“بعد سنوات من الإهمال، تجدّد الإهتمام الأكاديمي بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية. رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت، أصدر مؤخراً وثيقة جديدة اشتملت على خطوط توجيهية للعقيدة الأمنية. والآن، أصدر الدكتور تشاك فرايليخ، كتاباً مخصصاً كله لموضوع “عقيدة الأمن القومي لإسرائيل – استراتيجيا جديدة في عصر من التحولات”. يشمل الكتاب تطور العقيدة، من وضع مبادئها الأساسية من قبل ديفيد بن غوريون (الإنذار، الردع، والحسم)، مروراً بتغيرات الوضع الأمني لإسرائيل، وصولاً إلى الحاجة إلى تحديث أسس العقيدة الأمنية وجعلها تتلاءم مع الواقع الحالي.
التهديد المركزي الذي تشكله الدول العربية حالياً هو، تحديداً، ضعفها الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيارات وعدم استقرار، سينعكسان أيضاً على أمننا
يرى فرايليخ أن الوضع الأمني لإسرائيل، بعد سبعة عقود، هو “نجاح مذهل. لا توجد تهديدات لوجودنا، ولا يوجد تهديد نووي مباشر. الاحتكاك مع الدول العربية تضاءل كثيراً. ومع جزء منها انتهى النزاع، وحلّت محله مصالح مشتركة. التهديد المركزي الذي تشكله الدول العربية حالياً هو، تحديداً، ضعفها الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيارات وعدم استقرار، سينعكسان أيضاً على أمننا”.
في رأيه، “ما بقي هو إيران وتنظيمان ونصف لا ينتمون إلى دولة. حققنا ردعاً جيداً في مواجهة حزب الله و”حماس”. الحرب الأخيرة في لبنان نشبت وانتهت في سنة 2006، وفي غزة تبحث “حماس” عن تسوية طويلة الأجل. جزء مما نحتاج إليه هو النفس الطويل. الدول العربية أيضاً استغرقت عشرات السنوات كي تفهم أن عليها التخلي عن تطلعها إلى تدميرنا”.
“حاجتنا المركزية هي إلى ما أسميه صبراً استراتيجياً. نحن نواصل الدفاع عن وجودنا، لكن التهديدات بعيدة المدى. وهي لن تختفي في لحظة، ولا يوجد لها حل عسكري مباشر، لا توجد ضربة واحدة وننتهي. أدعو إلى الصبر، وليس إلى التحمل. لست مسالماً: قوة عسكرية كانت وستبقى حتمية بالنسبة إلى أمننا. كذلك خطوات، مثل المعركة بين الحروب (الموجهة في معظمها ضد تعاظم قوة حزب الله والتمركز العسكري الإيراني في سوريا) يجب أن تستمر.
يتعين علينا البدء بإيجاد واقع نحو الانفصال، لأننا في هذه الأثناء نتقدم بخطوات كبيرة نحو دولة ثنائية القومية، وهذه ستكون مقبرة الرؤية الصهيونية
هل العقيدة الأمنية التي يتحدث عنها فرايليخ منفصلة عن وجهات نظره اليسارية – الصهيونية، كما تبدو في مقالاته في “هآرتس”؟ يوضح:”وجهة نظري موجودة دائماً، لكن في الكتاب بذلت جهدي لفصل نفسي عن السياسة، باستثناء توصية واحدة – السعي لحل سياسي مع الفلسطينيين. كصهيوني، أفهم علاقة اليمين بيهودا والسامرة (الضفة الغربية)، لكن لا يمكن تجاهل المعطيات الديموغرافية. عندما نصل إلى 60% من اليهود في مقابل 40% من العرب بين البحر والنهر، لن تكون هذه الدولة يهودية ديمقراطية”.
ظل فرايليخ شديد الشك إزاء فرص التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين. “لقد وضعت إسرائيل كل ما لديها على الطاولة، والفلسطينيون رفضوه مرتين وثلاثاً. لست واثقاً بأنه سيكون لهم في المستقبل زعيم قادر على توقيع اتفاق. لكن يتعين علينا البدء بإيجاد واقع نحو الانفصال، لأننا في هذه الأثناء نتقدم بخطوات كبيرة نحو دولة ثنائية القومية، وهذه ستكون مقبرة الرؤية الصهيونية”.
يشدد فرايليخ في كتابه على الحاجة إلى تعزيز القدرة الدفاعية لإسرائيل. “أعداؤنا تعرفوا على نقاط ضعفهم في مواجهة الجيش الإسرائيلي في ساحة القتال، وسهولة إصابتنا في جبهتنا الداخلية، ومضوا نحو مواجهة طويلة الأجل تستند إلى مخزون هائل من القذائف والصواريخ. لا يمكن لإسرائيل أن تخضع للابتزاز بواسطة الصواريخ. الانشغال بفجوة الأسعار بين صاروخ اعتراضي غالي الثمن وصاروخ رخيص غير مهم. الصاروخ الاعتراضي يمنع القتل، ويوفر ضرراً كبيراً على الاقتصاد، ويمنعنا من التورط في حروب ليست ضرورية يمكن أن تؤذي أيضاً مكانتنا الدولية. بسبب قتل جماعي لمواطني أعدائنا”.
يجب أن نسعى لأن يقترب ردنا الدفاعي في مواجهة حزب الله في الشمال من المستوى الذي حققناه في مواجهة “حماس” في غزة
يقترح فرايليخ “تحسين منظومة الدفاع الصاروخية بصورة تتحول فيها إلى مظلة دفاع وطنية”. صحيح أن مظلة دفاعية لن تكون أبداً طويلة وعريضة بما يكفي. “هي لن تغطي آخر قرية. لكن نحن بحاجة إلى عدد كاف من البطاريات ومن المعترضات، بحيث تلغي الحاجة إلى أن نختار في وقت الحرب بين الدفاع عن قواعد عسكرية ومنشآت بنى تحتية وبين مراكز سكانية. يجب أن نسعى لأن يقترب ردنا الدفاعي في مواجهة حزب الله في الشمال من المستوى الذي حققناه في مواجهة “حماس” في غزة. في تقديري، المقصود تكلفة إضافية تتراوح بين 7 و10 مليارات دولار. لذلك أخذ الأميركيون على عاتقهم دفع 5 مليارات دولار، خُصصت لهذه الغاية في المساعدة الأمنية (تُدفع على عشر سنوات بدءاً من السنة الحالية). واستكمال الفجوة ليس مستحيلاً”.
لقراءة المقالة المترجمة من العبرية إلى العربية على موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية:www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view