“نيويورك تايمز”: لماذا أصبح الخليج الحديقة العقارية الخاصة لعائلة ترامب؟

تتجه الأنظار في الأسابيع المقبلة إلى مشروع سعودي ضخم قد ينضمّ إلى قائمة الاستثمارات التي تحمل اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مشهد جديد يرسّخ ظاهرة تداخل الحوكمة مع الأعمال العائلية في تجربة ترامب السياسية والاقتصادية، ولا سيما في دول الخليج، كما أوردت "نيويورك تايمز" في تقرير لها من الرياض ودبي. نُشر هذا المقال عشية الزيارة الهامة التي قام بها ولي العهد السعودي إلى واشنطن وما أفضت إليه من نتائج عديدة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.

بحسب جيري إنزيريلّو، الرئيس التنفيذي لتطوير مشروع الدرعية في السعودية، تجري منظمة ترامب مفاوضات يمكن أن تفضي إلى إطلاق عقار يحمل علامة ترامب التجارية ضمن واحد من أكبر مشاريع التطوير العقاري الحكومية في المملكة. ويؤكد إنزيريلّو أن «لا شيء أُعلن بعد، لكن الإعلان قريب جداً»، مضيفًا أن دخول منظمة ترامب إلى المشروع «مسألة وقت».

لا تأتي هذه المفاوضات بوصفها خطوة معزولة، بل تشكل حلقة جديدة في سلسلة متواصلة من مزج ترامب بين إدارة الحكم وإدارة الأعمال العائلية، خصوصاً في منطقة الخليج. فمنذ عودته إلى منصبه، أعلنت عائلته وشركاته عن مشاريع خارجية جديدة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وحققت مئات الملايين من الدولارات من خلال العملات المشفّرة، إضافة إلى بيع تذاكر لعشاء خاص استضافه الرئيس نفسه (…).

الدرعية.. مشروع «جيغا» ونافذة جديدة لعلامة ترامب التجارية

يشرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مشروع تبلغ قيمته 63 مليار دولار، يهدف إلى تحويل البلدة التاريخية للدرعية إلى وجهة فاخرة تضم فنادق ومراكز تسوق ومساحات مكتبية ووحدات سكنية تحمل علامات تجارية عالمية. ولدى شركات ترامب تاريخ طويل في إقراض مشاريع متعددة الاستخدامات تسوَّق تحت شعار «الترف الأيقوني».

الدرعية هو مشروع من عدة مشاريع سعودية ضخمة جارية تصفها الرياض بـ«المشاريع العملاقة» (giga-projects)، وجميعها مملوكة لصندوق الثروة السيادي السعودي الذي تُقدّر قيمته بنحو تريليون دولار. وقد رأى المسؤولون السعوديون في زيارة الدولة التي قام بها ترامب إلى المملكة في أيار/مايو فرصة مثالية لاستثارة اهتمامه بالمشروع، كما يروي إنزيريلّو. ففي الليلة الأولى من الزيارة، وقبل عشاء الدولة الرسمي، اصطحب الأمير محمد ضيفه ترامب إلى المركز التاريخي للدرعية، بعد تجديده، حيث جرى الحديث، وفق رواية إنزيريلّو، «ليس فقط كرؤساء دول، بل كـ(رؤيويين ومطوّرين)». ويضيف أن الرئيس الأميركي أُعجب بعدد رافعات البناء المنتشرة في الموقع الشاسع وحجم الورشة العمرانية الجارية هناك.

وقد بلغ الحرص على استثمار هذه اللحظة حدّ أن المسؤولين السعوديين تدارسوا ما إذا كان من الملائم عرض المجسمات المعمارية للمشروع خلال عشاء الدولة نفسه. ويقول إنزيريلّو إنه أقرّ بأن هذه الخطوة لا تنسجم مع البروتوكول المعتاد، لكنه لفت الانتباه إلى أن المشكلة تكمن في الزاوية التي يُنظر منها إلى ترامب: «أنتم تنظرون إلى رئيس الولايات المتحدة كرئيس للولايات المتحدة، لا كمطور عقاري». وفي نهاية النقاش، قُدّمت المجسمات وعُرضت أمام ضيوف العشاء.

في اليوم التالي، شارك ترامب في منتدى استثماري في الرياض، حيث وصف ما يجري في شبه الجزيرة العربية بأنه «فترة مثيرة». وقال في كلمته: «على مدى السنوات الثماني الماضية، أثبتت السعودية أن المشككين كانوا مخطئين تماماً»، مشيدًا بـ«ناطحات السحاب المهيبة» التي رآها، و«بعض المعروضات» التي قدّمها له الأمير محمد، والتي اعتبرها دليلاً على «عبقرية مذهلة».

