السنّة.. مرض الأمة ومظلومية الطائفة (1)

هذه محاولة من أجل تقديم سيرة سياسية للطوائف اللبنانية. لا المقصود نكء جراح ولا التأريخ للتاريخ. ثمة مصائر لناس ترتبط بهذه السير. دفع لبنانيون أغلى ما عندهم لكتابة سير طوائفهم ومذاهبهم. إنقادوا إما بالغرائز أو بالعقائد أو بالمصالح أو بأسباب ومسميات أخرى. منذ ولادة لبنان الكبير، قبل مئة سنة، وهذا البلد تحكمه وتتحكم به إنزياحات الطوائف بالدرجة الأولى، لا الإنزياحات المجتمعية. كلما تقدم المضمون الإجتماعي، هناك من يستل الغول أو التغول الطائفي من غمده ويرميه في ساحات إشتباك الطوائف، لتتكرر سير الصراعات الملعونة. المسلمون السنة في لبنان أسرى الدم منذ لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. المسلمون الشيعة أسرى السلاح منذ صدور القرار 1559 في العام 2004. المسيحيون ومعهم الدروز، الى حد كبير، أسرى الديموغرافيا وصراعات التاريخ ومعها الحنين الى الماضي، إلى النظام القديم. من خلال هذه السلسلة ـ السير، دعوة مفتوحة للحوار.. والبداية من عند سيرة السنية السياسية، إذا صح التعبير.

في المُقبل من الأيام، سنقرأ في لبنان كثيراً عن “المظلومية السُنية”. سنسمع عنها أكثر. بالسياسة والإقتصاد والمصارف والمال والإجتماع والفقر. أسباب السمع والقراءة كثيرة. لكن تحديد الأهم من الأسباب، مُربك. حيثيات الإرباك عديدة. تتداخل فيها تنويعات متعددة. أسباب قراءتها تصح ذهاباً وإياباً. صعوداً ونزولاً. أفقياً وعامودياً. هذه “المظلومية” المُدعاة نتاج تناحر المذاهب مع بعضها البعض وتناقض المذهب الواحد وتحوله إلى مذاهب. في الأساس، تتغذى المظلوميات من قهرٍ ما. عُطبٍ ما. ما يلبث أن يُنتج القهر حرارة تبث الخطابات الشعبوية. أكثر من ذلك، المظلومية هي متن القضايا الساخنة. السخونة تطيل بعمرها. تجعلها أكثر عنفاً. تُصدع الدول التي تولد على جغرافيتها. تُنهك مستقبلها الذي سيصبح تاريخاً.

في لغة “المظلومية السنية” اللبنانية تحضر فجيعة واحدة. القتلى في ما مضى كثر. لكن فجيعة اليوم لها عنوان واحد. مقتلة رفيق الحريري. اغتيال أسقط آمالاً وآحلامأً عريضة، لطالما إتكأ عليها كثيرون وآمنوا بها وناموا على أرائكها. القتلى، يمكن أن يبدأ إحصاؤهم من رئيسي وزارة هما رياض الصلح ورشيد كرامي. وبين الاثنين، قامات كبيرة من قماشة المفتي حسن خالد، الشيخ صبحي الصالح، النائب ناظم القادري. النوائب التي حلت بهم تشبه الحكاية لا التاريخ. الحكاية شيء. والتاريخ شيء آخر. الأولى، حمّالة أوجه. محكومة بنصها وتأويلاته. الثاني، من طبيعة علمية. حركته علمية. أما نتائجه، فهي خُلاصات مؤسسة لبدايات جديدة. وهذا لا يحدث عند السنة. مع كل إخفاق يبدأون من حيت ابتدؤوا. لا من حيث انتهوا. سردية اخفاقاتهم كثيرة بكثرة التواريخ الأهلية اللبنانية. واستمرار المظلومية على ما هي عليه وعودتها إلى الرطن بخساراتها، أفدح دلالة على تكرار الرهانات العالية الأكلاف.

