في لبنان.. الفاسد كالعميل فوق المحاسبة

عامر الفاخوري يلقننا جميعاً دروساً في الوطنية. عندما يحتل عدوك بلدك، لا تقاومه. ضع يدك بيده. تآمر على أبناء شعبك. إقتلهم. هجرهم. إسجنهم. عذبهم. لا ترحمهم يا عامر أبداً، وعندما ينطوي ليل الإحتلال، انت لبناني وشاطر. دبر جنسية ثانية. سفرة وعائلة ثم عد إلى بلدك ودشّن لنفسك سيرة جديدة، طالما أن بلدك لا يحاسب عميلاً ولا فاسداً ولا مرتكباً ولا خائناً. إضحك أنت في لبنان!
عشرون عاماً على تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي. الذاكرة لم ولن تتحرر. في كل بقعة جنوبية، شاهد. قبر. إشارة، دليل على بحر من العذاب والأسى والدموع والتشريد والتنكيل. هذا كله، برغم أن الجنوبيين ينحون إلى فنّ جميل إسمه تحويل العذابات إلى انتصارات. تبقى فقط العلامات. بقايا مواقع وثكنات ومعتقلات. تبقى حكايات الناس، فهل صار ممنوعا على المواطن الشريف الصابر المضحي أن ينسى حتى عدوه وعذاباته؟
في لبنان، البلد الذي تقونن فيه الفساد، واعتلى زعماء الحروب أعلى المناصب فيه.. ممنوع عليك أن تتذكر، لأن التذكر فيه استعادة للماضي الذي يجب أن ننساه لنفتح صفحة جميلة.. لكأن الصفحات التي تكتب عن لبنان، اليوم، أو غداً، ناصعة البياض.. “يخزي العين”!
يكفي أن تدخل معتقل الخيام هذا الصباح. عند بوابته الأولى جدارية حفرت فيها اسماء. عملاء باعوا وطنهم وخانوه. تبصق، تشتم. وتكمل رحلتك إلى الداخل. وبرغم ان المعتقل قصف ودمر في حرب 2006، لكن يكفي ما تبقى منه ليشعر زائره بنار الغضب تسري في عروقه. تقرأ الفاتحة عن أرواح من مضوا وتدعو بطول العمر لمن نجوا.
اليوم، يلتقط الزائرون للمعتقل فقط الصور. بالأمس، كان قاطنوه يفضلون الموت على العذابات.. لكن هواة التعذيب لم  يسمحوا لهم سوى بما يشفي غليل حقدهم وإجرامهم. حرموهم من أن يفكروا بالموت. أرادوا لهم أن يشعروا بالذل وأن يشعروا هم بالفخر. أرادوا لهم أن يجوعوا ويبردوا ويمرضوا ولا يجدون لقمة أو شربة ماء أو حبة دواء. شاهدنا أفلاما تحاكي قصص التعذيب في الخيام. تلقائياً، يبعد المشاهد وجهه كي لا يترك مشهد ما، أي أثر في نفسه، ولو أن المشاهد معظمها من صنع ممثلين وشركات إنتاج. يعني تعذيب “كلاس”، فكيف لو كان لنا أحبة ما زالوا عالقين في المعتقل بعذاباتهم وإعاقاتهم والصور والكوابيس التي تلاحقهم؟
يتحرر الجنوب. يتحرر الأسرى.. ولا يتحرر المعذبون من الذاكرة. فهل أقل من يطالبوا بالقصاص العادل لمن كانت ضحكاتهم تطمر أنينهم.
بعد تاريخ 16 اذار/مارس 2020، لا يجب أن تقتصر دعوتنا إلى تطبيق القصاص العادل على العملاء وحدهم. بل على من حماهم قبل توقيفهم وهربهم عندما افتضح أمرهم.
الفاسدون سياسياً وأخلاقياً هرّبوا جزّار معتقل الخيام عامر الفاخوري. كان يتوجب عليهم أن يعيدوه لابنته التي كانت مذ ستة شهور تبكي. تظهر على شاشات التلفزة الأميركية. لقد سرقوا منها والدها. نعم، والدها مسالمٌ يحب السلام. ثم تبكي. لم يشك منه أحد في أميركا، بل على العكس، يا للأخلاق التي يتمتع بها! لكنه للأمانة، كان جزارا شاطرا.. عمل في مطعم في أميركا يبيع الشاورما. عرف كيف يتعامل مع اللحوم، فقد سبق له أن تدرب على لحوم البشر في لبنان، قبل أن يسافر ويقول لجيرانه أن كان يعمل في الجيش اللبناني سابقاً..
تحرر جزار الخيام! ولا داعي للهلع. الخبر كان منتظراً. كل ما جرى منذ اعتقاله حتى الأمس، كان مسلسلاً مملاً ونهايته معروفة مسبقاً. ربما تم حبس الرجل عن طريق الخطأ، بعد أن ظل أسبوعا يسرح ويمرح في ربوع لبنان قبل اعتقاله. إنه لبنان، الذي يجعلك تتذكر في كل يوم أن المبادئ والقيم والمثل الوطنية والأخلاقية ستهزم أمام فئة إعتادت الإمتثال لأوامر الخارج.
هُرّب عامر الفاخوري في هذا التوقيت بالذات وقبل الجلسة العلنية لمحاكمته بشهر. التوقيت مناسب لعدم الاحتجاج. يجب أن يلزم الناس بيوتهم خوفاً من كورونا..
كل شيء محسوب. هذه السلطة تتقن لعبة الحسابات والصفقات. وربما لا تتقن سواها. الصفقة انجزت وستمر. وسينسى اللبنانيون عامر الفاخوري. وحدهم الأسرى المحررون الذين عُذبوا ماضياً، وما زالوا يعيشون عذاباتهم حاضراً، سيتجرعون العذاب بأمر منه اليوم وغداً. وسيبقون مدركين لحظة بلحظة، أن العميل في لبنان كالفاسد، فوق المحاسبة.. والفاسد كالعميل فوق المحاسبة.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  لا يا جو.. هذه هي حقيقتنا
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  نعم، نُهاجر ولا نلتفت إلى الوراء