“مع تصاعد حركة الاحتجاجات والاضطرابات في العراق، غيّر المسؤولون العراقيّون موقفهم تجاه استقبال عناصر “داعش” الأجانب من سوريا، خشية عدم إمكانيّة التعامل معها في الظروف الأمنيّة والسياسيّة الصعبة الجارية. وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، قالت مقررة الأمم المتحدة، المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار: “ينبغي إرسال الإرهابيّين الأجانب من داعش المحتجزين في سوريا والعراق إلى بلدانهم ومحاكمتهم فيها، لأنّ دمشق وبغداد لا توفّران ظروفاً مناسبة وعادلة لمحاكمتهم”.
وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر، تحدّثت مصادر سياسيّة عراقيّة في تصريحات صحافيّة عن “محاولات مسؤولين أوروبيين إقناع الحكومة العراقيّة باستقبال 13 ألف عنصر من تنظيم “داعش” موجودة لدى قوّات سوريا الديموقراطيّة (قسد)، ويُقدّم هؤلاء المسؤولون إغراءات ماليّة تتضمّن التكفّل بكلّ ما يتعلّق بسجنها ومحاكماتها، لكن يبدو أنّ العراق يرفض ذلك.
وتواجه الحكومة العراقيّة ملف عناصر تنظيم “داعش” الأجانب، الذي تحاول التخلّص منه، برغم الضغوط الأوروبيّة التي تسعى إلى نقل الآلاف من هؤلاء من سوريا إلى العراق وإجراء محاكمات لهم هناك، ويشمل ذلك حتّى العناصر التي لم تقاتل في العراق، ولا تحمل الجنسيّة العراقيّة.
ووفقاً لمصادر استخباريّة عراقيّة، تحدّثت لـ”المونيتور”، فإنّ “لا إحصائيّة دقيقة عن عدد عناصر تنظيم داعش المعتقلة في العراق، لكنّ عدد الأجانب الذين تسلّمتهم الحكومة العراقيّة من قوّات سوريا الديموقراطيّة بلغ نحو 1500 عنصر”.
ويشكّل هؤلاء الذين ينتمون إلى تنظيم “داعش” ويحملون الجنسيّات الأوروبيّة، خطراً على الدول التي يحملون جنسيّاتها. ولذا، تحاول دولهم التخلّص منهم وإجراء محاكمات لهم في العراق، بعد إقناع الحكومة العراقيّة بذلك لإنهاء هذا الملف الذي يؤرق أوروبا، التي تعمل على إغلاق الأبواب أمام عودتهم.
وبرغم طلب الأمم المتّحدة محاكمة عناصر “داعش” الأجانب في بلدانها وتحذير منظّمات حقوقيّة دوليّة مثل “هيومن رايتس ووتش” من “عدم قدرة العراق على توفير بيئة قضائيّة سليمة لمحاكمتها”، إلاّ أنّ أوروبا ما زالت تصرّ على عدم استقبالها وتتجاهل الدعاوى القضائية، التي رفعت في بلدان هؤلاء المقاتلين.
وقال مستشار لرئيس جمهوريّة العراق برهم صالح لـ”المونيتور”، طلب عدم ذكر اسمه: “إنّ رئيسة الحكومة النرويجيّة إيرنا سولبرغ اقترحت على الرئيس العراقيّ استقبال هؤلاء المقاتلين ومحاكمتهم في العراق، لكنّه رفض ذلك”.
أضاف: “هناك 13 ألف مقاتل من داعش الأجانب في سوريا، و75 ألف فرد من عوائلهم. وهؤلاء وفق المقترحات الأوروبيّة، يجب أن ينقلوا إلى العراق وتجرى لهم محاكمات”.
ووفقاً لمستشار الرئيس العراقيّ، فإنّ الأوروبيّين كانوا متخوّفين، في وقت سابق، من المحاكمات التي تجري في العراق، لكنّهم اليوم يريدون مجرّد نقلهم إليه، مهما كانت نتائج المحاكمات”.
وخلال الأشهر الماضية، حكم العراق على 12 عنصراً من تنظيم “داعش” الأجانب، التي استلمها من قوّات سوريا الديموقراطيّة بالإعدام، 11 منها تحمل الجنسيّة الفرنسيّة، إضافة إلى تونسيّ واحد، برغم كلّ التهديدات الفرنسيّة والتحذيرات من إصدار أحكام إعدام بحقّها.