بين دورين.. عربي وإسلامي

مراجعة هذه “المظلومية” وفي كل الاتجاهات تُظهر أنها غير مكتملة. سبب النقص الأفدح فيها ان السنة لا يزالون يتمنعون عن ترسيم حدودهم بين دورين. الأول، دور لبناني بعمق عربي وإسلامي. هم الطائفة الأكثر مُحافظة وتحفظاً بوجه الطوائف الأخرى. عروبتهم كانت ملتبسة بعلمانيتها. فاقعة بإسلاميتها. أما الثاني، فهو دور إسلامي محض بأفق لبناني مفتوح على احتمالات الخيبة. بهذا المعنى، يصير “الترسيم الحدودي” مهمة بأكلاف باهظة. مهمة تتطلب كسر محرمات في العقل ومع الذات الجماعية. مثل هكذا أمر يعني تكثيف الأسئلة. والأسئلة هي بطبيعتها ميادين بحث. تصوروا كيف تكون الطائفة ـ الأمة رافعة للعروبة من المحيط للخليج وتصبح بعد حين أسيرة “لبنان أولا” من النهر الكبير إلى ما قبل مزارع شبعا!

دائماً يروي السُنة نهايات مشاريعهم. البدايات عندهم لا أصل لها. وهذا شيء يتناقض تماماً مع علم السياسة. السياسة معادلة رياضية على الدوام: ينبغي أن يكون هناك مُعطى لتكون هناك نتيجة. يبتسرون بوعي مذهل أصل البداية. أو يغفلون ذلك بخبثٍ فائض. وفي الحالين، ليس هذا محل حُكم لهم أو عليهم. الأحكام تنهض أبنيتها على الوقائع لا على النوايا. مرض السُنة الأصلي سيكشف عنه اثنان من مفكريهم. كلاهما سيحددان بداية العطب ومكمنه. الأول، لبناني أزهري مرتبك بين صفتيه، وضائع بين وظيفةٍ ودورٍ. فهو حيناً مفكر وباحث. وأحياناً سياسي يحاول الاحتراف، لكن الظروف ستعاكسه دوماً. أما الثاني، فهو تونسي فرنسي يقدم ما علمه وخبره في بلاد الغال على هوية أصلية ورثها ولم يخترها. الأول، هو الباحث رضوان السيد الذي قال أن “الإسلام مريض” وسبب المرض هو “تأثيرات الحداثة”. أما الآخر، فهو المُفكر عبد الوهاب المؤدب الذي ذهب إلى اعتبار أن مرض الإسلام هو “الأصولية”.

القتل السياسي بمعانٍ كثيرة

تناول وقائع “المظلومية السُنية” المدعاة تحيلنا على أسئلة أبعد من الكيان، ذلك أن السُنة في لبنان كانت لهم على الدوام وشائج صلة بخارج ما. حيناً خليجي يقوم على منطق “المدد المالي”. أحياناً “عروبي” من الطراز “البعثي” و”الناصري”. وفي أحايين كثيرة “عثماني ـ تركي” من طبيعة امبراطورية. لكن في الأحوال كلها، كل ذلك كان بغرض الحكم والتحكم. وهذا الخارج المُباح لهذه “السُنية”، هو نفسه ما ستُعيبُه على غيرها من مذاهب وطوائف شقيقة محلياً. لا بل أكثر من ذلك، ستعتبره استدعاء لـ”ضرب الأمة”. هي تتعاطى مع الناظرين إليها بوصفها تتحمل التعددية لكن ضمن معادلة هم “أهل أقلية” ونحن “أهل الأمة”.

تبدو “المظلومية السنية” ـ  كما غيرها من “المظلوميات” ـ خرافة تروم العودة إلى ماضٍ ما عاد ينفع شيئاً لا استحضاره ولا استذكاره ولا تجد الدرب (القماشة) إلى المستقبل. وهذا طبعاً لا يعني بحال من الأحوال القفز فوق الحقيقة الرهيبة لمعنى اغتيال رفيق الحريري، وما مثّله هذا القتل، في وضح النهار، في الوجدان اللبناني عموماً والسني خصوصاً

