“ميكافيلي”، من إختار “قائدنا” حسان دياب. حتماً، هناك عقل لبناني خيّط إسمه بصنارة فارسية محترفة. المتعارف عليه أن الإسم قدّمه رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، لكن التدقيق في سيرة الرجل ومساراته ومسالكه المتعرجة، يدّلك على أن مفاتيح وصوله المفاجىء إلى رئاسة الحكومة، إحتاجت إلى ثماني سنوات من الحفر والغزل والنسيج!
عندما إستدعاه نجيب ميقاتي للمرة الأولى، من أجل تسميته وزيراً، في العام 2011، كاد يفيض وجهه حُبوراً. تعارف الرجلان في الجامعة الأميركية، وعبر تلك المعرفة، آلت وزارة التربية إلى نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت. لم يدم شهر العسل بينهما طويلاً. قبل أن تنطوي السنة نفسها، قرر الرجل الإنقلاب على “معلمه”. بلغ به الأمر حد طرد ممثل ميقاتي في وزارة التربية، آنذاك. منذ تلك اللحظة، قرر حسان دياب، بنرجسيته المنتفخة، أن لا لقب يليق به إلا لقب دولة الرئيس.
كيف الوصول إلى ذلك؟ لا بد من “التشبيك” مع “الثنائي الشيعي”، أي مع نبيه بري وحزب الله. التواصل مع ميشال عون. عدم القطيعة مع الآخرين. رسائل وزيارات ناعمة لبعض “الجوار”، وعلاقات ممتازة مع الأميركيين.
في عين التينة، لا بأس بـالإنضمام إلى نادي “المشائين” فصلياً. خطوة تليها خطوة. الأساس أن لا يغادر “الكادر”.
في يومٍ من الأيام، يتصل “معاليه” بقيادي كبير في حزب الله، طالباً موعداً عاجلاً. أراد الرجل “خدمة بسيطة جداً” من مستقبليه في الضاحية الجنوبية: “أريد أن أكون رئيساً للحكومة”. كان ميقاتي قد إستقال لتوه في ربيع العام 2013. تبرّع دياب بأن يكون جندياً في خدمة “الأنا”. إكتفى مستقبله بالقول له: “إن شاء الله خير”، وذهب حسان من بعدها ينتظر الخير الذي لا بد منه. كيف لا وهو المعروف عنه أنه صاحب خبرة كبيرة في “الإنتظارات”.. والشغل ساعات طويلة على ملف أو خطاب أو كتابة سيرة ذاتية؟
قال عون عنه لأقرب المقربين منه إن دياب ليس سهلاً. قد يُعذبنا أكثر مما عذب سليم الحص عهد إميل لحود وأكثر مما فعل نجيب ميقاتي بحزب الله
ومن باب “النميمة” السياسية، لا بأس في القول إن ميشال عون يعرف حسان دياب قبل أن يضع فضلو خوري إسمه في اللائحة التي ضمت غيره من “أصحاب الخبرات” في الجامعتين الأميركية واليسوعية!
معرفة بدأت في زمن حكومة ميقاتي. كان يتردد على الرابية، ثم توطدت علاقته بجبران باسيل الذي أدرك نقطة ضعفه منذ اللحظة الأولى. الرجل يريد السلطة والشهرة ولديه حالة “أنوية” متضخمة جداً. لا بأس في الإستثمار به وعليه. كان يزور القصر الجمهوري، بلا مواعيد رسمية. بلا صور ولا وكالة وطنية للإعلام. قال عون عنه لأقرب المقربين منه إنه ليس سهلاً. قد يُعذبنا أكثر مما عذب سليم الحص عهد إميل لحود وأكثر مما فعل نجيب ميقاتي بحزب الله. حتما سيكون متعباً لنا، ولكن لنحاول الإستفادة منه قدر الإمكان، مع الكثير من العناية والإحاطة والإنتباه.
كل هذه المقدمة ـ الرواية، قد لا تقدم الجواب الكافي حول من إختاره، لكن لنسمع رواية ثانية تتمتع بحد معين من المصداقية:
“كلنا يعلم أن قنوات الحوار مفتوحة بين الأميركيين والإيرانيين. قيل في البداية إنهم يلتقون في جنيف. تردد مؤخرا أن وفدين أميركي وإيراني تواجدا في سلطنة عُمان. لبنان ليس القضية. نحن نستفيد من التسهيلات. هذا يسري على التكليف، أما التأليف الحكومي، فله حسابات مختلفة. هناك نظرية خلافاً للسائد عند “الممانعين”، بأن أكثر طرفين متضررين من الإنهيار السياسي والأمني والإقتصادي في لبنان هما واشنطن وطهران”.
