سعد الحريري حظّهُ عاثر. سقط والده، غداة سقوط بغداد، أما هو، فقد وجد نفسه، بلا مقدمات، زعيما أسيرا للدم، يقاتل بلا بندقية بين متاريس الدول. قرارات أممية ومحكمة دولية. “الثأريون” في الداخل يحاصرونه. الإقليم كله على صفيح ساخن. النظام الدولي والإقليمي يتغير بعد العام 2003. المظلة السورية السعودية المصرية التي حضنت إستقرار لبنان منذ حرب صدام حسين ضد الكويت تسقط. القرار 1559 يمهد لحرب إسرائيلية على لبنان. حروب في العراق وسوريا واليمن. أنظمة تتغير وخرائط تتبدل.
من السعودية، وهي تعني المشروعية، في قاموس الحريرية السياسية، إكتسب سعد الحريري خبرته الأولى في الأعمال. إلتصاقه بالديوان الملكي وتردده على قصور الأمراء، أكسبه صفة قرآنية مذكورة أكثر من تسعين مرة. صفة الصبر أو كما يقال عنها “صفة الأنبياء”. كان لزاماً عليه أن ينتظر موعدا يأتي بعد شهر وشهرين في قلب الصحراء حتى ينتهي هذا الأمير من رحلة صيد، أو متنقلا بين العواصم طمعاً بتوقيع آخر. صبر مجبول بالطاعة للوالدين، كما لولي الأمر، وهو، في الحالة السعودية، ملك أو أمير أو في مرتبة بين الإثنتين، وفق نموذج تعامل الحريرية مع سعودية يومنا هذا.
ورث سعد الحريري صفة ثانية. صفة أن يتحول مرافق الأمراء إلى أمير. تجعله مراجعاته شبه اليومية للديوان الملكي، أشبه ما يكون بملك أو أمير في ديوانه الشخصي
ورث سعد الحريري صفة ثانية. صفة أن يتحول مرافق الأمراء إلى أمير. تجعله مراجعاته شبه اليومية للديوان الملكي، أشبه ما يكون بملك أو أمير في ديوانه الشخصي. يتصرف مثلهم. يستنسخ سلوكياتهم. عاداتهم. تقاليدهم. أوامر. أموال. طائرات وسيارات وقوارب. قصور وفيلات هنا وهناك. مستشارون وجيوش من خدم وحشم وحراس وطباخين ومطبلين ومزمرين.
15 سنة من الزعامة
صار سعد الحريري يعيش الشيء ونقيضه. ينتظر أسابيع طويلة موعداً ينبس به سكرتير في الديوان أو مكرمة تحتاج توقيع السلطان. في المقابل، لا يجد في بيروت رفقة طبيعية، حتى أقرب أقاربه صاروا جزءا من قافلة الطامحين والإنتقاميين، أما أهل الصدق والثقة، فصاروا قلة قليلة، لا بل عملة نادرة في البيت الحريري.
15 سنة من الزعامة، كانت كفيلة بجعله يعيد قراءة أقدار أورثته ما لا قدرة له على إحتماله أو دفعه من أثمان. المؤسف أن ما خسره الرجل شخصيا، أباً وسياسة ومالا وعمراً (وحتى عائلة)، لا يستطيع أحد أن يعوضه عليه، لا الآن، ولا في أي زمان، فكيف يُلام رجل وجد نفسه فجأة يربح كل شيء، وفي لحظة ثانية، يخسر كل شيء؟
لسعد الحريري الجديد أن يتمسك بالسرايا الكبير. أن يأكل ويشرب ويستيقظ وينام ويستقبل ويودع فيه. أن لا يطيل السفر والغياب عنه. أن يملأ روزنامة مواعيده في جغرافيا رئاسة لبنان الثالثة المتلاصقة جنباتها و”بيت وسط” راعى مصممه أن يجعل الناظر إليه لا يراه إلا جزءاً من سرايا لبنان الكبير!
