نظرية الأمن الإسرائيلي.. ما الذي تغيّر؟
TOPSHOT - This picture taken early on April 10, 2019 shows Israeli Likud Party campaign material and posters of Prime Minister Benjamin Netanyahu strown on the floor following election night at the party headquarters in the coastal city of Tel Aviv. (Photo by Jack GUEZ / AFP) (Photo credit should read JACK GUEZ/AFP via Getty Images)

«ماذا لو هزمت إسرائيل»؟ كان ذلك سؤالا افتراضيا فى كتاب أمريكي نشأت فكرته حين التقى فى نيويورك ثلاثة صحفيين من مجلة «النيوزويك» على غداء عمل هم: «ريتشارد تشيزنوف»، «إدوارد كلاين»، و«روبرت ليتل»، الذين غطوا أحداث حرب (1967) من الجانب الإسرائيلي.

برغم الطابع التخيلي لما جاء فى الكتاب، الذى صدر فى شباط/فبراير (١٩٦٩)، إلا أنه اعتمد بالأساس على أحداث واقعية، وقد كان هدفه المباشر التأثير على صانع القرار الأمريكي طلبا لمزيد من الدعم لإسرائيل، برغم كل ما حازته من سلاح ومال وما حصدته من نتائج عسكرية فاقت كل توقع وحساب.
«إسرائيل دائما مهددة، وأمريكا مقصرة والعرب يتحينون فرص الانتقام».
كان ذلك تلخيصا لجوهر نظرية الأمن الإسرائيلى بالمبالغة فى الخوف والتخويف.
بأثر النشوة الإسرائيلية مما حدث فى (1967) أعادت صياغة نظرية أمنها بمفارقة مثيرة، فإسرائيل المحاصرة من جيرانها والمهددة فى وجودها هزيمتها غير ممكنة.
فى حرب الاستنزاف اهتزت نظرية الأمن الإسرائيلى قبل أن تتعرض للكسر فى تشرين/أكتوبر (1973).
قبل أن تعبر القوات المصرية الجسور بقوة السلاح إنطوى «التوجيه الاستراتيجى»، الذى صدر إليها، على مقاربة لافتة لأهداف العمليات العسكرية، التى على وشك الاندلاع.
كان نص «التوجيه الاستراتيجي»: «تحدي نظرية الأمن الإسرائيلى، وذلك عن طريق عمل عسكري يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر للعدو وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأراضينا يفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه، وبالتالى فإن نظريته فى الأمن ــ على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري ــ ليس درعا من الفولاذ يحميه الآن أو فى المستقبل».
بدا النص مقتضبا صياغاته واضحة والتزاماته محددة، كتبه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» قبل أن يضيف إليه الرئيس «أنور السادات» بخط يده: «حسب إمكانيات القوات المسلحة».
لم تكن مبالغة بالإنشاء السياسي ما قيل فى الأيام الأولى لحرب أكتوبر من أنها كسرت نظرية الأمن الإسرائيلي، غير أن الإدارة السياسية أفضت إلى ترميم ما كسر وإضافة عناصر قوة غير مستحقة على نظرية الأمن الإسرائيلي حين حصلت بالسياسة على ما لم تحصل عليه بالسلاح.
راجعت إسرائيل تجربة الحرب، أعدت تقريرا مسهبا عن «التقصير» فيها، اعترفت بهزيمتها فى الأيام الأولى، لكنها حاولت تاليا أن تلخص النتائج فيما أطلقت عليه «لا نصر ولا هزيمة».
كان ذلك تأكيدا جديدا على أن هزيمتها غير ممكنة.
ثم تبدى بالوقت استعراضا مختلفا لما جرى ذهب إلى أن المصريين قد هزموا والإسرائيليين انتصروا.
شاعت تلك الرواية الإسرائيلية بأنحاء العالم، يكفى أن تطل على ما يكتب وينشر على الشبكة العنكبوتية، دون أن تنهض رواية مصرية ترد وتفحم بالوثائق الثابتة، وتؤكد الحقائق فى ذاكرة الزمن، حتى لا تنتصر إسرائيل بأثر رجعي وتتوارى تضحيات الرجال التى بذلت فى ميادين القتال، حين عبروا بشجاعة وقاتلوا بضراوة، وبذلوا فواتير الدم عن اقتناع أنهم يحاربون من أجل مستقبل بلادهم، قبل أن تخذلهم السياسة.
«برغم الموقف الضعيف في بداية الحرب الذى بدت عليه إسرائيل، قلبنا الموازين رأسا على عقب وحققنا النصر».
لم تكن تلك صياغة متفلتة من رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» بقدر ما كانت تعبيرا عن الأدبيات العسكرية والسياسية الإسرائيلية لنتائج حرب أكتوبر.
اعترافه بما تعرضت له القوات الإسرائيلية من هزيمة ساحقة فى الأيام الأولى من الحرب نصف الحقيقة التى لا يمكن إخفاؤها، لكنه أنكر نصف الحقيقة الآخر أن التدخل الأمريكي بإمدادات السلاح وتخاذل السياسة فى مصر سمح لإسرائيل الادعاء أنها الطرف المنتصر!
القضية ليست ماذا يقول «نتنياهو»، ولا ما يقول غيره من القيادات الإسرائيلية، بقدر ما هي ماذا نقول نحن، ومدى استعدادنا لمخاطر محدقة تنذر بتهميش الدور المصري إذا ما قدر للحقبة الإسرائيلية أن تتمدد بالتطبيع المجاني، أو بالتقسيم القسري لدول عربية، أو بالاستثمار فى أزمات وجودية تعترض البلد كأزمة «سد النهضة».

