برلمان تونس: فسيفساء التشتّت وخيبة الأمل

Avatar18008/10/2019
 لم تحمل الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم أمس في تونس أية مفاجآت. بعيداً عن الجدل الذي ساد حول المرتبة التي احتلتها "حركة النهضة" أو "قلب تونس"، والذي يفترض أن تحسمه النتيجة النهائية للتصويت، فإنّ المفاعيل السياسية التي أفرزتها الانتخابات تكرّس مشهد التشتّت الذي كشفت عنه الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة.

لا يختلف اثنان على أن البرلمان التونسي الجديد سيكون مفككاً تماماً. إعلان “حركة النهضة” فوزها بالمرتبة الأولى لا يكتسب سوى طابع احتفالي، لا يقدّم ولا يؤخر في تشكيل الحكومة الجديدة، فحتى ولو ثُبّتت النتيجة النهائية رسمياً، فإنّ الحزب الإسلامي يبقى مفتقداً إلى الغالبية البرلمانية التي تؤهله أن يحكم منفرداً، لا بل أنّ المشهد يشي بأنّ عملية التشكيل الحكومي المقبلة ستطلب فترة طويلة، ومفاوضات صعبة بين المكوّنات السياسية، بكل تناقضاتها الأيديولوجية والسياسية.

هكذا أتت الانتخابات البرلمانية لتكرّس مناخاً سياسياً متشتتاً، في ظل خيبة أمل شعبية تجاه الأحزاب، تُرجمت الشهر الماضي حين استقرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية على منافسين من خارج منظومة الأحزاب التقليدية، هما نبيل القروي المسجون بتهمة غسل الأموال والاحتيال الضريبي منذ نهاية آب/أغسطس الماضي، وقيس سعيد أستاذ القانون المتقاعد ذي التوجهات المحافظة.

يؤكد ذلك واقع أن التونسيين، بعد ثماني سنوات من إنهاء عقود الحكم الاستبدادي، أصبحوا في غالبيتهم يشعرون بخيبة الأمل بسبب عجز الائتلافات الحاكمة المتكررة عن معالجة ضعف الاقتصاد وضعف الخدمات العامة.

على هذا الأساس، فإن أية حكومة ستُشكَّل بعد انتخابات الأمس ستواجه التحديات ذاتها التي أفسدت أسلافها، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي-الاجتماعي، مع ارتفاع معدل البطالة (15 في المئة على المستوى الوطني و 30 في المئة في بعض المدن)، ونسبة التضخم والدين العام والصعوبات التي تواجهها البلاد على مستوى جذب الاستثمارات.

هي خيبة أمل عبر عنها التونسيون في آخر استحقاقين انتخابيين بشكل لا لبس فيه، إن في جهة تدني مستوى المشاركة في التصويت (تراجعت إلى 41 في المئة في مقابل 68 في المئة خلال انتخابات عام 2014)، ، أو في معاقبة الأحزاب الشريكة في الحكم، من خلال حرمانها عدد المقاعد البرلمانية.

هذا ما عكسته على سبيل المثال افتتاحية “لابريس” التونسية، حين رصدت “أجواء انعدام الثقة والشكوك التي عمت خلال يوم أمس بسبب عزوف الشباب عن التصويت” وهو عزوف يعكس، بحسب الصحيفة “رفضهم للأحزاب السياسية في تونس”، وإن كانت قد أخذت على الشباب التونسي أنه “بامتناعه عن التصويت فهو يمتنع عن ممارسة حقه في بناء مستقبل البلاد ويمتنع عن مراقبة وتقييم عمل النواب الذين ستستمر ولا يتهم لخمس سنوات”.

ولكن موقع “بيزنس نيوز” التونسي قارب المسألة من زاوية أخرى، إذ اعتبر أن “هزيمة الأحزاب التقدمية عكست أن هذه الأحزاب لم تستوعب بعد دينامية المجتمع التونسي الذي فضل تجديد ثقته بحزب النهضة أو التصويت لحزب لا يتجاوز عمره بضعة أشهر”.

وأضاف الموقع أن “نتائج الانتخابات تفتح صفحة جديدة في تاريخ تونس وهي صفحة ستكتب من دون الأحزاب الفاسدة، التي ينبغي عليها الابتعاد عن شأن التونسيين وتركهم يواجهون المصير الذي اختاروه”.

النتائج شبه النهائية للانتخابات أظهرت تقدم “حركة النهضة” بحصولها على 17.5 في المئة من الأصوات، وتلاها حزب “قلب تونس” الذي حصل على 15.6 في المئة، في حين نال “الحزب  الدستوري الحر” 6.8 في المئة من الأصوات ليأتي في المركز الثالث، وتلاه “ائتلاف الكرامة” بـ6.1 في المئة من الأصوات.

وبالرغم من أن الحركة الاسلامية حلت اولى في المرتبة على باقي الاحزاب، الا أن أصواتها ستترجم إلى 40 مقعداً فقط، أي أنها ستبقى بعيدة عن الـ109 مقاعد الضرورية لتشكيل غالبية حكومية.

علاوة على ما سبق فإن النتيجة الانتخابية لـ”النهضة” عكست انخفاضاً حاداً في قاعدتها الشعبية، مقارنة بانتخابات العام 2014، حين حصلت على 27.8 في المئة من الأصوات ما أمن لها حينها 69 مقعداً.

وإذا ما تم تأكيد ذلك، في النتيجة الرسمية، فستكون “حركة النهضة”، وهي عضو في الكثير من الائتلافات منذ الثورة، في حاجة إلى الانضمام إلى العديد من المنافسين والأعضاء المستقلين في البرلمان للحصول على الغالبية المطلوبة.

وإذا لم تتمكن من القيام بذلك في غضون شهرين، يمكن للرئيس الجديد أن يطلب من طرف آخر أن يحاول تشكيل الحكومة مجدداً، وإذا فشل أيضاً، واستمر الجمود، فستكون هناك انتخابات أخرى.

وبطبيعة الحال، فإن حزب “قلب تونس”، باعتباره وصيف الانتخابات، سيكون المرشح الثاني للتكليف الحكومي، ولكن لن يكون لديه خيار سوى الخيار نفسه الذي ستضطر أن تتخذه “النهضة”، أي الذهاب نحو تحالفات برلمانية، لن تكون سهلة.

ما يجعل المهمة أكثر صعوبة أمام “النهضة” و”قلب تونس” أن كلاهما استبعد تماماً، خلال الحملة الانتخابية، أيّ ائتلاف يضم الآخر، ويبدو أن البراغماتية هنا لن تكون ممكنة، خصوصاً أن الطرفين المتناقضين سيكونان غير قادرين على النزول عن شجرة المواقف العالية، اذا ما أرادا البناء على خطاب الأسابيع الماضية، للظفر برئاسة الجمهورية، في الانتخابات التي ستجري بين القروي، رئيس “قلب تونس”، وبين قيس سعيد المدعوم من “النهضة”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  وصفة الديموقراطية الفوقية.. إنفجار مجتمعي دائم!
Avatar

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  20 سنة في التيه العربي