وللحريري أن يعتقد، وهذا من حقه، أن السرايا هو الخيار الأنسب له، لجمهوره، وللآخرين، في إنتظار ظروف مختلفة تحتاج إلى تعديل أولويات عند هذا أو ذاك من اللاعبين المحليين أو الخارجيين.
كيف يُلام رجل وجد نفسه فجأة يربح كل شيء، وفي لحظة ثانية، يخسر كل شيء؟
الخامنئي وأزميرالدا وخنجرها
لم يعد مناسبا لسعد الحريري أن يكرر تجربة اللجوء السياسي خارج بلده، كما فعل غداة إقصائه في مطلع العام 2011. ربما إكتشف أن إزميرالدا تستحق تضحية. لا بأس لأزميرالدا أن تتباهى به وبأمثاله الغيارى، طالما أن الكل قد سلّم بأن خنجر هذه السيدة كفيل بحمايتها، فما هي قصة أزميرالدا وخنجرها، أقله، لمن لم يعرفها من قبل؟
خلال آخر زيارة للموفد الملكي السعودي نزار العلولا، إلى بيروت في شتاء العام الحالي، روى الحريري له وللحاضرين، في مأدبة عشاء في أحد فنادق العاصمة، قصة من وحي رحلته الشهيرة إلى طهران في خريف العام 2010، قبل سقوط حكومته الأولى بشهر تقريباً.
في تلك الزيارة، توجه السيد علي خامنئي، باللغة العربية للحريري قائلاً: دولة الرئيس، هل قرأت رواية “أحدب نوتردام” للأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو؟ فأجاب الحريري بنعم.
هذه الرواية، تابع خامنئي، تحكي قصة إمرأة غجرية جميلة. لا بل هي أجمل إمرأة في باريس، ومن الطبيعي أن يتنافس الأقوياء من أجل الفوز بها، وكذلك المتنفذين والسفلة والقتلة، لكن الجميع كان يعرف(…). هنا قاطعه الحريري: وما كان إسمها؟ سرعان ما أجابه مرافقه طارق متري: “أزميرالدا، يا دولة الرئيس”. ضحك خامنئي، وقال لمتري:”أحسنت، أنت كنت وزيرا للثقافة”.
الجميلة أزميرالدا “كانت تملك خنجرا جميلا حاد النصل. يده مصنوعة من المحار (أصداف البحر)، ولم يكن يفارقها أينما كانت (تخبئه في فخذها الأيمن)، وكانت تستخدمه كلما أراد أحد النيل منها بسوء في شوارع باريس. إن لبنان هو مثل أزميرالدا تلك المرأة الجميلة. لبنان عروس الشرق الأوسط. هناك الكثير من الذين يسعون للنيل من بلدكم. إن اسرائيل هي الخطر الذي يهددكم. ألم يأتوا إلى شوارع بيروت في العام 1982؟ ألم يقتلوا الناس؟ ألم يدمروا؟ ألم يرتكبوا المجازر؟ إن سلاح المقاومة هو خنجر أزميرالدا، الذي سيهزم عدوكم”، والكلام دائما للخامنئي.
هنا سأل الحريري مُضيفه، “ولكن ماذا إذا جرح هذا السلاح أزميرالدا نفسها، أي لبنان”؟
جنبلاط وميقاتي يتآمران!
إنتهى اللقاء، “وجاءت الترجمة بعد حوالي شهر ونيف. كنت في طريقي إلى البيت الأبيض، عندما قرر وزراء فريق 8 آذار تقديم إستقالاتهم من الحكومة في 12 كانون الثاني 2011″، قال رئيس حكومة لبنان.
ما أن أنهى الحريري روايته، حتى خاطبه وليد جنبلاط متهكما على مسمع ومرأى من الحاضرين، وبينهم العلولا:”نعم ومن بعدها، تآمرنا عليك أنا ونجيب ميقاتي”.
صحيح أن خامنئي معجب باللغة العربية وبالروايات الفرنسية، وهو ترجم العشرات منها إلى الفارسية، مثل ميشيل زيفاكو وألكسندر دوما الأب والإبن، لكنه أراد القول للحريري أن لبنان يملك من عناصر القوة والجمال، ما يؤهله أن يشكل نموذجا فريدا من نوعه، وهذه العبارات لطالما ردّدها أمام زواره من اللبنانيين، وبينهم الرئيس نبيه بري.
