داخل عقل كوهين.. الرجل الذي يقود إسرائيل

في العاشر من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2019، أجرت مجلة "ميشباخا" (العائلة) العبرية مقابلة نادرة مع مدير جهاز "الموساد" يوسي كوهين قال مخاطباً فيها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني "عليه أن يعلم أن التخلص منه ليس مستحيلًا"!

على عكس أسلافه الذين لم تُعرف عن الكثيرين منهم هوياتهم الحقيقية، يحرص كوهين على لقاء الصحفيين، سواء أكانوا إسرائيليين أم من الأجانب، ضمن مجموعات صغيرة في مكتبه في مقرّ “الموساد” عند تقاطع الطرق “جليلوت” شمال تل أبيب.

ساهم إنفتاح الرجل الأمني على الإعلام في رسم إنطباع غير مألوف عن جهاز معروف بالدموية والمكر والخداع، فصارت “كاريزما” المدير الحالي لجهاز “الموساد” هي الصورة الذهنية الحاضرة عند ذكر اسم الجهاز وأعماله. وهي صورة تطغى عليها أناقة وإبتسامة دائمتين بالنسبة لعامة الجمهور، والرقي والعمق لمن يدرك خطورة دور يوسي كوهين.

اتخذت المقابلة مع مجلة “ميشباخا” عدة أبعاد في هذا التوقيت بالذات، ما بين الرد على تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية في غزة والأزمة السياسية الإسرائيلية والتعليق على الظهور الإعلامي التلفزيوني للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق “القدس” في الحرس الثوري الإيراني (قبيل إغتياله بصواريخ أميركية).

لا بدّ من مراجعة موجزة للسيرة الذاتية ليوسي كوهين الذي يعتبره رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وكثيرون من طبقة الأغنياء في إسرائيل أحد المرشحين الجدّيين المؤهلين لقيادة الدولة العبرية في السنوات المقبلة.

مدير العلاقات العامة الإسرائيلية.. “الناعمة”

حين تولى يوسي كوهين مهامه في كانون الثاني/يناير 2016، كانت الملامح المسيطرة على المشهد الإقليمي المحيط بإسرائيل هو صعود ايران وحلفائها بعد نجاحهم في منع انهيار النظام السوري، تحويل اليمن الى مستنقع موحل للسعودية واستيعاب تهديدات “داعش” في العراق بعد اكتمال البنية التحتية والأمنية للقوات الحكومية مدعومةً بـ”الحشد الشعبي”. وقبل كل ذلك، صعود نوعي في قدرات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

بمعنى أن اللحظة التي استلم فيها كوهين منصبه كمدير للموساد خلفًا لـلجنرال تامير باردو كانت شديدة الحساسية كونها حملت تحولًا نوعيًا في البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية من التهديد الأحادي إلى التهديد المتعدد الجبهات.

سرعان ما شرع كوهين في كسر “الحصار” الاستراتيجي غير المعلن عن إسرائيل باختراق دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، مستندًا إلى مهاراته في العلاقات العامة.

ويُحكى أن أحد الإختبارات الأمنية التي كان كوهين يطلبها من المتدربين في الجهاز، قبل ترؤسه، الصعود الى شقة عشوائية في أحد مباني “تل أبيب” واقناع صاحبها بالخروج الى الشرفة والاشارة بإصبعه إلى شجرة في الشارع!

يهدف هذا الاختبار الى قياس مدى قدرة المتدرب على الاقناع.

ليست محاولات كوهين لاختراق الدول العربية جديدة، فعهد السلف تامير باردو تركزّ على العمليات “خلف خطوط العدو”، مع ما يتطلب ذلك من نسج علاقات لأهداف عملياتية.

لكن “النقلة” التي شهدها جهاز “الموساد” ما بين عهد المدير السابق والمدير الحالي، يمكن وصفه عبر استعراض خبرات باردو وخبرات خلفه كوهين.

فالأول، كان رئيس شعبة “نفيعوت” التقنية المسؤولة عن التسلل إلى أهداف مختلفة بهدف زرع أجهزة للتنصت والتصوير وعمليات أخرى ميدانية. في حين أن كوهين معروف بخبرته الواسعة في مجال الاستخبارات البشرية؛ أي “يومنيت”، التي ترتبط بتجنيد وتشغيل العملاء.

يمكن بوضوح ملاحظة بصمات كوهين على جهاز “الموساد” في الأعوام الثلاثة الماضية، فالعامل المشترك بين العديد من العمليات الأمنية الإسرائيلية هو التجنيد البشري الذي نجح في اختراق حتى “داعش”، المنظمة الشديدة الأدلجة.

