ربما لم يدر في خلد المغترب السوري (ن. م.) الآتي من اسبانيا أن قدومه إلى بلده الأم قبل حوالي ثلاثة أسابيع سيكون بمثابة صفارة الانذار لبدء انتشار فيروس كورونا. ابن بلدة معلولا التاريخية مشتبه به في نشر فيروس كورونا في عدة مناطق قام بزيارتها داخل مدينة دمشق وخارجها. وبينما يخضع المصاب حالياً للعناية المركزة في مستشفى ابن النفيس، تسود حالة من القلق في أوساط جميع من صافحوه وقابلوه وسط محاولات حكومية حثيثة لاحتواء الموقف.
كانت المعارضة السورية المقيمة في لندن الدكتورة ريم التركماني أول من أشار إلى وجود إصابة بفيروس كورونا في أحد مشافي دمشق خارج مراكز الحجر الرسمية. وقالت في “بوست” نشرته أمس الأول على صفحتها على الفايسبوك أن “الإصابة لشخص يبلغ من العمر 72 عاماً”، قبل أن تشير في تحديث لاحق إلى أن الرجل توفي ليكون أول حالة وفاة بالفيروس في سوريا.
والجدير بالذكر أن التركماني كانت أول من أعلن عن وجود إصابة مؤكدة في سوريا، وتلاها، بعد ساعات، وزير الصحة السوري نزار يازجي مؤكداً ضمناً ما ذكرته المعارضة السورية، حيث أشار إلى وجود إصابة لرجل سبعيني في أحد مشافي العاصمة، لكنه أكد أن المصاب تم حجره مباشرة وهو يخضع للعلاج ما يتعارض مع معلومة الوفاة التي أوردتها التركماني.
والرجل المصاب هو (ن. م.) من مواليد بلدة معلولا، وجاء إلى سوريا بصحبة زوجته منذ حوالي ثلاثة أسابيع قادماً من اسبانيا التي انتشر فيها وباء كورونا على نحو واسع، ويبدو أن الرجل وزوجته لم يخضعا لأية إجراءات عزل رسمية من قبل وزارة الصحة السورية، برغم قدومهما من بلد تفشى فيه الوباء، كما أنهما لم يلزما نفسيهما بأية فترة عزل طوعية خلافاً لما تفترضه إجراءات الوقاية لشخصين عائدين من بلد تفشى فيه الوباء.
شارك (ن.م.) في مراسم عزاء لأحد المتوفين من عائلة معروفة في معلولا، أقيمت في حي القصاع بدمشق وصافح غالبية المعزّين في ذلك اليوم وأكدت تسجيلات صوتية لأناس من حي القصاع انتشرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أن (ن. م.) صافح عددا كبيرا من المارة أيضا
وحسب المعلومات المتداولة، فإن (ن. م.) شارك في مراسم عزاء لأحد المتوفين من عائلة معروفة في معلولا، أقيمت في حي القصاع بدمشق وصافح غالبية المعزّين في ذلك اليوم (بالطبع قبّل بعضهم من أصدقائه). وأكدت تسجيلات صوتية لأناس من حي القصاع انتشرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أن (ن. م.) صافح عددا كبيرا من المارة أيضا، وفي أحد التسجيلات ذكرت المتحدثة أنه بسبب تصرفات هذا الرجل باتت المنطقة من برج الروس وما فوق، معرضة لانتشار الفيروس.
وقد ذكرت صفحة القصاع وباب توما على الفايسبوك أنه تم تأكيد إصابة ابن الحيّ القادم من اسبانيا بفيروس كورونا من دون تسميته، طالبة من جميع من سلّم على الرجل و/أو قبّله أن يبلغ عن نفسه ويخضع للفحوصات. لم يمض وقت قصير (أقل من نصف ساعة على نشر الخبر) حتى اختفت الصفحة المذكورة ولم يعد لها وجود.
ووفق معلومات خاصة من أحد المقربين من عائلة المصاب، أن الرجل نُقل قبل عدة أيام إلى المستشفى الفرنسي (مستشفى القديس لويس) الكائن في حي القصاع بعد الاشتباه بإصابته بمشكلة قلبية. غير أن الفحوصات التي أجريت له في المستشفى المذكور أظهرت عدم إصابته بأي مشكلة قلبية وأن الأعراض تدل على إصابته بفيروس كورونا. ومن غير المعروف كم أمضى الرجل في المستشفى الفرنسي ومن كان بصحبته، وما هي الإجراءات التي اتخذت بالنسبة للطاقم الطبي الذي تواصل معه أثناء فترة الاشتباه بإصابته القلبية.