“العراق سيستلم ويستقبل عناصر داعش التي تحمل الجنسيّة العراقيّة فقط، أو التي ارتكبت انتهاكات وجرائم في العراق. وبالنسبة إلى المقاتلين الأوروبيّين وغير الأوروبيّين فهو غير معنيّ بالتعامل مع ملفّاتهم”
وفي 20 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الخارجيّة العراقيّة عن موقف جديد في خصوص هؤلاء المقاتلين، وقالت: “إنّ العراق معنيّ بتسلّم الدواعش، الذين يحملون الجنسيّة العراقيّة وعائلاتهم فقط، وسيحاكمون في المحاكم العراقيّة، وفق القوانين النافذة”.
وأكّد هذا الموقف المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة العراقيّة أحمد الصحّاف خلال حديث لـ”المونيتور”، إذ قال: “إنّ العراق سيستلم ويستقبل عناصر داعش التي تحمل الجنسيّة العراقيّة فقط، أو التي ارتكبت انتهاكات وجرائم في العراق. وبالنسبة إلى المقاتلين الأوروبيّين وغير الأوروبيّين فهو غير معنيّ بالتعامل مع ملفّاتهم”.
أضاف أحمد الصحّاف: “إنّ العراق أبلغ المسؤولين الأوروبيّين الذين طرحوا مثل هذه الأفكار وأكّد لهم أنّ موقفه ثابت لن يتغيّر في هذا الملف”، ويتأكّد من خلال موقف الخارجيّة العراقيّة عبر المتحدّث باسمها، أنّ المفاوضات التي تمّ الحديث عنها في أوقات سابقة، لم تعد موجودة.
وخلال الزيارتين الأخيرتين لكلّ من رئيسة الحكومة النرويجية إيرنا سولبرغ ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الشهر الماضي للعراق، طرح مشروع استقبال العراق للمقاتلين الأجانب من جديد، لكنّ الحكومة رفضت.
وركز جان إيف لودريان خلال زيارته للعراق منتصف تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي على مناقشة الآليّات القضائيّة التي يجب أن تتّبعها الحكومة العراقيّة في محاكمة عناصر تنظيم “داعش” الأجانب، لكنّه صُدم برفض عراقيّ لاستقبالها، بحسب مصدر حكوميّ تحدّث لـ”المونيتور”.
وقال الباحث في “مركز النهرين للدراسات الاستراتيجيّة” هشام الهاشمي لـ”المونيتور”: “إنّ الحكومة العراقيّة لم تعد ترغب في استلام مقاتلي التنظيم الأجانب ومحاكمتهم هنا، برغم الإغراءات التي قُدمت إليها. وإضافة إلى ذلك، فهي لا تريد أن تواجه الغضب الشعبيّ في هذه القضيّة”.
وأشارت المعلومات، التي أدلى بها مسؤولون حكوميّون إلى وسائل إعلام، إلى تعرّض الحكومة العراقيّة لضغوط من قبل دول أوروبيّة للقبول باستلام عناصر “داعش” الأجانب، التي اعتقلتها قوّات سوريا الديموقراطيّة في أوقات سابقة، وهذا يؤكّد تغيّر موقف العراق، الذي كان يتفاوض في الأشهر الماضية على استلامها، لكنّه اليوم يرفضها.
وبالنّسبة إلى عوائل عناصر “داعش”، البالغ عددها 75 ألف فرد تقريباً، لن يتمّ استقبالها أيضاً، فإضافة إلى عدم قدرة الحكومة على استيعابها، هناك المشاكل المجتمعية. ففي أيلول/سبتمبر الماضي، وصلت إلى قضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين 150 عائلة تابعة لعناصر تنظيم “داعش”، لكنّها جوبهت بالرفض والاعتداءات.
لم تعد المشكلة، الحكومة فحسب، بل إنّ الرفض المجتمعيّ لوجود هذه العوائل يلعب دوراً كبيراً في موقف الحكومة العراقيّة، الذي تحوّل من مفاوض إلى رافض. وبالتالي، يتمّ تأشير موقف عراقيّ جديد يجعل كلّ الإغراءات الأوروبيّة غير مجدية”.