لكن العمل الأمني لم يكن وحده العلامة الدامغة لعهد كوهين بل إن “العلاقات العامة” التي يجيدها الرجل الدائم الأناقة شكلّت العنصر الأهم في أدوات الهجوم الإسرائيلي باتجاه كسر بيئة التهديدات الاستراتيجية، فاستطاع مدير “الموساد” نسج شبكة من العلاقات مع دول خليجية وعربية عديدة ودفع بهذه العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة، حتى بات الحديث عن المصالح المشتركة والتعاون والرحلات الجوية والخطر الإيراني المشترك امرًا مألوفًا في الكواليس كما على المنابر السياسية والإعلامية.

ولأن الثورة التكنولوجية تستند إلى القدرة على تحليل المعلومات والبيانات، فإن يوسي كوهين؛ ضابط جمع المعلومات السابق ورئيس بعثة “الموساد” الى أوروبا في العام 1984، أولى أهمية خاصة لبرامج “الموساد” المرتبطة بتحليل البيانات الضخمة وبعقد شراكات وتفاهمات مع شركات الـ”هاي تك” الإسرائيلية.

إهتمام كوهين بالتكنولوجيا عكسه بإنشاء وحدة الكترونية تضم ألفي عنصر، في حين أن عدد بقية وحدات “الموساد” بأكمله 6500 عنصر، فضلًا عن ألف متعاقد.

وكما أثبت الرجل اتقانه لعبة الإعلام، فهو اتخذ خطوات غير مسبوقة على صعيد إدارة “الموساد” الذي بات يمتلك برنامجًا علنيًا لتمويل ودعم أي شاب او مجموعة شابة لديها فكرة ابتكار تكنولوجي يمكن الاستفادة منه.

لا يخفي كوهين طموحاته السياسية، وعلى الرغم من قوله إنه لم يقرر بعد بشكل حاسم، فإنه يصرّح بوضوح أنه يرى نفسه في القيادة الإسرائيلية في المستقبل. “الناس يقولون لي أن استطيع ارتداء حذاء نتنياهو”، يقول يوسي كوهين

إسرائيل 2020.. ماذا سيتغير؟

إقرأ على موقع 180  القضاء اللبناني والراهبتان.. والإنتفاضة والإعلام

سيواصل يوسي كوهين، الرمز الجديد القادم من فئة “الصابرا” (الإسرائيليون المولودون في الأراضي المحتلة)، سياسة الإغتيالات النوعية لخصوم إسرائيل، بالإستناد إلى البنية والموارد التي ستوفرها المزيد من العلاقات والتغلغل في البيئات الإقليمية في الشرق الأوسط.

هو نفسه علّق في مقابلته في “ميشباخا” على إطلالة قاسم سليماني التلفزيونية الأخيرة (التي عرض فيها وقائع من حرب تموز/يوليو 2006 عندما إنتقل من سوريا إلى لبنان برفقة عماد مغنية وأدار المعركة مع السيد حسن نصرالله) بالقول إن “قاسم سليماني يعلم أن التخلص منه ليس مستحيلًا”.

لا يمكن اعتبار هذا التصريح تبجحًا اسرائيليًا بهدف الترويج للقوة، فالمعروف عن “سليماني” حركته الميدانية الناشطة، والتي تزيد بطبيعة الحال من احتمالات استهدافه.

وبغض النظر عن مآلات المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية المفترضة، فإن حركة الطيران الإسرائيلي المتواصلة فوق غزة وجميع الأراضي اللبنانية في الأشهر القليلة الماضية وبلوغ الغارات الإسرائيلية الأراضي السورية والعراقية، تؤكد الإتجاه الإسرائيلي نحو تعزيز بنك الأهداف على مستوى أشد تحديدًا من المواقع العسكرية او المنصات الصاروخية، بل نحن أمام نشاط جوي شديد الإنخفاض بشكل غير مسبوق يهدف إلى “التشخيص” على مستوى الأفراد.

وفي مقابلته مع مجلة “ميشباخا” ذاتها، لا يتردد كوهين في الإجابة عن سؤال حول اغتيال فادي البطش؛ المهندس في “حماس”، في ماليزيا بالقول إن  حماس قررت عدم التحدث عن الإغتيالات التي تطال كوادرها حول العالم.

في الشق السياسي، لا يخفي كوهين طموحاته السياسية، وعلى الرغم من قوله إنه لم يقرر بعد بشكل حاسم، فإنه يصرّح بوضوح أنه يرى نفسه في القيادة الإسرائيلية في المستقبل. “الناس يقولون لي أن استطيع ارتداء حذاء نتنياهو”، يقول كوهين.

بكل الأحوال، سيتعين على مدير “الموساد” الإبتعاد لثلاثة أعوام عن الحقل العام بعد انتهاء ولايته المؤلفة من خمس سنوات بدأها في مطلع العام 2016، وتنتهي في العام 2021 قبل أن يكون بمقدوره الانخراط في العمل السياسي.

لكن كوهين يجهّز لتلك المرحلة التي يقود فيها إسرائيل سياسيًا، كما يقودها أمنيًا في الوقت الراهن.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

كاتب في مسائل التكنولوجيا

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  أين القضاة الشرفاء في لبنان؟