كان بمقدور الحريري أن يتلقف كلام خامنئي بطريقة مختلفة. أن يقول أن تلك المرأة الجميلة لا تحتاج فقط إلى خناجر لحماية نفسها، بل ثمة نواقص أخرى، حتى يكتمل مشهد دولة أزميرالدا… كان بمقدور الحريري أن يعترف بلبنان وبقيمته الإستثنائية، وهذه حقيقة يلمسها زوار طهران، برغم وجود شريحة إيرانية تئن تحت وطأة أزمة إقتصادية ــ إجتماعية خانقة، وصولا إلى مطالبتها بأولوية صرف إمكانات إيران في الداخل الإيراني بدل الإستثمار في مشروع إقليمي مترامي الأطراف.
السعودية وإيران.. والحريري
لقد سبق وتباهى أكثر من مسؤول إيراني، وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني، بإمساك طهران بقرار أربع عواصم عربية هي بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، وهذا الكلام ينفّر ليس خصوم إيران فحسب، بل أقرب الناس إليها من زاوية إحترامهم خيارها برفع راية فلسطين، بعدما تخلت عنها معظم الأنظمة العربية.
ثمة من يقول إن ايران أحرص من السعودية على بقاء الحريري في رئاسة الحكومة
ولعل واقعية سعد الحريري السياسية في مرحلة ما بعد عودته إلى السلطة السياسية جعلته يعيد النظر في تعامله مع حزب الله والإيرانيين. أولا، يراعي الرجل مصلحته بأن يستعيد رئاسة الحكومة. ثانيا، أن يراكم بالصفقات الملتوية للفوز بمال شخصي وسياسي لن يأتيه، بعد الآن، بالصورة التي إعتاد عليها في مرحلة ما قبل محمد بن سلمان. ثالثا، ثمة من يقول إن ايران أحرص من السعودية على بقاء الحريري في رئاسة الحكومة، طالما أنه لا يتجاوز السقف السياسي المرسوم له.
لن ينسى سعد الحريري أنه أهين واعتقل وصُفعَ في السعودية قبل حوالي السنتين، ولولا تضافر إرادات دولية ولبنانية، لما كان موجودا على الخارطة السياسية حالياً. أكثر من ذلك، هو يدرك عمق الحقد الذي تكنه له بعض الأوساط السعودية، من زمن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز الذي تصرف معه بصفته “قاصراً”، وها هو الزميل سليمان النمر الذي أقام عقودا من الزمن في السعودية، وكان مقربا من الملك سلمان، يروي في كتاب له قيد الطبع حاليا في بيروت، ما دار من نقاش بينه وبين وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل. قال النمر للفيصل غداة لجوء سعد الحريري إلى السعودية في العام 2011 بذريعة الأمن: هل يعقل أن سعد يريد أن يبني زعامة في لبنان من مقر إقامته في جدة والرياض. حينذاك أسر الفيصل للنمر “رفيق الحريري كان مريحنا من اعباء لبنان ومشاكله، اما سعد فلقد اصبح عبئا علينا في لبنان”.
لا مظلة حماية حقيقية للبنان من قبل السعودية وباقي دول الخليج، كما كان الحال منذ العام 1990 حتى العام 2011
نظرة بن سلمان للبنان
تختزل عبارة سعود الفيصل الأخيرة عمق الموقف الرسمي السعودي في السنوات الأخيرة، فكيف إذا تم التدقيق في نظرة محمد بن سلمان للبنان؟
عندما زار وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو لبنان قبل أقل من سنة، سمع تمنيات من مسؤولين لبنانيين، ولا سيما من الحريري ووليد جنبلاط، بأن تبادر واشنطن إلى طلب وديعة سعودية توضع في مصرف لبنان. وحسب المعلومات التي يرويها مقربون من الرياض، فإن بومبيو نقل الطلب إلى محمد بن سلمان، متمنيا عليه أن تدعم المملكة لبنان اقتصادياً ومالياً، فكان جواب ولي العهد بالإنكليزية :”The Lebanese populace is a corrupt populace”(شعب لبنان فاسد)، فأجابه بومبيو “بالطبع، لن أجادلك في هذا الأمر”.
