نستثني أحداً”. بلادٌ تحرص على حماية ثقافة الممنوع.
الحرية جريمة. دواؤها القمع والملاحقة. التفكير بلا رخصة، خروج عن طاعة الأصولية وحرام التجارة وإبادة القيم. الفردية ممنوعة. أنت منتمٍ غصباً عنك لمهنتك وقبيلتك وطائفتك. دول الصحارى والنفط تحوَّلت إلى جنائن بكل حلل الجمال. تضاهي عواصم العالم التاريخية. فقط ينقصها حق الكلام. تنقصها لغة الفكر. صارت تُنافس وسائل النقل وبمناطحة السحاب والسماء وابتكار الفرح واللهو من دون قيد. وحدها الحرية ممنوعة. “أنتَ تُفكّر” إذاً أنت في خطر. أنت مطيع وسريع في تنفيذ الأوامر والتقاط الوحي، إذاً، أنتَ تنتمي إلى القطيع.. والعالم العربي يضج بالقطعان.
ما تبقى من هذه القارة “العربية” قدَّم لائحة ممنوعات صارمة. أنظمة العسكر والطوائف والمذاهب و”الأحزاب”، التي كانت ذات زمن، خشبة خلاص، باتت تُمارس اليوم سياسة المقصلة. دول مرعبة. سجونها عابرة للإنسان والإنسانية. الأمن وأجهزته، أهم من الكتب السماوية. الطوائفية والمذهبية، سياسة قاهرة. دول الاستبداد العسكري، ودول الاستبداد العقائدي، ودول الاستبداد المذهبي، انتهت إلى اختراع مسار مهم جداً: “دعوا الشعوب تسير على جباهها”.
ثم نتساءل: لماذا تربح “إسرائيل” الصغرى على هذه الدول الرملية والرأسمالية والنفطية والبوليسية والعائلية و”الحزبية”؟
ولو! الجواب واضح. “إسرائيل” دولة. “إسرائيل” نظام. إسرائيل ديموقراطية (وهذا حصرم لم نره في حلب). إسرائيل دولة محاسبة. عدد من رؤسائها وقادتها ووزرائها، تعرضوا لمحاكمات وقبع العديد منهم في السجون. لا أحد أكبر من القانون، لا أحد فوق العدالة. الديموقراطية الصارمة هي الأساس. اجترحت هذه الشريحة، دولة قوية في أرض ليست لها. ادعت صدق النبؤة. عاد الشعب بعد مئات السنين إلى أرض “يهوذا”. وبنى دولة مكتملة المواصفات الحديثة. شعبها هو صاحب السلطة، والقادة هم خدم الشعب. ينقصها المال، جلبته من بعيد وقريب.. “العرب أنفقوه في كل مطارح اللذة والغنى”.
حذار، أيها العربي. لا تنطق بلفظة الحرية. لا تلجأ إلى ما يسمى العدالة. القمع تربية إلزامية. فرض سياسي. التعذيب قرار سماوي، ديني، رأسمالي. الاعتراف الكاذب ممر خلاص.. الاستسلام أفضل من تحمل الألم. المهم: ممنوع أن تموت. مسموح أن تتعذب. أن يكون إحساسك بالألم، لذة لدى المخابرات المصابة بالخصاء الإنساني
“إسرائيل”، وحدها في هذه المنطقة، أنشئت لخدمة “شعبها” المنتشر في معظم رياح الأرض. أرض ليست لها، قضت على من فيها. وأقامت دولة عظمى تنافس الدول الكبرى في العالم.
ثم، نتساءل: لماذا نخسر دائماً؟
“إسرائيل” كانت خيالاً. لا حجر لتبني بلداً. اليهود كانوا موزعين ومنتشرين. وقد أصيبوا من غرب متوحش، بكل آفات العنصرية. الغرب، كان جحيم اليهود على مدار قرون. طوردوا. نبذوا. وباءهم يجب الشفاء منه. مذابح. كان اليهود في الغرب، “نور الترحال”، بقرارات لاهوتية كاثوليكية. بنبذ عرقي. بسرقة أموالهم ومطاردتهم، لأنهم وباء وحقد وضغينة.. لم يتركوا صفة لعينة إلا وألصقوها بهم وبتراثهم. هتلر، كان أحد أساتذة الإبادة. سبقه إلى ذلك، إبادة الجنس الأحمر في القارة الأميركية، على يد قادة كاثوليك اكتشفوا أرضاً ليست لهم، فحوَّلوها إلى أرض إبادة لشعوب مزمنة.
