بيّون لـ 180: تركيا تبسط نفوذها القومي لا الديني

ما هي أهداف السياسة الخارجية التوسعية للرئيس التركي رجب طيب اروغان، وما هي ودوافعها وحدودها؟ ما هو مستقبل العلاقات الفرنسية – التركية المتدهورة؟ كيف ينوي الاتحاد الأوروبي التعامل مع هذا "الشريك المتوسطي الصعب"؟         

طرح موقع 180 هذه الأسئلة وغيرها على المدير المساعد لـ”معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” في باريس (IRIS) الأستاذ الجامعي الدكتور ديدييه بيّون، احد ابرز الخبراء الفرنسيين المختصين بقضايا تركيا والشرق الأوسط.

يبدأ ديديه بيون، الذي يتابع منذ اربعين عاماً وباهتمام مجريات الأوضاع في تركيا، بعرض واقع العلاقات الفرنسية – التركية المتأزمة قائلاً:”تمر العلاقات بين فرنسا وتركيا بمرحلة من التوتر والتدهور وما يزيدها صعوبة وتأزماً هو توظيف هذه العلاقة من قبل البلدين لأغراض سياسية داخلية، فنحن امام عملية مزايدة كلامية”.

في المضمون، “هناك خلاف حقيقي في وجهات النظر بين البلدين حول مواضيع ينبغي البحث بها بين الجانبين (سوريا، ليبيا، شرق المتوسط وغيرها). أما من حيث الشكل، فما يزيد في خطورة التباين العميق وفي تعقيد الامور، هي تلك المزايدة الكلامية التي يستعملها رئيسا الدولتين من اجل توظيف هذا الوضع المتشنج لأغراض سياسية داخلية”، يقول ديدييه بيّون.

فالرئيس اردوغان، الذي يواجه ازمة اقتصاديىة صعبة، “يحاول كما في كل مرة، اعادة رص صفوف ناخبيه مع إثارة وتأجيج الشعور القومي التركي. وهو بالغ في استعمال خطاب قومي لكي يبرهن أن البلدان الغربية، وخصوصا فرنسا، تسعى لفرض إرادتها وتلاحق حلمها التاريخي بإذلال بلاده وفرض سيطرتها عليها”. أما الرئيس ايمانويل ماكرون، “ومن خلال ابداء سياسة الحزم وتبنيه المواضيع المعادية لتركيا واثارة موضوع الانفصالية الاسلامية وغيرها من المواضيع الحساسة، فهو يسعى لكسب اصوات ناخبي اليمين المعتدل ويذهب الى حد استقطاب اصوات اليمين المتطرف. وقد بات ماكرون لا يفكر الا بهم واحد هو الانتخابات الرئاسية المقبلة”، يقول المدير المساعد لـ”معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” في باريس.

بيّون: إذا كانت لدى أردوغان ارادة في الهيمنة، فاعتقد ان ليس بامكانه الذهاب بعيدا كما ان ليس بمقدوره الارتقاء الى مصاف القيادة الاقليمية لأسباب عديدة

وحول انتقادات ماكرون لما وصفها بـ”السياسة التوسعية الاسلامية” لاردوغان يجيب بيّون:”لا احبذ استعمال عبارة التوسعية، لأنها تعني إرادة سياسية في تعديل الحدود وضم الأراضي، ونحن لم نصل الى هذا الحد. ان سياسة اردوغان هي سياسة بسط نفوذ واحيانا بطريقة عدوانية بهدف تعزيز قوة بلاده على مختلف المستويات، كما يرمي من وراء ذلك اثبات ان تركيا هي بلد يجب اخذه في الحسبان. أما اذا كانت لديه ارادة في الهيمنة، فاعتقد ان ليس بامكانه الذهاب بعيدا كما ان ليس بمقدوره الارتقاء الى مصاف القيادة الاقليمية لأسباب عديدة”.

يشير بيّون الى أنه “من الملح تهدئة اللعبة لأن من مصلحة الجانبين الفرنسي والتركي وقف التصعيد الكلامي على ان يحافط كل فريق على موقفه ويدافع عن مصالحه، وهذا امر طبيعي، ولكن لا فائدة من ارتفاع لهجة المواجهة”.

