من رفيق الحريري إلى حسان دياب.. إنه الثلث المعطل

بات واضحاً أن ما يؤخر ولادة الحكومة اللبنانية اليوم هو الثلث المعطل الذي يصر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على التمسك به. الثلث المعطل هو وصفة سياسية ـ دستورية، بدليل حرص المشاركين في مؤتمر الطائف (1989) على تضمين الدستور اللبناني الجديد نصاً واضحا، يتعلق بالبنود التي تحتاج إلى أكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، فضلا عن تحديد الحالات التي يعتبر فيها مجلس الوزراء.. مستقيلاً.

 لسان حال أهل مؤتمر الطائف أن أهم إنجاز إصلاحي قاموا به، قبل أكثر من ثلاثين سنة، هو تقرير صيغة الحكم الجماعية. أي إنتقال السلطة من سلطة الفرد (رئيس الجمهورية) إلى سلطة المؤسسة مجتمعة (مجلس الوزراء). من صيغة دولة الرؤساء إلى دولة المؤسسات. لذلك، حدّد الطائف القرارات التي تحتاج إلى الأكثرية العادية، أي النصف زائداً واحد؛ والقرارات التي تحتاج إلى الثلثين، وصنفها في خانة “المواضيع الأساسية”.

على هذا الأساس، إعتمدت قاعدة الثلثين لإتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، في مواضيع مثل قانون الإنتخاب؛ تعيينات الفئة الأولى؛ قانون الجنسية؛ التقسيمات الإدارية؛ حل مجلس النواب؛ إقالة الوزراء؛ إقرار الموازنة؛ الخطط الإنمائية الشاملة؛ التعبئة العامة وإعلان حالة الطوارىء (14 موضوعا)، وصارت “صمام أمان للحكم الجماعي المؤسساتي في لبنان، على حد تعبير النائب ألبير منصور(*).

لو راجعنا التشكيلات الحكومية، منذ الطائف حتى الآن، لوجدنا أن الثلث المعطل كان موجوداً في معظمها، ذلك أن دمشق كانت تملك الثلثين في معظم الوزارات، بما في ذلك في زمن رفيق الحريري، الذي كان يقاتل منذ أول حكومة شكلها من ثلاثين وزيراً للحصول على الثلث الضامن له(…). طبعاً لم يكتف السوريون بذلك، بل هم أرادوا أن تكون لهم ودائع في معظم الكتل النيابية، وأولها الكتلة الحريرية.

في ربيع العام 1998، طلب رفيق الحريري من الكاتب العربي محمد حسنين هيكل أن يرافقه في جولة تفقدية لأعمال السراي الكبير، قبيل تدشينه في صيف تلك السنة. خلال الجولة، إستفاض الحريري شارحاً ما تقوم به حكومته، فسأله هيكل:”هل تشرح لي ما هي حكومتك سياسياً”؟ فأجابه الحريري:”حكومتي هي ثلاثة أثلاث: ثلث تيوس، ثلث لصوص، ثلث تكنوقراط”. إستدرك هيكل وقال له:”ثلث تيوس فهمتها. هؤلاء مفروضون عليك من سوريا. ثلث لصوص هؤلاء إسمهم فساد. ثلث تكنوقراط هؤلاء إسمهم ثلث فلوس، لأنهم موظفون عندك”.

وعندما تشكلت أول حكومة بعد إنتخابات العام 2005، لم يتخل إميل لحود عن الثلث المعطل بالشراكة الكاملة مع “الثنائي الشيعي”. وقتذاك، كانت الحكومة تضم 24 وزيراً، وضم الثلث وزراء الطائفة الشيعية الخمسة: محمد جواد خليفة، محمد فنيش، فوزي صلوخ، طراد حمادة وطلال الساحلي، ووزراء رئيس الجمهورية الأربعة وهم: الياس المر، طارق متري (عرّفه الأخير على لحود.. فأعجب به)، شارل رزق (أعجب به لحود لأنه “شهابي”)، يعقوب الصرّاف. لكن عندما وقعت حرب تموز/يوليو 2006 ومن بعدها إستقالة الوزراء الشيعة الخمسة والصرّاف، تبين أن الثلاثي (المر ومتري ورزق) قرروا نقل “البارودة”، من كتف إلى كتف، فتعذر سقوط تلك الحكومة، سواء بالميثاقية أو بالدستور.

قال الحريري لهيكل:”حكومتي هي ثلاثة أثلاث: ثلث تيوس، ثلث لصوص، ثلث تكنوقراط”. إستدرك هيكل وقال له:”ثلث تيوس فهمتها. هؤلاء مفروضون عليك من سوريا. ثلث لصوص هؤلاء إسمهم فساد. ثلث تكنوقراط هؤلاء إسمهم ثلث فلوس، لأنهم موظفون عندك”

جاء السابع من أيار/مايو 2008، فأطاح بـ”حكومة السنيورة البتراء”، على حد تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقتذاك. بعدها مباشرة، صار الثلث المعطل حجر زاوية الحكومات كلها وصولاً إلى حكومة سعد الحريري الأخيرة.