لا تروم مناقشة “المظلومية السُنية” تبريرها أو إدانتها. السعي في مسالكها هو للبحث في كيفية كبح تشظي هذه المظلومية ضد ذاتها أولاً. وضد الآخرين ثانياً. وعلى اعتبار أنها مكون واحد معادل لغيره وفي إطار سياسي واحد، حتى لو كان متشظياً بالشكل. إذ سيبقى هذا الإطار موسوماً بالضعضعة بسب الانقاسامات العميقة والثقيلة بين مختلف المذاهب والشيع اللبنانية، لأن كلاً منها مشدود إلى تواريخ أهلية كانت تتغير على الدوام تحت وطأة الدم. التهجير. الحرمان.

وفي الزمن اللبناني الذي لا يعرف مواقيت ثابتة وتغيراته متسارعة وغير مضبوطة، فضلاً عن تلازمه مع تصدع السيادة الوطنية تاريخياً، ليس لصالح قيم الاقتصاد والعولمة، انما لصالح سياسيوي محض يستدرج حروباً دموية، تبدو “المظلومية السنية” ـ  كما غيرها من “المظلوميات” ـ خرافة تروم العودة إلى ماضٍ ما عاد ينفع شيئاً لا استحضاره ولا استذكاره ولا تجد الدرب (القماشة) إلى المستقبل. وهذا طبعاً لا يعني بحال من الأحوال القفز فوق الحقيقة الرهيبة لمعنى اغتيال رفيق الحريري، وما مثّله هذا القتل، في وضح النهار، في الوجدان اللبناني على وجه العموم، والوجدان السُني على وجه الخصوص. لكن لهذا القتل معانٍ كثيرة تتصل بموازين قوى دولية انقلبت رأساً على عقب. وله متعلقات شديدة الصلة بالخارج وصراعاته.

الحكم.. الحكمة وحسن التقدير

هذا ما قاله الرئيس السابق لغرفة البداية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري القاضي روبرت روث عن “ثقافة الانصياع” لإملاءات سياسية. وهذا ما قالته بوضوح أشد استقالة رئيس غرفة الاستئناف القاضي انطونيو كاسيزي. لكن أكثر الاعلانات فجاجةً ووضوحاً كانت في تبديل وجهة الإتهام بالقتل من اعتبار النظام السوري ومعه النظام الأمني اللبناني مسؤولين، إلى اعتبار أن حزب الله ومن ورائه إيران هما المسؤولان الشيعيان عن الموت الرهيب لرفيق الحريري ومشروعه السني بالمنطقة. من قبل ومن بعد، فهذا التبديل (هوية المتهم) دُبر في ليل معادلة “السين ـ السين (سوريا والسعودية)” وبعد ذهاب ولي الدم ووارث الزعامة سعد رفيق الحريري إلى دمشق لينام في قصر بشار الأسد من يُفترض أنه قاتل أبيه. ومن قبله هو قصر الاسد الأب المتهم على الدوام بكونه شريكاً دائماً في مقتلة السُنة اللبنانيين منذ بدايات الحرب الأهلية إلى تصفية “المرابطون” ومعارك صيدا وطرابلس وتصفية الوجود العسكري الفلسطيني من بيروت (حرب المخيمات) إلى طرابلس وهو الوجود الذي لطالما صُنّف في خانة حماية “جيش الاسلام” (اللبناني)، على ما وصفه أحد كبار مراجع المسلمين.

إقرأ على موقع 180  مئة عام من الأسئلة اللبنانية: دماء كفتون تُجيب

في كل الاحوال، فان مقتلة الحريري الأب بدمويتها القاسية، ومن ثم المنازلات الخاسرة للحريري الإبن لا يمكن حصرها على وجه من الوجوه بمكاسرة اللبنانيين بعضهم البعض. وخطورة بعث سردية “المظلومية السُنية” راهناً تزداد حساسية، فيما يقف اللبنانيون على مبعدة قليلة من صدور قرار المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري في الأسابيع القليلة المقبلة. المسألة ما عادت مسألة “شعور”. الوضع صار يستلزم تقديراً دقيقاً لما يقبل عليه اللبنانيون في ظل انهيار مدوٍ للدولة نشهد فصوله يوميا وهي مرشحة لأن تصبح دمويةً يوماً بعد يوم. هل هناك من يبحث عن قواسم مشتركة، اللهم إلا إذا وضعنا كورونا ومواسمه جانباً. الإنهيار أتى، وإن إستفحل لن يبقي ولن يذر. في الاقتصاد. في النقد. في استنفاذ أجهزة الدولة. في الصحة إذ صار الوجود البشري كله على المحك. كل شيء إنهار. كل شيء منهار. نحن نعيش لحظة الإنهيار الكبير.