وحول اختلاف طريقة تعامل كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الالمانية أنغيلا ميركل مع الموضوع التركي، يقول بيّون: “اراد ماكرون، في ظل عدم اكتراث الولايات المتحدة في ظل ادارة دونالد ترامب للشؤون الاوروبية، ان يلعب دور القيادة في اعادة اطلاق الاتحاد الاوروبي وانتشاله من حال التعثر الذي يتخبط به والازمة العميقة التي يجتازها.. من حيث المبدأ هو على حق، لكنه قام بهذه المحاولة بشيء من الغطرسة والثقة بالنفس. الاوروبيون من جهتهم لم يتبعوه وافهموه ان القرارات لا تكون منفردة بل يجب ان تتخذ على مستوى الـ27 (الإتحاد)، فسياسة عرض العضلات والتشدد من قبل ماكرون لم تمر. بينما اتبعت انغيلا ميركل سياسة الصبر والتأني واللجوء الى الوسائل الديبلوماسية والوساطة والتفاوض”.

هل شروط الحوار بين الاوروبيين والاتراك متوفرة؟

يجيب الخبير الفرنسي المخضرم بالشؤون التركية: “العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وتركيا صعبة ومتراجعة لا بلتدهورت في الأشهر الاخيرة. لكن الاتحاد الاوروبي في قمته الاخيرة في بداية تشرين الاول/اكتوبر الحالي أثار موضوع  تحديث معاهدة الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الاوروبي وتركيا التي وضعت قبل 24 عاما. وفي حال تحققت هذه العملية، تكون خطوة ايجابية. اضافة الى ان الاوروبيين في قمتهم الاخيرة لم يستجيبوا إلى دعوة ماكرون لفرض عقوبات على تركيا وتم تأجيل الأمر الى القمة المقبلة في كانون الاول/ديسمبر المقبل، وهي المرة الثانية التي يقابل بها الموقف الفرنسي بالرفض (المرة الاولى في آب/ اغسطس الماضي)”.

ويبدو ان الاتحاد ألاوروبي قرر وضع النوايا التركية على المحك في مرحلة اختبار تستمر شهرين مع مراقبة كل تحركات أنقرة، وذلك  قبل اجراء عملية تقويم جديدة واتخاذ الخطوات المناسبة حيالها.

 وفي هذا الاطار، يبدو ان ألمانيا أصيبت بـ”الحرج الشديد” حيال اعلان أنقرة المستجد عن إرسال سفينة المسح الزلزالي “عروج ريس” قبالة جزيرتي كاستيلوريزو ورودس بغية استكشاف سبل التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، ما دفع اليونان للمطالبة من جديد بفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي.

إقرأ على موقع 180  في لبنان المنكوب.. الساحة لحكم التفاهة

من هنا كانت لافتة دعوة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس للأتراك الى “الكف عن الإستفزاز”، وارسال إشارة واضحة لإستياء برلين من خلال الغاء زيارته الى أنقرة في اطار جولته التي شملت اليونان وقبرص للاعراب عن التضامن معهما.

وحول حث ماس تركيا على “أن تظل منفتحة على المحادثات وعلى عدم استئناف التنقيب عن الغاز في المناطق البحرية محل النزاع”، يقول ديدييه بيّون إنه ثمة ضرورة لإحياء الحوار بين الجانبين التركي والأوروبي، “وعلينا أن ندرك أيضاً ان اردوغان ليس كل تركيا وليس ازلياً. وهذا البلد في نظري شريك استراتيجي وضروري للاتحاد الاوروبي ويجب عدم قطع الجسور معه بل الابقاء على قنوات التواصل معه بالرغم من اننا نمر في مرحلة صعبة ومتوترة ومعقدة”.

وعن الكلام حول هدف اردوغان اقامة “نيو- عثمانية”، يقول بيّون:”لا ارتاح لهذه العبارة، فالامبراطورية العثمانية هي مشروع اسلامي، كما ان الحالة الاسلامية التركية لها خصوصيتها، بينما ما يميز السياسة الخارجية التركية الحالية هو توجهها القومي القوي. اما بالنسبة لتحالف اردوغان مع حركة الاخوان المسلمين، فكان لسبب سياسي واستراتيجي خدمة لمصالح تركيا الراغبة في الاستفادة من اجواء الربيع العربي واقامة علاقات مع الانظمة الجديدة، من هنا جاء هذا الحلف ظرفياً”.