إثر ذلك، تم نقل (ن. م.) إلى مستشفى ابن النفيس الكائن في حي ركن الدين بدمشق، من دون معرفة الأسباب التي دفعت إلى اختيار هذا المشفى وعدم اصطحاب المصاب إلى مركز الحجر الصحي في فندق مطار دمشق.
وتشير آخر المعلومات إلى أن المصاب أدخل إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى ابن النفيس ومنذ ذلك الحين أصبح من الصعب تتبع أخباره نتيجة التكتم الشديد من قبل إدارة المستشفى ووزارة الصحة التي اكتفت بالتصريحات التي ذكرها وزير الصحة أمس الأول.
وفيما تأكد أن وزارة الصحة سارعت إلى وضع زوجة المصاب في الحجر الصحي، استمر التضارب حول الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بخصوص من خالط المصاب منذ لحظة قدومه إلى سوريا وحتى نقله إلى المستشفى. ففي حين أكدت بعض المصادر أن وزارة الصحة تسعى جاهدة لاحتواء الموضوع من خلال التحقيق حول الأشخاص المحتمل اختلاطهم مع المصاب من أجل فرض حجر صحي عليهم لمدة 14 يوماً، أكدت مصادر أخرى أن جهود وزارة الصحة برغم أهميتها إلا أنها لن تكون كافية لاحتواء مفاعيل القصة نتيجة نشاط المصاب الاجتماعي واتساع نطاق تحركاته بين حي القصاع ومعلولا خلال فترة تواجده في المدينة.
وبحسب الأرقام الرسمية، فإنّ سوريا سجلت حتى الآن خمس إصابات بفيروس “كورونا”، أعلن عن أولها في 22 آذار/مارس، وهي لفتاة تبلغ من العمر حوالي 20 عاماً قدمت من خارج البلاد، من دون أية تفاصيل إضافية حول الدولة التي قدمت منها. وفي 25 آذار/مارس أعلنت وزارة الصحة تسجيل ثلاث حالات جديدة بفيروس كورونا المستجد عند مجموعة سبق وضعها في الحجر الصحي في منطقة الدوير قبل ذلك بأسبوع، وفي اليوم ذاته، تم الإعلان عن إصابة جديدة كانت قد وصلت من الخارج.
واتخذت الحكومة السورية إجراءات متدرجة لمواجهة خطر تفشي الوباء، وهي تتماشى، بشكل كبير، مع التوجهات العالمية في طرق الوقاية من الفيروس المستجد والحد من انتشاره، وإن كانت الشكوك تحوم حول امكانية تطبيقها بشكل فاعل على كامل الأراضي السورية المقسمة بين أربع مناطق مختلفة من حيث السيطرة والنفوذ، ففي حين تسيطر الحكومة السورية على القسم الأكبر من البلاد، هناك مناطق واقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي مثل مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ودرع السلام، وثمة مناطق أخرى خاضعة للاحتلال الأميركي كما في مناطق النفط في ديرالزور والحسكة، بالإضافة إلى الوضع الخاص الذي تمثله المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في محافظة إدلب وبعض أرياف حلب واللاذقية.
وتحاول سوريا الإبقاء على مرحلة الاحتواء للفيروس المستجد، وسط تحذيرات أطلقتها جهات دولية غير حكومية من أن القطاع الصحي في البلاد قد لا يكون قادراً على الاستجابة للمخاطر التي يمكن أن تترتب على تفش كبير للوباء، لا سيما أن الحرب السورية تسببت بدمار واسع في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الصحي.
وتتضارب الأرقام حول حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع الصحي في سوريا، ولكن تقديرات عدة تشير إلى أن الأضرار طالت نحو 45 في المئة من مرافقه، الأمر الذي يتطلب، وفق دراسة أعدها الباحث السوري عمار اليوسف في العام 2017، نحو 25 مليار دولار لترميم وتلافي الأضرار.
وإضافة إلى الأضرار التي تسببت بها الحرب، يعاني القطاع الصحي في سوريا من ضغوط مضاعفة بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، التي أعاقت، وما زالت تعيق، استيراد التجهيزات الطبية والمعدات اللازمة لمواجهة أي وباء.