العرب، لم يرتكبوا مجازر عنصرية. لا بل عاش اليهود فترات ذهبية في ظل عروبة سمحاء. لم يتعرضوا لأذى إلا عندما كانت تستبد سلطة دينية إسلامية وترتكب جرائم بحق المسلمين وبحق شعوب أخرى..
أما بعد؟
التاريخ مليء بالقيود. كأن الإنسان العربي راهناً، يولد مقيداً، بالدين والطائفة والعرق والمذهب و.. الجريمة. لم يحدث أن الإنسان العربي تجاوز الوحش الكامن في أعماقه. الوحش الأبشع منه.
يصح القول: “الإنسان كائن مستحيل”. عالم الإنسان هذا، ليس إنسانياً بالمرة. حرام بهدلة الحيوانات. لم يرتق الإنسان بعد إلى مرتبة الحيونة. الحيوانات تحافظ على جنسها. لا تقتل إلا لتأكل، الإنسان يقتل كي يقتل وكي يفتك. حرام أن يقال: “حيونة الإنسان”، رأفة بالحيوانات التي تفوقت على همجية الإنسان. لا همجية توازي هذه الصفة الملازمة لقادة الشعوب. الحيوانات لا تُحارب.
مسيرة البشرية قائمة على استغلال الإنسان “لأخيه” الإنسان. يبدو أننا كنا في ماضٍ مرهف. وعندما ارتكب هذا الكائن وجوداً دموياً، لقبوه بلقب الإنسان. الحروب البشرية مسار مزمن. منذ أكثر من 4 آلاف سنة. خسر فيها الإنسان دمه وجسده في ممارسة التوحش. وراهناً، ما زلنا في مسيرة التوحش الإنساني. وهذه لائحة لعدة العمل السلطوي، السياسي والمذهبي والرأسمالي. لدينا عقيدة راسخة جداً، هي عقيدة التعذيب بجدارة التوحش.
لا تُستثنى إمارة أو مملكة أو جمهورية أو عسكريتاريا أو..
التوحش العربي عقيدة ترقى على عقائد الأديان والقيم الإنسانية..
لا شك أنكم عرفتم “فخامة” التعذيب في كل من سوريا والعراق وليبيا والسودان و.. و.. و.. (ضع إسم الدولة بلا وجل). سجون وردع وقمع وقطع وتعذيب وتركيع وتقطيع.
يا أخي. هل العربي إنسان أم لا؟ إنه إنسان محكوم بالتوحش السياسي والأمني لاغتيال المجتمع وتأديبه وتدريبه على الركوع. جيوش العرب ليست للقتال. جيش إسرائيل، يأمره الشعب. جيوش العرب، يأمرها ملوك وأمراء ورؤساء.. هي جيوش قمع وردع وإجبار وتعذيب. معه حق الكاتب يوسف إدريس، عندما لقب الجندي العربي، بالعسكري الأسود. بسبب سجون التعذيب.
حذار، أيها العربي. لا تنطق بلفظة الحرية. لا تلجأ إلى ما يسمى العدالة. القمع تربية إلزامية. فرض سياسي. التعذيب قرار سماوي، ديني، رأسمالي. الاعتراف الكاذب ممر خلاص.. الاستسلام أفضل من تحمل الألم.
المهم: ممنوع أن تموت. مسموح أن تتعذب. أن يكون إحساسك بالألم، لذة لدى المخابرات المصابة بالخصاء الإنساني.
أختم بما يلي:
شهادة امرأة استرقت عمليات التعذيب: “كانوا يدفنونهم أحياء. كانوا يربطون الفتى بسيارتين تسيران في اتجاهين مختلفين. يقتطعون اللحم البشري بالسكين. يضعون اللحم المدمى في فم صاحبه. اغتصبوا. هتكوا. قطعوا الأيدي. خنقوا. شنقوا! أحرقوا بشراً أحياء..”.
يا إلهي..
ماذا نقول عن الحروب؟ عن استباحة غزة. عن التقتيل. عن الإبادة. هل هذه بشرية أم بربرية؟
أصرخ بأعلى صوتي:
أين أنت يا الله؟
رد علينا مرّة واحدة.
أو.. ندمن على اليأس، بلذة النهايات.