كل اغتيال له اهداف على الضد من السياسة. واغتيال رفيق الحريري لا يجب أن يُقاس، أو يُقارب، من خارج هذه المعادلة. وإذا كانت السياسة على معناها البديع تعمل لتسقط القتل وتقتل قاموس الدم. فإن القتلة يعملون لإسقاط السياسة. هذه معادلة دقيقة. وإذا ما إخْتلّت تصبح شبيهة لفقدان معنى النظام. النظام مهمته ووظيفته مرتبطة بالإنتظام وصواب التقدير والتنظيم. وإذا سلّم أهل السُنة لـ”المظلومية” وصدّقوا انها نزلت بهم، وما كانت من صنع أيديهم، ومن سكوت “أهل الأمة” في الأساس عنها. فهذا يعني أننا على أبواب خراب عميم ومقيم.

“السنة ليست مذهباً”

“مظلومية السنة” في لبنان تأخذك بيدك إلى بعض التنظيرات لمعادلات الأكثرية والأقلية. يتصدى الكاتب والمثقف الفضل شلق لهؤلاء بقوله “ليست السنة مذهباً، كما يحلو التنظير للبعض. هي قوام لهذه الأمة بأقلياتها. مع فقدان القوام يخسر الجميع. تدخل الأقليات في المجهول كما الأكثرية. يحتاج المذهب إلى عقيدة، وما استطاع أحد في التاريخ وضع عقيدة للسنة. اجتهادات فقهاء (ومفكرين وفلاسفة)، نعم. لكنها تراكم تاريخي يرفضه الدين الأصولي الجديد، كما الاستبداد، كما الأقليات. لم يكن صدفة إجماع هؤلاء جميعاً على إنكار التاريخ ورفض التراكم”.

تعيدك تلك “المظلومية” الى مسببين اثنين. الأول، لم يحتمل عودة التمثيل المسيحي إلى الحكم. وكان على الضد من الصعود المسيحي الذي مثّله رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره. أو قل، ليس الصعود. انما العودة الى ما هو حق لهذه الجماعة على هذه الأرض وسُلب منهم بعد مأثرة اتفاق الطائف

عملياً، وبعيداً عن الشعارات، تعيدك تلك “المظلومية” الى مسببين اثنين. الأول، لم يحتمل عودة التمثيل المسيحي إلى الحكم. وكان على الضد من الصعود المسيحي الذي مثّله رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره. أو قل، ليس الصعود. انما العودة الى ما هو حق لهذه الجماعة على هذه الأرض وسُلب منهم بعد مأثرة اتفاق الطائف. هذه المأثرة جعلت المسيحيين أما في المنافي القسرية والطوعية، أو في السجون. وعلى الرغم من “الإحباط المسيحي العام” الذي استطال ردحاً من الزمن وبتواطؤ من المسلمين مجتمعين، سنةً وشيعةً ودروزاً، وبرعاية سورية كاملة الأوصاف استمدت شرعية التحكم بلبنان من أنظمة “أهل الأمة و”أهل العدد والمدد” والناقمين على وقائع تاريخية جبل لبنانية..