يقود ذلك للإستنتاج أن لا مظلة حماية حقيقية للبنان من قبل السعودية ودول الخليج، كما كان الحال منذ العام 1990 وحتى العام 2011. اليوم، تأتي مظلة الحماية الخارجية للبنان من مصدر واحد. من غيرة الأميركيين على أمن إسرائيل، بما يجعلهم أحرص من أي وقت مضى على إستقرار لبنان. تسري المعادلة نفسها على قضايا اللاجئين السوريين والفلسطينيين. الغاز. اليونيفيل الخ…
لا يقلل ذلك من دور السعودية ودول الخليج الداعم للبنان منذ الإستقلال حتى الأمس القريب. دعم تخطى المألوف مع ثنائي فهد بن عبد العزيز ـ رفيق الحريري. صار الأخير في صلب المؤسسة السعودية الحاكمة. وزير خارجية الظل. تمدد دور “البلدوزر” من لبنان إلى المشرق العربي وأوروبا وآسيا.
تبدد الرصيدين السياسي والمالي
عندما سقط رفيق الحريري، تعاملت عواصم غربية وعربية مع وريثه السياسي، من موقع الأبوة السياسية. رصيد ندر أن يتوفر لزعيم سياسي لبناني، سرعان ما تلاشى في أقل من عقد من الزمن. في زمن الحريري الأب، لم تعد فرنسا جاك شيراك، الأم الحنون لموارنة لبنان، بل حاضنة الحريرية وراعيتها. مع الحريري الإبن، تتراوح النظرة بين حدي “السمسرة” و”الشفقة”. يسري ذلك على علاقات دولية أخرى، بإستثناء موسكو التي عاملت سعد الحريري، بمثل ما عاملت والده، بوصفه رجل أعمال قبل أن يكون سياسيا أو رئيس حكومة.
زاد الطين بلة تبدد الرصيد المالي. نضبت الإلتزامات السعودية. إنهارت سعودي أوجيه، بعدما رفض السعوديون تسديد ما لا يقل عن 8 مليارات دولار من مستحقاتها. إنهارت مشاريع مالية حريرية متفرقة في تركيا وأفريقيا وأوروبا ولبنان والأردن تقدر بنحو عشرين مليار دولار. لا مشاريع تدر المال إلا “ماك”. شركة مقاولات متوسطة الحجم نالت عقدا للصيانة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ما زال يحظى بمباركة الديوان الملكي وبشراكة كاملة مع الاخ غير الشقيق عدي الشيخ (نجل السيدة نازك الحريري). رصيد متواضع سيكون مهددا طالما أن الحريري لا يلتزم بـ”الوصفة” السعودية، بدليل أن الرياض أوقفت منحة الثلاثة ملايين دولار سنويا، ولم تحجبها عن آخرين لبنانيا، وبينهم من هو مرشح لرئاسة الحكومة مستقبلا، من بيئة الحريري نفسها.
لا يبدو أن السعودية في وارد تكرار تجربة رفيق الحريري سياسياً وبالتالي، لن تعطي سعد الحريري “على العمياني”
الحريري والسعودية إلى أين؟
لا يبدو أن السعودية في وارد تكرار تجربة رفيق الحريري سياسياً، وبالتالي، لن تعطي سعد الحريري “على العمياني”. ثمة مملكة جديدة وأمير – ملك مقدر له أن يحكمها لخمسين سنة. القيمة المضافة للبنان ستبقى موجودة في وجدان جمهور سعودي عريض يعتبر لبنان بلده الثاني. لكن بالنسبة للإدارة السياسية السعودية، سيبقى الأمر محكوما بالميدان. ميدان ممتد من الخاصرة اليمنية إلى الخاصرة الشرقية في الخليج العربي مرورا بلبنان وسوريا والعراق.