شريك سعودي–خليجي يقود موجة صفقات ترامب في المنطقة

تتقاطع تصريحات إنزيريلّو مع إشارات مماثلة صدرت عن شركة «دار غلوبال»، الشريك الأجنبي الأهم لمنظمة ترامب، والتي تُعد قناة رئيسية للتواصل مع حكومات الخليج وشركاته الكبرى. فقد قال زياد الشعّار، الرئيس التنفيذي لدار غلوبال، الشهر الماضي لموقع “المونيتور” الإخباري، إن مشاريع جديدة تحمل اسم ترامب في السعودية «قادمة»، مضيفًا: «ستروننا نعلن عن مزيد من التعاونات مع المشاريع العملاقة».

لم توضّح “دار غلوبال” ما إذا كانت تلك التصريحات تشير إلى الدرعية تحديدًا أم إلى صفقة أخرى لم يُعلن عنها بعد، لكن الثابت أن جميع هذه «المشاريع العملاقة» مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي. كما أن الشركة لم تُجب عن طلبات للتعليق، على غرار منظمة ترامب نفسها، وإريك ترامب، أحد ابني الرئيس المشرفين على أعمال العائلة، اللذين لم يردّا على الأسئلة المتعلقة بالصفقة المحتملة.

مع ذلك، فإن الجمع بين تصريحات إنزيريلّو والشعّار يسلّط الضوء على موجة صفقات خليجية لعائلة ترامب منذ العام الماضي. ففي السعودية، هناك مخطط لإنشاء برج يحمل اسم ترامب في جدة، إضافة إلى مشروعين آخرين مُعلن عنهما في الرياض. في دبي، أكبر مدن الإمارات العربية المتحدة، يمضي قدماً مشروع بناء فندق وبرج يحملان علامة ترامب التجارية. وفي قطر، أدت صفقة ملعب غولف إلى دخول عائلة ترامب في شراكة مع شركة عقارية مملوكة للحكومة القطرية.

زياد الشعّار وشركة دار غلوبال كانوا خلف جميع هذه الصفقات. ففي العام الماضي في سلطنة عُمان، قال الشعّار إنهم «أطلقوا شراكة مع منظمة ترامب وضعت المشروع فوراً على الخريطة العالمية»، في إشارة إلى ملعب غولف وفندق يحملان اسم ترامب يجري إنشاؤهما هناك ضمن مشروع تدعمه الحكومة العُمانية.

كل مشروع من هذه المشاريع يدرّ رسوم ترخيص لقاء استخدام اسم ترامب. ووفقًا للإفصاح المالي للرئيس الأميركي، دفعت دار غلوبال لمنظمة ترامب 21.9 مليون دولار كرسوم ترخيص العام الماضي، يذهب جزء من هذا المبلغ إلى ترامب نفسه. وتُعتبر مثل هذه الصفقات مربحة للغاية، إذ غالبًا ما تُدفع الرسوم مقابل الاسم فقط من دون أن تضطر الشركة صاحبة العلامة التجارية إلى استثمار رأس مال فعلي في المشروع، بينما تبقى اتفاقيات الترخيص غير معلنة، ما يجعل شروطها غير معروفة للرأي العام.

 دار غلوبال، دار الأركان، والدولة السعودية

دار غلوبال هي شركة تابعة لمجموعة “دار الأركان” السعودية الكبرى للتطوير العقاري، ولها علاقات وثيقة مع الحكومة السعودية. مكاتب مبيعاتها في لندن والرياض تعرض نماذج معمارية لأبراج شاهقة تحمل علامة ترامب التجارية لم تُنجز بعد، وتظهر في موادها الترويجية صوراً لأفراد من عائلة ترامب بوصفهم جزءاً من هوية المشروع التسويقية.

إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز" عن مفاوضات فيينا: كُلّ شيء أو لا شيء!

في الخلفية، تَظهر في واشنطن صورة سياسية داخلية أكثر تشابكاً. ففي قسم «التحديثات المباشرة» لإدارة ترامب، تتوالى أخبار داخلية: عضو الكونغرس إريك سوالويل ينفي تقارير عن احتيال في الرهن العقاري ويتهم ترامب باستهدافه، موظفة في “المعاهد الوطنية للصحة” تقول إنها وضعت في إجازة إدارية بعد انتقادها سياسات ترامب الصحية، ومذكرة تبرّر ضربات الجيش الأميركي ضد القوارب الفنزويلية يُقال إنها تستند إلى رواية ترامب حول كارتيلات المخدرات. هذه الخلفية تعزّز الانطباع بأن الملفات السياسية والقضائية والإدارية تتقاطع مع مسار الأعمال التجارية بطرق معقدة ومتداخلة.

منظمة ترامب كانت قد تعهدت، بعد انتخاب ترامب في 2016، بالامتناع عن عقد صفقات أعمال أجنبية جديدة، لكن هذا التعهد انتهى مع نهاية ولايته الأولى. واليوم، يمثّل هذا المزج المتجدد بين الأعمال والسياسة خرقًا واضحًا للأعراف الأميركية، لكنهها تبدو ممارسات اعتيادية في دول الخليج العربي، حيث تهيمن الأسر الحاكمة الوراثية على السلطة والثروة، ولا تحظى عبارة «تضارب المصالح» بالثقل المفهومي والقانوني نفسه الذي تحمله في الأنظمة الديموقراطية الغربية.

