لبنان يعلن الحرب ضد كورونا: تعبئة عامة وإقفال شامل للحدود

بإعلان لبنان "التعبئة العامة" في مواجهة كورونا، تدشن الحكومة اللبنانية مرحلة جديدة من التعامل مع هذا الوباء العالمي العابر للقارات والدول والحدود والمدن وكل شيء. إعتبارا من الأربعاء المقبل، تقفل حدود لبنان الجوية والبرية والبحرية، لمدة أسبوعين، بإستثناءات محددة، وذلك في محاولة لإحتواء الفيروس والتحكم بالحالات المسجلة ومنع تسجيل أرقام قياسية. فهل تنجح الحكومة في الإختبار الجديد؟

على امتداد سبع ساعات، لم تجد الحكومة اللبنانية ومعها مجلس الدفاع الاعلى (أعلى هيئة عسكرية أمنية)، سبيلا الى تعظيم الاجراءات للحد من انتشار وباء كورونا، سوى قانون الدفاع الوطني الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 102 تاريخ 16 ايلول/سبتمبر 1983، وتحديدا في مادته الثانية والتي تحمل عنوان “تدابير لازمة عند التعرض للخطر”.

هذه المادة هي التي سمحت لمجلس الدفاع الاعلى برفع انهاء (توصية) الى مجلس الوزراء لمواجهة خطر كورونا باعلان التعبئة العامة، وليس حالة الطوارئ، لانه وفق المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر عن الرئيس الراحل شارل حلو في 5 اب/أغسطس 1967، تم حصر اعلان حالة الطوارئ او المنطقة العسكرية في جميع الاراضي اللبنانية او في جزء منها “عند تعرض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب خارجية او ثورة مسلحة او اعمال اضطرابات تهدد النظام العام والامن او عند وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة”.

كما ان المادة 65 من الدستور اللبناني المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21 ايلول/سبتمبر 1990، فقد نصت على ان “المواضيع الاساسية” تحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر “مواضيع اساسية” ما يأتي: تعديل الدستور، اعلان حالة الطوارئ والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة إلخ. وبالتالي، برز حرص رئاسي على الاجماع في مجلس الوزراء بشأن اعلان التعبئة العامة، أي عدم الذهاب الى التصويت، لذلك درست القرارات بعناية وتفصيل مما سهل التوافق بشأنها.

اللباس المخصص للوقاية من انتقال فيروس الكورونا اثناء نقل الحالات المشتبه فيها يبلغ سعره 750 دولارا اميركيا (للثوب الواحد) وهذا لا طاقة للصليب الأحمراللبناني على تحمل كلفته

بإختصار، ما صدر عن الحكومة اللبنانية، هو أقصى الممكن التوافقي في الحالة اللبنانية، بعدما تبين ان حالة الطوارئ لها معطيات عسكرية وامنية وقانونية ودستورية وتفرض موجبات وقدرات غير متوفرة راهناً، بدليل ان النقاش في الحكومة الذي استدعي اليه نقباء المهن الحرة الذين هم على صلة بالقطاع الصحي، وصل في شق منه الى تناول بديهيات مادية، ومنها ما عرضه رئيس الصليب الاحمر اللبناني من ان اللباس المخصص للوقاية من انتقال فيروس الكورونا اثناء نقل الحالات المشتبه فيها يبلغ سعره 750 دولارا اميركيا (للثوب الواحد) وهذا لا طاقة للصليب الأحمراللبناني على تحمل كلفته.

هذا الواقع الصعب الناتج عن الصعوبات المالية والاقتصادية للدولة اللبنانية، دفعت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى ابلاغ مجلس الوزراء، كما مجلس الدفاع الاعلى، بانه اتصل بسفيرة لبنان لدى الصين كما اجتمع بسفير الصين لدى لبنان وطلب منهما المساعدة في تأمين مساعدات طبية عاجلة وتجهيزات وادوية ثبت بعد اختبارها في الصين انها اعطت نتائج ايجابية وفعّالة، الا ان نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان تحدث عن ارباك تعانيه هذه المستشفيات نتيجة تهافت كل من يعاني من اي عوارض انفلونزا، طالبا فحص الكورونا مما يشكل ضغطا كبيرا. وتبين أنه أراد من ذلك المطالبة بتسييل المستحقات المالية للمستشفيات بذمة الدولة اللبنانية وايضا محاولة الإستفادة من تسييل مبالغ مالية من قرض جديد للبنك الدولي سبق أن قرر مجلس الوزراء حصر الإستفادة منه للمستشفيات الحكومية، اي ان دخول المستشفيات الخاصة على خط قرض البنك الدولي هو من باب الطمع وليس من باب الغيرة ولا تحمل المسؤولية الوطنية، تماما كما تفعل المصارف في التعامل مع الأزمة المالية منذ 17 ت1/أكتوبر حتى يومنا هذا.