أما الشطر الثاني من المظلومية، وهو الأهم، فقد قام على معاداة فطرية لحزب الله، وما مثّله من اعلان الاستقلال الناجز عن “الأمة”، لمصلحة إرتباط عضويٍ عقائديٍ بإيران.. هذا لا يبرر على الاطلاق سيادة “مظلومية” عند مذهب برمته. وهذا لا يعني أن عموم الشيعة في لبنان مرتبطون بولاية المرشد السيد علي الخامنئي. وهذا أيضاً لا يعفي عن سؤال معنى الارتباط الغالب من سٌنة لبنان وعلى الدوام بالسعودية مع انشداد متواصل الى “العثمنة” بمعناها الامبراطوري وكونها دولة الخلافة. لقد سبق للرئيس فؤاد السنيورة ان كتب الى الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في العيد الوطني للمملكة وعلى صدر صحيفة خليجية، ان “لبنان هو خط الدفاع الأول عن المملكة العربية السعودية”. ماذا كان يمثل هذا الخطاب؟ وما هو معيار اللبنانية الصافية التي تربط “تيار المستقبل” بالسعودية؟

مظلومية من متن المجتمعات

ما تعرفه “المظلومية السنية اللبنانية” وتنكره هو أن سرديتها من ذاتها. من متن مجتمعاتها العربية والإسلامية. من افغانستان. من العراق وسقوط صدام حسين قبل أن يعلق على مشنقة وتلتقط كاميرات تلفونية كلماته الأخيرة. من صراع “حاكمية ” سيد قطب مع أنظمة، لا هي غادرت الملكية وما افلحت في أن تصير جمهورية. من دول كثيرة اعتقدت عن خطأ انها مددها. كمصر يوم وقّعت كامب ديفيد. ثم مصر التي راحت تتحكم بمعبر رفح وفقراء قطاع غزة. وما بينهما مصر التي تستعمل “الوعي الديني” زمن “الرئيس المؤمن” أنور السادات لتواجه به اليسار. ثم ما تلبث أن تصدّره مقاتلاً للشيوعية في أفغانستان. ويعودون الى بلادهم بوصفهم “الأفغان العرب”.

التطورات في المشرق والخليج كانت، على الأرجح، عنصراً حاسماً ومقرراً قي بلورة “المظلومية السُنية”. هذه التطورات على معناها السلبي كانت ضد “السُنة” وهم “طائفة حكم”. عندها تحولوا إلى “مذهب سلطة” شأنهم شأن الشيعة الذين راحوا يشكلون قوة صاعدة في زمنين. ومن مكانين. زمن لبناني مع السيد موسى الصدر. وآخر إيراني مع الإمام الخميني. هذا الصعود الشيعي اقتطع دوره من الإقليم السُني وفيه. كرّس نجاحات في القضية الفلسطينة. حمل راية الحرب ضد اسرائيل وعليها نيابة عن “أهل السنة”. حتى البناء الدولتي للنظام الديني الشيعي في إيران، كان أكثر وضوحاً وأشد تماسكاً مع خلفية حضارية بتماسك أيديولوجي.

ما يُقلق أن العناصر التي تصب في صالح الشيعة هي ذاتها مدعاة خوف على “اهل السنة”. وكذلك منهم. ووتيرة الخطر ترتفع بسرعة قياسية متى تلاقت عن قصد، أو بغيره، مع الفكر الجهادي والتكفيري الذي لم يصنعه لا المسيحي ولا الشيعي. صناعته كانت نتاج تصلب فكر أقفل على العقل أي نافذة للتفكير منذ القرن الهجري الرابع. وهو أيضاً نتاج رفض أسئلة العقل. وضد اليسار ـ وليس الشيوعية فقط ـ لأنه طرح معضلة العقل الأولى.

لـ”المظلومية السنية” معقولية تفسيرية تجد متنها في سياق سياسي معقد وطويل. لكن أخطر ما فيها أن تكون مهجوسة بـ”تقليد” الصعود الشيعي وبنيته الحالية. وهذا الهاجس جذره كان عام 2015 في قمة كامب ديفيد إذ دعا الرئيس الاميركي باراك أوباما القادة العرب إلى أن يحذو حذو إيران. يومها أُصيب أحد الأمراء العرب بذهول منعه عن الكلام لدقائق.

(الحلقة الثانية، المظلومية السنية: مشقة الزعامة)

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  لبنانيون يعترفون بمرارة: نستحق هذا البؤس!