 علاقات ممتدة من البيت الأبيض إلى ملاعب الغولف

العلاقة بين ترامب والأمير محمد بن سلمان تمتد إلى الولاية الأولى لترامب، حيث نسج ولي العهد علاقات دافئة مع الرئيس وحلفائه، وكان قريبًا على نحو خاص من صهره ومستشاره السابق، جاريد كوشنر. في عام 2017، جعل ترامب السعودية أول وجهة خارجية له كرئيس. وفي العام التالي، لعب دور المدافع الرئيسي عن ولي العهد بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وعندما غادر ترامب المنصب، تحولت المملكة إلى مصدر مهم لفرص الأعمال لعائلته. رابطة “LIV Golf” المحترفة، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، استضافت بطولات في نادي ترامب الوطني للغولف قرب ميامي. كما ساهم صندوق الثروة السيادي السعودي بملياري دولار في صندوق استثماري يديره كوشنر، في امتداد واضح لتشابك المصالح بين العائلتين الحاكمتين في واشنطن والرياض.

التهيؤ لمشاريع جديدة.. بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات

يبدو أن منظمة ترامب استعدت لمشاريع جديدة في الشرق الأوسط من دون انتظار نتيجة انتخابات 2024. فقبل أشهر من يوم الاقتراع، ظهرت شركتان جديدتان في ولاية ديلاوير تحملان أسماء ترتبط مباشرة بالمنطقة: DT Marks Dubai DG وDT Marks KSA. وقد وردت هاتان الشركتان في الإفصاح المالي لترامب للعام 2024، مع دفعات كبيرة من رسوم الترخيص قادمة من “دار الأركان”، بينها 15.9 مليون دولار للشركة المرتبطة بالسعودية.

الدرعية.. مشروع متسارع في مشهد تتعثر فيه مشاريع أخرى

يُبنى مشروع الدرعية حول الموطن التاريخي للأسرة المالكة السعودية، ويمتد على مسافة أكثر من خمسة أميال مربعة. وتشمل خطته 40 فندقًا، إضافة إلى مكاتب ومساحات تجارية و«وحدات سكنية تحمل علامات تجارية». وقد افتُتحت بعض أجزائه بالفعل، بينما لا يزال معظم المشروع قيد البناء. وعلى عكس مشاريع سعودية عملاقة أخرى، مثل المنطقة المستقبلية “نيوم” التي تواجه تعثرًا وتأخّرًا عن الجداول الزمنية، تتقدم أعمال الدرعية بوتيرة سريعة.

يقول إنزيريلّو إن وحدات سكنية بقيمة 4 مليارات دولار قد بيعت حتى الآن، ومعظمها لمشترين سعوديين، بما في ذلك منازل تحمل علامتي ريتز-كارلتون وأرماني. أما مشاريع دار غلوبال التي تحمل اسم ترامب في الخليج، والتي ما زالت سنوات تفصلها عن الإنجاز، فقد بدأت هي أيضًا في البيع المسبق، وهو ما يعكس، وفق زياد الشعّار، «شهية قوية» لدى المستثمرين في المنطقة على المنتجات التي تحمل علامة ترامب التجارية.

الشعّار حاول، في تصريحات سابقة، الفصل بين هذه المشاريع العقارية وبين المشهد السياسي، لكن زيارة الدولة هذا العام، والطريقة التي جرى فيها التعامل مع ترامب كمطوّر بقدر ما هو رئيس، أظهرت أن الخطوط الفاصلة بين دور رجل الدولة ومصالح الأعمال العائلية تكاد تكون غير واضحة.

 الخليج كـ«ملعب المطوّرين الأكبر»

إريك ترامب وصف المنطقة بأنها «أكبر ملعب لأي مطور»، مع إشارة خاصة لاهتمامه بالدرعية. وبحسب إنزيريلّو، فإن إريك ترامب وكوشنر من بين عدد من أفراد عائلة ترامب الموسّعة الذين زاروا الموقع. كما زار دونالد ترامب جونيور الرياض الشهر الماضي للتحدث في منتدى الاستثمار السنوي الذي ينظمه الأمير محمد، حيث وصف الفرص في المنطقة بأنها «مذهلة».

قال ترامب الابن في كلمته: «كل حياتي كنت رجل عقارات، وقد عقدت صفقات في جميع أنحاء العالم»، ثم أشار بيده إلى إنزيريلّو الجالس في القاعة قائلاً: «جيري، أنت تعلم ذلك جيداً». وختم بجملة تلخّص الفلسفة التي تحكم مقاربته: «في عالمي، من الصعب ألا يعود كل شيء إلى العقار».

(*) ترجمة بتصرف عن “نيويورك تايمز” والنص للكاتبتين: فيفيان نيريم من السعودية وريبيكا ر. رويز من دبي.

Print Friendly, PDF & Email
إيڤون أنور صعيبي

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  لبنان و"إشتباك المحمدين".. الحريري أكثر المحرجين!