دخول المستشفيات الخاصة على خط قرض البنك الدولي هو من باب الطمع وليس من باب الغيرة ولا تحمل المسؤولية الوطنية، تماما كما تفعل المصارف في التعامل مع الأزمة المالية منذ 17 ت1/أكتوبر حتى يومنا هذا

اما مجلس الدفاع الاعلى، فقد حدد دور الاجهزة الامنية بتطبيق القرارات والاجراءات المتخذة، مع التركيز على الحجر المنزلي والتشدد بالاجراءات التي تحقق هذا الحجر للحالات المشتبه فيها، مع ضبط المخالفات، ومنها الاكتظاظ في المحال التجارية المخصصة لبيع المواد الغذائية، لذلك، تم تحديد ما هو مطلوب من الاجهزة الامنية، كما برزت مطالبة وزيرة العدل بأن لا يتأثر عمل القضاء بالاجراءات لان المطلوب التعجيل بالمحاكمات وصدور الاحكام. وطلب المجلس من الاجهزة المعنية اجراء عملية مسح ميداني للمطاعم والمقاهي والملاهي للتأكد من الاقفال والزام من يخالف بالاقفال.

وعند طرح كيفية التعاطي مع النازحين السوريين في المخيمات على الأراضي اللبنانية في مواجهة انتشار وباء كورونا، احيط مجلس الدفاع الاعلى كما مجلس الوزراء بأن مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ستتولى انشاء مستشفيات ميدانية قريبة من مخيمات النازحين لمتابعة أوضاعهم صحياً.

وتقرر تكليف قوى الامن الداخلي (الشرطة اللبنانية) تنفيذ القرارات مع الاستعانة بالجيش اللبناني عند الحاجة، بينما اوكلت الى الاجهزة الأمنية الاخرى مهمات منوطة بها وفق القانون.

وبعد جلسة ماراتونية برئاسة عون، أصدرت الحكومة اللبنانية سلسلة من القرارات، أبرزها الآتي:

أولاً: اعلان التعبئة العامة اعتباراً من تاريخ 15 آذار/مارس 2020  ولغاية منتصف ليل 29 آذار/مارس 2020 (14 يوماً) وذلك لتنفيذ الخطط التالية:

  1. التأكيد على وجوب التزام المواطنين البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها الا للضرورة القصوى لما في ذلك من تأثير سلبي يُفضي الى انتشار الوباء.
  2. التأكيد على جميع القرارات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا بشأن منع التجمعات في الاماكن العامة والخاصة على اختلافها كما وبشأن السفر من وإلى لبنان من بعض الدول، مع المتابعة تبعاً لتطور الأوضاع في الدول المعنية بتلك الاجراءات وفي دول أخرى.
  3. إقفال مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي وجميع المرافئ الجوية والبحرية والبرية (فقط امام الوافدين بالنسبة للمرافئ البرية والبحرية) اعتباراً من يوم الأربعاء الواقع فيه 18 آذار/مارس 2020 حتى الساعة الرابعة والعشرين من يوم الأحد في 29 آذار/مارس 2020، ويُستثنى من ذلك قوات “اليونيفيل” والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في لبنان والمنظمات الدولية والطائرات المخصصة للشحن والاشخاص العاملون لدى الشركات (النفطية) المرتبطة بعمليات الحفر في البلوك رقم 4 (في المياه اللبنانية قبالة جبل لبنان الشمالي).
  4. السماح للبنانيين، وأفراد عائلاتهم ممن لا يحملون هوية لبنانية أو ليس لديهم بطاقات إقامة، كما ولحاملي بطاقات الإقامة في لبنان، بالعودة إلى لبنان حتى تاريخ 18 آذار/مارس 2020 ضمناً وشرط ان تكون نتيجة الـ PCR سلبية (الفحص المخبري للكورونا) وعلى ان لا يشمل هذا القرار الوافدين من الدول التي سبق وان تم حظر السفر منها واليها وهي التالية: فرنسا، مصر، سوريا، العراق، المانيا، اسبانيا، بريطانيا، ايطاليا، ايران، الصين (هونغ كونغ، ماكاو، تايوان الصينية) وكوريا الجنوبية.
  5. اقفال الادارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والمصالح المستقلة والجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والحضانات، وذلك على اختلافها، ويُستثنى من ذلك، ما تقتضيه ضرورات العمل في الوزارات (ولا سيما وزارة الصحة والمستشفيات والمستوصفات الحكومية ومراكز الرعاية الإجتماعية والصيدليات والمختبرات والضمان الإجتماعي وشركات التأمين وغيرها) والادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها وفقاً لآلية تصدر بموجب قرارات عن الوزراء او عن السلطة صاحبة الصلاحية وذلك تحت طائلة المسؤولية على من يخالف تلك القرارات، المؤسسات العسكرية والأمنية والدفاع المدني وأفواج الاطفاء والشرطة البلدية والحراس البلديين.

