"هوذا الفجر.. فقومي ننصرف عن ديارٍ، ما لنا فيها صديق". بهذا المطلع لقصيدة جبران خليل جبران "البلاد المحجوبة"، همست سنة الـ 2020 لأيّامها، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
"هوذا الفجر.. فقومي ننصرف عن ديارٍ، ما لنا فيها صديق". بهذا المطلع لقصيدة جبران خليل جبران "البلاد المحجوبة"، همست سنة الـ 2020 لأيّامها، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
تذكرتُ وأنا أقرأ من واشنطن العاصمة كيف تناولت الصحف البيروتية خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (الرئيس الفعلي للجمهورية)، حول قضية الحكم الذي اصدرته المحكمة العسكرية بشأن عامر الفاخوري، ما حلّ برئيس فعلي للجمهورية اللبنانية في العام 1969.
منذ أن أصبح أميناً عاماً لحزب الله، لم تحمل أية إطلالة للسيد حسن نصرالله بعداً عاطفياً كالذي شهدناه، بعد خطاب الأمس المتلفز.
يمكن أن تحاكي قضية الإفراج عن العميل عامر الفاخوري، في إتجاهات متناقضة. البيت اللبناني "بمنازل كثيرة" يتيح لك أن تجعل البطل عميلاً.. والعميل بطلاً. هذا هو التاريخ البعيد والقريب. هذا هو الحاضر. في كتاب "جمعية المبرات" المدرسي مثلاً، يصبح فخر الدين "عميلاً للأستانة" وفي باقي الكتب هو "البطل اللبناني". ماذا نقول عن بشير الجميل وحبيب شرتوني؟ عن فرنسوا حلاّل وميشال عون، يوم قرر الشيوعيون "تصفية" أو "إعدام" الأخير!
منذ أن تجرأ الامن العام اللبناني على توقيف العميل عامر الفاخوري، أحد المسؤولين العسكريين السابقين عن معتقل الخيام في الجنوب اللبناني في زمن الاحتلال الإسرائيلي، وذلك إثر عودته "المنظمة" إلى بيروت في أيلول/سبتمبر 2019، مروراً بمحاكمته أمام القضاء العسكري، وصولاً الى تبرئته واخلاء سبيله في 16 آذار/مارس 2020، ثمة مسار تعقبته واشنطن بكل تفاصيله، وقررت مواجهته بسلاح العقوبات، الأمر الذي جعل قيادات سياسية وعسكرية وأمنية وقضائية لبنانية ترضخ لطلب إطلاق سراحه.
تفنّن المسؤولون السياسيون والحزبيون اللبنانيون بتبادل الاتهامات في الأيام الماضية حيال الضيف الثقيل "كورونا". تنافس خطباء "العِفّة" الجدد، على استنباط لغة التخوين ضد بعضهم البعض، وهم في أصل الخيانة والفساد. لم يقدّم أحدٌ منهم خطةً للمواجهة. لم يتلُ أيٌّ منهم فعل الندامة على ما نهب منذ عقود، ولا تبرّع ببعض ما نهب لبناء مستشفى أو مستوصف يستوعب المصابين المحتملين بهذا الوباء اللعين بدل التبارز المقيت على المنابر.
عامر الفاخوري يلقننا جميعاً دروساً في الوطنية. عندما يحتل عدوك بلدك، لا تقاومه. ضع يدك بيده. تآمر على أبناء شعبك. إقتلهم. هجرهم. إسجنهم. عذبهم. لا ترحمهم يا عامر أبداً، وعندما ينطوي ليل الإحتلال، انت لبناني وشاطر. دبر جنسية ثانية. سفرة وعائلة ثم عد إلى بلدك ودشّن لنفسك سيرة جديدة، طالما أن بلدك لا يحاسب عميلاً ولا فاسداً ولا مرتكباً ولا خائناً. إضحك أنت في لبنان!
نشر موقع "أوريان 21" تقريراً للكاتبة والصحافية اللبنانية ضحى شمس، تضمن متابعة لمجريات قضية "العميل" عامر الفاخوري (لبناني يحمل الجنسية الأميركية) الذي كان مسؤولا عن معتقل الخيام السري في جنوب لبنان في زمن الاحتلال الإسرائيلي، وتم توقيفه بمجرد عودته من الولايات المتحدة إلى بيروت في 11 سبتمبر/أيلول 2019. وقد سقط الحكم الذي أصدر ضده سنة 1996 بتهمة التعامل مع العدو بفعل مرور الزمن، كما يبدو أنه تمتع بحماية سياسية ما. لكن عددا من الأسرى المحررين الذين تعرضوا للتعذيب من قبل الفاخوري في معتقل الخيام تقدموا بشكوى شخصية ضده، ما جعل إمكانية محاكمة هذا المجرم واردة.