بيّون: “للأسف تحول لبنان مرة جديدة الى مركز صراع بين قوى خارجية على حساب المصالح اللبنانية. فالرئيس ماكرون اراد تعزيز الوجود الفرنسي في لبنان في وقت أنه يوجد حضور تركي في هذا البلد منذ عدة اعوام، ولكن لا يمكن اعتبار الساحة اللبنانية موضوع تنافس فرنسي – تركي”

هل تحوّل لبنان الى نقطة تجاذب وتنافس بين النفوذين الفرنسي والتركي؟

 يجيب بيّون: “للاسف تحول لبنان مرة جديدة الى مركز صراع بين قوى خارجية على حساب المصالح اللبنانية. فالرئيس ماكرون اراد تعزيز الوجود الفرنسي في لبنان في وقت أنه يوجد حضور تركي في هذا البلد منذ عدة اعوام، ولكن لا يمكن اعتبار الساحة اللبنانية موضوع تنافس فرنسي – تركي اساسي كما هي عليه المواجهة الفرنسية – التركية في ليبيا”.

وماذا عن الاستراتيجية الفرنسية في شرق المتوسط؟

يقول بيّون: “فرنسا راغبة في استعادة المبادرة في شرق المتوسط لكنها لا تملك تصوراً شاملاً. فالرئيس ماكرون يتمتع بميزة القدرة على التحرك السريع والتعامل الفوري مع أي حدث مستجد. ولكن لا توجد لديه أية خطة عمل سياسية شاملة على المدى المتوسط في هذه المنطقة من العالم”.

أما بالنسبة للتوجهات الاميركية والروسية في شرق المتوسط، فيرى بيّون ان الولايات المتحدة بقيادة ترامب “تعتمد سياسة فك الارتباط مع شرق المتوسط، أما البنتاغون فلديه رهانات استراتيجية مهمة ويلتزم موقف الترقب حيال توجهات كل من روسيا والصين، خصوصا وأن هذه الاخيرة تحاول حشر انفها في المنطقة. الروس، من جهتهم، رأوا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ان هناك فراغاً كبيراً وان الوجود الروسي اختفى تماما. لذلك هم عادوا إلى ملء هذا الفراغ بشكل ممنهج وإلى استعادة موقعهم في اللعبة الشرق اوسطية، كما ان نقطة ارتكازهم الحالية هي سوريا مع قاعدتهم البحرية التي تعطيهم نافذة يطلون منها على البحر المتوسط. كما اني مندهش بقدرة الرئيس فلاديمير بوتين باقامة علاقات جيدة مع كل الفرقاء في الشرق الاوسط وفي شرق المتوسط (الايرانيون، السعوديون، الاسرائيليون والاماراتيون إلخ..) وذلك بالرغم من وجود مجموعة من التناقضات”.

بيّون: أردوغان رجل تكتيكي بينما بوتين رجل إستراتيجي

وفي مقارنة سريعة بين بوتين وأردوغان، يقول بيّون: “أردوغان هو رجل تكتيكي يتحرك من خلال سياسة قصيرة النظر تمتد من سنتين الى خمس سنوات مع تراكم الأخطاء التي يرتكبها، كما انه غير قادر على رسم تصور او سياسة تذهب الى 15 سنة. بينما بوتين هو رجل استراتيجي لديه تصور سياسي يمتد الى سنوات عدة. ويمكن تشبيه اللعبة السياسية التي يمارسها كل من الرجلين كالآتي: بوتين هو لاعب شطرنج ماهر يرسم ويخطط بينما يكتفي اردوغان بان يكون لاعب طاولة زهر يتحرك بانفعال حسب نتيجة رمي حجري النرد”!.

ثمة حاجة ملحة في منطقة شرق المتوسط لرسم سياسات على المديين المتوسط والبعيد بدل السياسات القصيرة المدى، “وهذا هو المدخل الضروري والشرط الاساسي لاعادة الاستقرار وتوطيده بشكل دائم.قد يشكل التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط (الذي يعتبر احد عناصر المواجهة) مناسبة مهمة من أجل اقامة مسار تفاوضي حقيقي وعمل مشترك ولكن ضمن احترام سيادة كل بلد من بلدان المنطقة”، يختم ديدييه بيّون.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  خطاب نصرالله.. رسالة قاسية للحلفاء قبل الأعداء!