يستثنى من قرار الإقفال مصرف لبنان وجميع المصارف وبالتنسيق مع جمعية مصارف لبنان، وشركات ومؤسسات تحويل وتوزيع الأموال ومؤسسات الصيرفة، وذلك بالحدّ الأدنى الواجب لتأمين مقتضيات تسيير العمل لديها يومياً

كما يستثنى من القرار: إدارة مطار رفيق الحريري الدولي وإدارة جميع المرافئ الجوية والبحرية والبرية؛ مؤسسة كهرباء لبنان وسائر المؤسسات والشركات التي تتولى تأمين وتوزيع التيار الكهربائي في جميع المناطق اللبنانية وذلك بكل ما يرتبط بالإنتاج والتغذية والتوزيع؛ المديرية العامة للنفط لدى وزارة الطاقة وإدارة منشآت النفط وذلك بكل ما يرتبط  بتأمين المحروقات وتوابعها وتخزينها وتوزيعها بما فيها محطات المحروقات والشركات والمؤسسات التي تتولى استيراد وتخزين وتوزيع الغاز؛ المديرية العامة للموارد المائية ومؤسسات المياه والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني والمديرية العامة للاستثمار، وذلك بما يرتبط بتأمين المياه وتخزينها وتوزيعها، والشركات والمؤسسات الخاصة التي تتولى تعبئة وتوزيع المياه؛ مصرف لبنان وجميع المصارف وبالتنسيق مع جمعية مصارف لبنان، وشركات ومؤسسات تحويل وتوزيع الأموال ومؤسسات الصيرفة، وذلك بالحدّ الأدنى الواجب لتأمين مقتضيات تسيير العمل لديها يومياً.

إقرأ على موقع 180  الصحافة الإسرائيلية: إنها المتاهة.. والهدف هو الوقت!

ثانياً: تعليق العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة والمحلات التجارية على اختلافها، ومكاتب أصحاب المهن الحرة مع مراعاة الضرورة القصوى المرتبطة بأوضاع العمل بالتنسيق مع نقابات هذه المهن الحرة. ويُستثنى من ذلك المطاحن، الأفران، وكل ما يرتبط بتصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية وغيرها من المواد الاستهلاكية الاساسية والمنتجات الزراعية والمواد الأولية اللازمة لها. كما يُستثنى ايضاً الشركات والمؤسسات العاملة في مجال نقل البضائع جواً وبراً وبحراً.

ثالثاً: يُعفى من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي، ولمدة شهرين اعتباراً من تاريخ هذا القرار، استيراد المستلزمات والمعدات الطبية والاستشفائية والمخبرية المنحصر استعمالها بالوقاية من فيروس كورونا ومعالجة حالات الاصابة به، اضافةً الى قبول الهبات التي تشملها. كما ويكلف وزير الصحة العامة وبالتنسيق مع الوزراء المعنيين تحديدها.

رابعاً: يُكلّف وزير الخارجية وبالتنسيق مع وزير الصحة العامة اجراء الاتصالات اللازمة مع سفارات الدول والمنظمات الاقليمية والدولية لتزويد لبنان بالمستلزمات الطبية والاستشفائية والمخبرية والادوية بموجب هبات و/او مساعدات عينية او مادية.

خامساً: تكلف وزيرة الاعلام والمجلس الوطني للإعلام وبالتوافق مع وزارة الصحة العامة ونقيبي الاطباء في بيروت وطرابلس التنسيق مع الوسائل الاعلامية كافة بشأن البرامج والتحقيقات المتعلقة بفيروس كورونا وكيفية التعاطي معه.

سادساً: تُكّلف وزارة المالية، عند الاقتضاء، تأمين الاعتمادات اللازمة لتغطية نفقات تنفيذ ما ورد في متن هذا القرار.

سابعاً: تكلّف وزارة العدل اعداد النصوص اللازمة لتعليق المهل القانونية والقضائية والادارية والعقدية اعتباراً من تاريخ  18/10/2019.

وقد إستندت الحكومة في قراراتها إلى توصية للمجلس الأعلى للدفاع بإعلان التعبئة العامة إستنادا إلى المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 (قانون الدفاع الوطني اللبناني)، التي تنص على مجموعة “تدابير لازمة عند التعرض للخطر” وهي الآتية:

1ـ  اذا تعرض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر يمكن إعلان:

أـ حالة التأهب الكلي أو الجزئي للحد من تعرض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة.

ب ـ حالة التعبئة العامة أو الجزئية لتنفيذ جميع أو بعض الخطط المقررة.

2ـ تعلن التدابير المذكورة بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على انهاء المجلس الأعلى للدفاع.

3 ـ يمكن أن تتضمن هذه المراسيم أحكاما خاصة تهدف إلى:

أ- فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها.

ب- فرض الرقابة على المواد الأولية والانتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها.

ج- تنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات.

د- مصادرة الأشخاص والاموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين، وفي هذه الحالة تراعى الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حالة الطوارىء.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  يكفيك.. يا سيد