تسأل دبلوماسياً إيرانياً عن حسان دياب، فيجيب “الأسماء ليست مهمة. الأولوية لتحصين لبنان وإستقراره، وأعتقد أن الأمور تسير بهذا الإتجاه”
لندقّق ـ بالمعنى الإيجابي ـ في ما قاله الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل في كل إجتماعاته اللبنانية، وآخرها عند جبران باسيل. أيضا مواقف حزب الله وآخرها كلام غير مسبوق لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، بعد لقاء حسان دياب: لا حكومة مواجهة أو لون واحد. المطلوب حكومة كفاءات من ذوي الإختصاص العلمي والحس الوطني والشعبي. القرار واضح عند حزب الله. تسهيل ما بعده تسهيل. لن يكون هناك تمثيل سياسي حزبي مباشر. هذا الأمر يسري على حركة أمل والتيار الوطني الحر. التسهيلات المعطاة لحسان دياب لم ينل مثيلاً لها أي رئيس حكومة مكلف منذ العام 2005 حتى الآن. تسأل دبلوماسياً إيرانياً عن حسان دياب، فيجيب “الأسماء ليست مهمة. الأولوية لتحصين لبنان وإستقراره، وأعتقد أن الأمور تسير بهذا الإتجاه”.
الخبر الآخر أتى من الغرب. موقع (freebeacon) الأميركي نقل عن مصادر أميركية الخبر الآتي: “أمر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (usaid) بالإفراج عن الأموال الأسبوع الماضي. وأبلغ الكونغرس في 12 كانون الأول/ديسمبر أن نحو 114 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية سيتم تقديمها قريباً إلى لبنان، طبقًا لنسخة من الإخطار الذي حصل عليه الموقع المذكور.
معضلة سعد الحريري كبيرة في واشنطن. هنا لعبوا دورا أساسياً في إقصائه، وهو مدرك لذلك. القرار بمساعدة لبنان عسكرياً وإقتصادياً قيمته المعنوية أكبر من قيمته المادية
وعند الإستعانة بـ”صديق لبناني” مقيم حالياً في واشنطن (فترة الأعياد)، يجيب: معضلة سعد الحريري كبيرة في واشنطن. هنا لعبوا دورا أساسياً في إقصائه، وهو مدرك لذلك. القرار بمساعدة لبنان عسكرياً وإقتصادياً قيمته المعنوية أكبر من قيمته المادية. الأميركيون يدركون أن حزب الله لا يريد الإنهيار ولكنه سيكون المستفيد الأكبر إذا حصل ذلك. قياس ربح الأميركيين وخسارتهم يكون أحيانا بإسقاط أهداف حزب الله. ربما يريد الحزب الذهاب نحو صيغة سياسية جديدة. لماذا نسهّل له المهمة. إذا عاقبنا الجيش اللبناني، من سيكون الرابح والأقدر على الإمساك بالبلد أمنياً وعسكرياً سوى حزب الله؟ ليس صحيحاً أن الأميركي أوعز للسعودي بأن يقاطع إجتماع باريس الأخير. لو أراد الأميركيون لكانوا طيّروا الإجتماع برمته بدل أن يشاركوا فيه. ما يريدونه عبّر عنه ديفيد هيل في بيروت: أخطأنا سابقاً عندما أقفلنا على بعض الأحزاب والقوى في لبنان. رؤيتنا الحالية هي الآتية: تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد، تشكيل حكومة إختصاصيين. نحن في موقع الترحيب (بدياب) ولكن نحكم على الحكومة بعد تأليفها.
ثمة رقابة أميركية على دياب. الرجل ليس متفلتاً من الأميركيين. أقفل مكتبه في الجامعة الأميركية قبل نحو أسبوعين، بعلم إدارة الجامعة، وإختار مدير مكتبه قبل التكليف. لن يعتذر، ومن يراهن على ذلك، يجب أن يفكر بطريقة مختلفة لتيئيسه. أبلغَ الجميع أنه يفكر بأسماء من خارج “الصندوقة”. أنا من يُؤلّف الحكومة وليس أحداً غيري.
تسهيل في لبنان، يليه تسهيل في العراق يؤدي إلى تكليف حسان دياب عراقي (صار إسمه معروفاً)، ولو أن الكفة أكثر رجحاناً صوب طهران
هنا تكمن أزمة الحريري. ما أُعطي لحسان دياب يشي بالكثير، داخلياً وخارجياً. هذا وحده يفسّر ما يحصل أو ما يمكن أن يتطور أكثر في الشارع. لو أعطي الحريري حكومة إختصاصيين كان كفيلاً بأن يسيطر هو عليها. حكومة إختصاصيين مع حسان دياب يفترض أن تكون أمام أحد إحتمالين: الأول، أن يسيطر عليها جبران باسيل، إذا قرر الكثير من أسمائها وأدارها من وراء الستارة. الثاني، أن “يزمط” دياب بها ويقطع الطريق على أي “شريك مضارب له”..
تسهيل في لبنان، يليه تسهيل في العراق يؤدي إلى تكليف حسان دياب عراقي (صار إسمه معروفاً)، ولو أن الكفة أكثر رجحاناً صوب طهران. لنراقب المشهدين معاً: إذا نجح حسان دياب اللبناني بتجاوز إمتحان الشارع، بعد تمرير التكليف، سيكون الحكم عليه أميركياً وإقليمياً في ضوء نتيجة التأليف. تشكيل الحكومة اولاً. موقف واشنطن ثانياً. هذا ما يحدد مستقبل دياب..
هل نجح ميكافيلي في تنفيس الحراك الشعبي ولماذا غاب الحراكيون عن ساحة التكليف وإستشارات التأليف وصارت كل الدروب المؤدية إلى ساحة النجمة سالكة وآمنة.. بشكل مفاجىء؟