لن يصرخ الإيراني ويقول “آخ”. تكفي إستعادة واقعة معبرة. عندما إستهدفت السفارة الإيرانية بتفجير مزدوج في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، خرج السفير الإيراني الراحل غضنفر ركن أبادي للقول للصحافيين إنه حزين لأنه لم يسقط شهيدا. في المقابل، عندما وقعت أحداث السابع من أيار/مايو، قرر السفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة الهرب بقارب قاده من أحد المرافىء اللبنانية ليلا بإتجاه قبرص. هذه الواقعة يرويها أحد صقور تيار المستقبل للتدليل على أن حسابات الميدان لا تدار من الديوان، بل من أرض المعركة، بكل أكلافها.
المستشارون.. المتحولون
تحتاج الأمور بين سعد والسعودية إلى مصارحة مستحيلة. لذلك، إما أن يختار وظيفة تجعله يأتمر بأوامر سيده أو يحاول كسب الوقت في إنتظار نهاية ماراتون الإشتباك من صنعاء إلى طهران. بين الإشتباك والإنتظار، إختار الحريري أن يمشي على حبل بهلواني رفيع، يحتاج إلى دقة وتوازن ورشاقة، وأية دعسة ناقصة، تجعل اللاعب يسقط من فوق إلى تحت، فكيف إذا لم تتوفر شبكة ـ منظومة حماية حقيقية؟
لا يمكن لأية سردية حريرية إلا أن تأتي على سيرة محيط ثابت متحرك. معظم المسشارين تبدلوا. الثابتون إما مهمشين أو شبه فاعلين. هل ينصت سعد الحريري لعلاء خواجة أم لباسم السبع؟ لهاني حمود أم لبعض وزراء فريق 8 آذار؟ من يلتزم بتعليمات زعيم المستقبل أكثر، أهو فؤاد السنيورة الذي رفض بالأمس القريب نصيحته له بخفض سقف خطابه السياسي المناهض حزب الله أم صالح الغريب الوزير الإرسلاني الذي يبتهل لكل إشارة حريرية صالحة كانت أم طالحة!
قد يقول الحريري في سره أي زمن رديء هذا. “عمو فؤاد” الموظف المسؤول عن “خرجيتي” يحوّلها شهريا من “المتوسط” في بيروت إلى حسابي في واشنطن، صار هو دولة الرئيس ويريدني أن أكون تلميذا في مدرسته. يعطيني دروسا في السياسة والإقتصاد وأنا لا أمون عليه بمفردة صغيرة.
“أخذت أعلى علامة في صفك، بذراعك ام بذراع والدك صاحب المدرسة”؟
أذرعة إيران وذراع الحريري
للحريري أن يراجع حساباته السعودية: إذا قرر إدارة ظهره، من يحتاج للثاني أكثر؟ هل يستطيع أن يفرض نفسه بشروطه الواقعية اللبنانية على محمد بن سلمان؟ وما هو بديل المملكة إذا قررت معاقبته وتكسيره؟
لن يعود الحريري إلى السعودية ويقول أنا الخادم عند مولاي. ولن تعود السعودية إلى لبنان لتنفق في أربعين سنة على آل الحريري أكثر بأضعاف المرات مما أنفقت إيران على كل أذرعتها في لبنان والمنطقة طوال أربعين سنة أيضا، قبل أن يرتسم السؤال: ماذا كانت النتيجة عند هذا وذاك؟
عندما شيّد رفيق الحريري “مدارس نجد الأهلية” بالرياض في العام 1983، نقل إبنه سعد من إحدى مدارس الرياض إلى هذه المدرسة الأرقى في الصف الأول ثانوي. في أحد الأيام، جاء سعد إلى البيت بضحكة غامرة. قال لوالده “أخذت 100 علامة اليوم”. أجابه والده بحضور زوجته نازك: “أخذت أعلى علامة في صفك، بذراعك ام بذراع والدك صاحب المدرسة”؟