لم يصل الإجتماع الثاني لوزراء المياه المصري والسوداني والإثيوبي الذي انعقد في القاهرة يومي 2 و3 كانون الأول/ديسمبر، بحضور مراقبيين من الحكومة الأمريكية والبنك الدولي إلى نتائج حاسمة حول نقاط الخلاف العالقة حول آلية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبية الجاري انشاءه على النيل الأزرق، وقد إتفق على عقد اجتماع في واشنطن لتقييم ما تم احرازه في المفاوضات، وذلك في إطار خارطة طريق اتفق عليها وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا لحل المسائل العالقة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة على المستوى الفني حتى 15 كانون الثاني/يناير 2020.
وحصل “المونيتور” على معلومات حصرية عن الموقف الفني والرؤية المصرية لملء وتشغيل سد النهضة وفق قواعد وآليات تتوافق مع طبيعة تشغيل السد العالي في مصر، ليكون تشغيل سدي النهضة في إثيوبيا والعالي في مصر يسير وفق منظومة هيدروليكية واحدة تتوافق مع طبيعة النيل الأزرق.
وكشف مسؤول فني حضر الاجتماع عن ملامح التصور المصري قائلاً أنه: “يضع سيناريوهات لملء وتشغيل سد النهضة وفق مبادئ رئيسية لا يمكن تجاهلها وهي التكيف مع الظروف الهيدرولوجية، وحجم التدفق السنوي، والمستويات الحرجة للمياه في بحيرة السد العالي من خلال الابقاء على معدلات آمنة من التخزين الاستراتيجي للمياه في بحيرة السد”.
النيل الأزرق يمد مصر بـ85% من حصتها السنوية من مياه النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه
يوضح المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه :”نرى أن التخزين يجب أن يتم وفق مراحل وليس عدد محدد من السنوات كما يرى الجانب الإثيوبي”، موضحاً:”تتحدد مراحل التخزين وفق شروط تأخذ في الاعتبار طبيعة الفيضان السنوي للنهر ومعدلات سقوط الأمطار وأوقات الجفاف”.
وأضاف المسؤول “عرضنا خلال الاجتماع أرقاما وبيانات مفصلة عن كل مراحل التخزين سواء خلال معدلات تدفق المياه المرتفعة وقت الفيضان أو المعدلات المنخفظة أوقات الجفاف بالتالي تضمن مصر كميات آمنة من تدفقات المياه تصل إلى بحيرة السد العالي في نهاية كل مرحلة تخزينية حتى لا تصل المياه في بحيرة السد العالي إلى المستوى الحرج والتي تم تحديده عند 165 متر”.
وتتضمن رؤية مصر حسب المسؤول الفني “خطة مفصلة للربط الهيدروليكي بين السد العالي وسد النهضة باعتبار أنهما سدان على نهر واحد، ويجب التعاون في الإدارة المشتركة وفق آلية تجمع السدين بحيث لا يؤثر سد النهضة على القواعد والفوائد الرئيسية للسد العالي بالنسبة لمصر سواء توليد الطاقة أو التخزين الاستراتيجي”.
يؤكد المسؤول أن العرض المصري “يشمل حججا وبراهين فنية تَوافق عليها عدة خبراء محليين ودوليين لوضع أفضل السيناريوهات لإدارة ملء وتشغل سد النهضة وفق قواعد تقلل الضرر البالغ الذي قد تتعرض له مصر والسودان مع اعتبار المصالح المصرية في النيل الأزرق الذي يمد مصر بـ85% من حصتها السنوية من مياه النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه”.
يؤكد المصدر: “الخلاف حالياً ليس في عدد سنوات ملء خزان السد، ولكن على وضع آلية وقواعد واضحة وملزمة لإدارة سد النهضة كمنشئ يتحكم في تدفق المياه في النيل الأزرق، دون ما تعتبره إثيوبيا أمور سيادية لا يمكن التدخل فيها”.
يقول المسؤول المصري إن الوفد المفاوض المصري “يحضر الاجتماعات بملف وحجج وأسانيد فنية قوية تدعم الطرح والرؤية المصرية حيث تمت مراجعتها من عدة خبراء محليين ودوليين ولا يمكن القبول بأي تصور آخر يعرض مصر لضرر بالغ في وقت يمكن إدارة السد وفق قواعد ونظم فنية تقلل من حجم الضرر وتحقق المصلحة والمنفعة المتبادلة للطرفين”.
ويكشف المصدر أن المشكلة الرئيسية التي تعطل الاتفاق “هي رفض الجانب الإثيوبي أي اشتراطات قد تكون حائلاً أمام تصرف أحادي منه في إدارة وتشغيل وملء السد”، لكنه اعتبر أن “الاجتماعات التي تجرى حالياً برقابة أمريكا والبنك الدولي ساهمت إلى حد كبير في كسر التشدد الإثيوبي ورفضه طرح ونقاش أي مقترح فني مصري على طاولة المفاوضات باعتبار أنه تدخل في السيادة الإثيوبية”.
“مصر لديها ثوابت فنية لا يمكن تجاوزها خلال المفاوضات بألا يتسبب سد النهضة في مرحلة التخزين في ضرر بالغ وهو ما تم تحديده عند عدم انخفاض مستوى مخزون المياه في بحيرة السد العالي عن 165 متر”
وتتخوف مصر من عدة تداعيات لسد النهضة على مصالحها في مياه النيل، حيث تشيرالتقديرات المحلية بتسبب السد في تملح التربة في منطقة الدلتا بسبب نقص امدادات المياه العذبة من النيل إليها، فضلاً عن تقليل انتاج الطاقة الكهربائية من السد العالي بسبب انخفاض منسوب المياه في بحيرة السد العالي بعد ملء بحيرة سد النهضة، كذلك تقليص الرقعة الزراعية وما يتبعها من ارتفاع أسعار الغذاء ومشاكل اجتماعية وبيئية آخرى.
في حديث مع “المونيتور”، قال محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية المصري الأسبق، “مصر لديها ثوابت فنية لا يمكن تجاوزها خلال المفاوضات بألا يتسبب سد النهضة في مرحلة التخزين في ضرر بالغ وهو ما تم تحديده عند عدم انخفاض مستوى مخزون المياه في بحيرة السد العالي عن 165 متر، وألا يقل تصرف المياه في النيل الأزرق عن 40 مليار متر مكعب”.
ويوضح علام :”الاشتراطات المصرية تضمن الابقاء على تشغيل السد العالي لتوليد الكهرباء بـ50% من طاقته وتأمين احتياجات البلاد اذا ما حدث جفاف غير متوقع”
ويرى وزير المياه الأسبق، أن “الموقف الإثيوبي بعدم القبول باي اشتراطات سواء خلال مرحلة الملء أو تشغيل السد يعكس سياسة إثيوبيا في محاولة التحكم في النيل الأزرق والذي يعني التحكم بشكل كامل في مصر”.
ومع انفتاح مصر على الحوار الجاري تحت الرعاية الأمريكية وحضور ممثلي البنك الدولي وابداء مرونة في مناقشة أي مقترحات فنية جادة تضمن تقليل الضرر المتوقع من سد النهضة على مصالحها في مياه النيل، كانت إثيوبيا قد استبقت الاجتماعات الفنية بالإعلان عن انتهاء العمل في السد المساعد ـ “السرج” في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو ما يعكس رسالة تؤكد عدم تأثر الانشاءات في موقع السد بسير المفاوضات.