وعلى سبيل المثال، ففي أول حكومة ثلاثينية للسنيورة، غداة مؤتمر الدوحة،  نال إئتلاف قوى 8 آذار/مارس 11 وزيراً (الثلث المعطل). تكرر الأمر في حكومة الحريري (2009) وهي الحكومة التي إعتمدت صيغة “الوزير الملك” (لا يملك الحريري وشركاءه أكثرية الثلثين ولا يملك فريق المعارضة إلا الثلث) ليتبين لرئيس الحكومة، وهو خارج من البيت الأبيض بعد إجتماعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه صار رئيس حكومة سابق، بفعل إنضمام “الوزير الملك” (عدنان السيد حسين) لوزراء تكتل التغيير والإصلاح وحركة أمل وحزب الله والطاشناق المستقيلين من دارة ميشال عون في الرابية (الثلث المعطل).

ومع حكومة نجيب ميقاتي، قرر الأخير أن يتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، على شراكة الثلث المعطل، مقابل نصف الوزراء لفريق 8 آذار/ مارس، وأن يشكل وزراء وليد جنبلاط (الثلاثة) “بيضة القبان” على قاعدة أن يلعب هؤلاء في “الملعب الوسطي”. تكرر أمر الثلث المعطل مع حكومة تمام سلام ثم مع حكومة سعد الحريري التي أتت بنتيجة التسوية الرئاسية مع ميشال عون.

يمكن القول إن المحظور وقع مع حكومة الحريري التي تلت إنتخابات 2018. للمرة الأولى منذ الطائف، تتمكن كتلة نيابية واحدة من نيل الثلث المعطل. جمع جبران باسيل ثلثه المعطل (وزراء التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية) في مكتبه بوزارة الخارجية وجعلهم يوقعون، مسبقاً، على إستقالاتهم. تلك كانت سابقة مزدوجة الأبعاد. كان تبريره أن كتلة من ثلاثين نائباً لا يجوز أن تتمثل بأقل من 11 وزيراً. أما الحريري، فنال الثلث المعطل (مع وزراء القوات والإشتراكي ونجيب ميقاتي وهم يمثلون حوالي 50 نائباً).

إقرأ على موقع 180  لبنان من وهم التعافي إلى ذل الإعاشة

لماذا يتمسك جبران باسيل اليوم بنيل الثلث المعطل وحده، في حكومة حسان دياب، من دون باقي حلفائه السياسيين كحزب الله وحركة أمل وتيار المردة؟

أولاً،  ألا يسمح بتعيين أي موظف مسيحي في الفئة الأولى من دون موافقته.

ثانياً، ألا يقر أي قانون إنتخابي جديد في مجلس الوزراء من دون موافقته، سواء الآن أو قبل موعد الإنتخابات، علماً أن ثمة مطالبة، من أهل الحراك، بإقرار قانون إنتخابي جديد وبإجراء إنتخابات نيابية مبكرة.

ثالثاً، أن يكون متحكماً بمصير الحكومة، فإذا قرر لسبب أو لآخر أن يتخلص منها، يكفي أن يستقيل وزراء الثلث المعطل، حتى تصبح الحكومة مستقيلة، لحظة يشاء ذلك(**).

رابعاً، ليس خافياً على أحد أن هذه الحكومة قد تعيش بضعة أسابيع وأشهر، وقد تُعمّر. إذا تخطينا الإحتمال الأول، أي أن تعيش بضعة أسابيع أو أشهر، فإن الإحتمال الثاني، وهو الأساس، أن تستمر الحكومة حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة (ربيع 2022)، أو أن يُمدد للمجلس النيابي الحالي، لتعذر التوافق على قانون إنتخابي جديد، عندها يتداخل التمديد للمجلس مع إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية (خريف 2022)، فتحل الحكومة تلقائياً محل رئيس الجمهورية، في مرحلة إدارة الفراغ الرئاسي.

خامساً، حتى لو إفترضنا أن الإنتخابات النيابية المقبلة جرت في موعدها، ومن بعدها تعذر تأليف حكومة جديدة، فإن الحكومة الجديدة، ستتولى تصريف الأعمال، إلى موعد الإنتخابات الرئاسية، فإذا وقع الفراغ الرئاسي، تتولى إدارة الفراغ الرئاسي (حالة حكومة السنيورة 2007 وحكومة تمام سلام 2014).

لهذه الأسباب، لن تكون ولادة الحكومة سهلة، إلا إذا توفر مخرج لقضية الثلث المعطل، فمن يستطيع أن يخرج أرانبه في آخر لحظة وهل تكون حكومة العشرين هي الدواء، كونها قابلة للتفخيخ حسابياً؟

(*) البند الخامس من المادة 65 (الدستور) ينص على الآتي: “يجتمع مجلس الوزراء دوريا في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر. ويكون النصاب القانوني لانعقاده اكثرية ثلثي اعضائه، ويتخذ قراراته توافقيا. فاذا تعذر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. اما المواضيع الاساسية فانها تحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع اساسية ما يأتي: تعديل الدستور، اعلان حالة الطوارىء والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الانمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الاولى او ما يعادلها، اعادة النظر في التقسيم الاداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخاب، قانون الجنسية، قوانين الاحوال الشخصية، اقالة الوزراء”.

(**) حددت المادة 69 من الدستور الحالات التي تعتبر الحكومة، بموجبها، مستقيلة، وهي الآتية: إذا إستقال رئيسها، اذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها، بوفاة رئيسها، عند بدء ولاية رئيس الجمهورية، عند بدء ولاية مجلس النواب، عند نزع السلطة عنها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  رئاسة الجمهورية تُخاض "بكل الوسائل".. والجيش "يتمرد"!