لم تكن التصريحات التلفزيونية، التى أطلقها الأمير السعودي «بندر بن سلطان» سفير السعودية الأسبق فى واشنطن محض رد على ما اعتبره جحودا ونكرانا لأدوار المملكة فى نصرة القضية الفلسطينية، بقدر ما كانت تمهيدا لقرب عقد اتفاقية تطبيع مع إسرائيل

هناك موجة تطبيع تشمل أعدادا متزايدة من الدول العربية، ترى بالمغالطة أن مصالحها وأمنها ووجودها نفسه فى الاعتراف المجاني بإسرائيل.
إنه التخويف النفسي والسياسي والعسكري، الذى صور لنظم عديدة أن نظرية الأمن الإسرائيلي لا يمكن كسرها بالحرب أو بغير الحرب، وأن الهزيمة قدر لا يمكن رده، وأن ذلك التخويف درع من فولاذ، يحمي الدولة العبرية الآن وفي المستقبل، كما يحمي أية دولة أخرى فى المنطقة تطلب الحماية والأمن باسم التعاون الاقتصادي وتبادل المنافع والمعلومات الاستخباراتية.
هذه هزيمة استراتيجية أمام نظرية الأمن الإسرائيلي، تناقض تضحيات وبطولات أكتوبر.
هكذا تندفع دولة مثل السودان إلى اتفاقية تطبيع، باسم واقعية سياسية ترى أن الشرط الأمريكي الرئيسي لرفع اسمها من على قائمة الإرهاب، أن تتخذ مثل هذه الخطوة، وأن يكون أقصى ما تطالب به بعض المعونات الاقتصادية!
السعودية تقف على الخط نفسه متأهبة لعقد اتفاقية تطبيع قريبا.
لم تكن التصريحات التلفزيونية، التى أطلقها الأمير السعودي «بندر بن سلطان» سفير السعودية الأسبق فى واشنطن محض رد على ما اعتبره جحودا ونكرانا لأدوار المملكة فى نصرة القضية الفلسطينية، بقدر ما كانت تمهيدا لقرب عقد اتفاقية تطبيع مع إسرائيل.
بالتاريخ، هو رجل على علاقات تاريخية وثيقة مع إدارة «جورج دبليو بوش» أثناء غزو العراق عام (2003)، وله صلات قديمة مع الإسرائيليين.
وبحكم عمله لسنوات رئيسا للاستخبارات السعودية فهو يعرف أهدافه مما يقول.
هكذا تصب السياسات والتحولات مجانيا فى طاحونة نظرية الأمن الإسرائيلي.
تقوى بغير استحقاق، تفرض إرادتها دون ممانعة، تطمح إلى قيادة الإقليم دون أن تتنازل عن مشروعها الاستيطاني وطبيعتها التوسعية.
نحن أمام نوع من المبايعة المجانية لـ«الحقبة الإسرائيلية»، أو إعادة تعريف للدولة العبرية، التى لم تعيّن أبدا منذ إعلان دولتها فى (15) أيار/مايو (1948) حدودها، ولا صاغت نظرية أمن وفق مصالح مشروعة، أو يمكن تقبلها وفق القوانين الدولية.
بالتماهي مع ما اسماه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بـ«سلام القوة» فإن كل شىء يتحرك باعتبارات الخوف والتخويف، وكل سياسة تستند إلى أدوات العملين العسكري والسري.
إذا ما مضى سيناريو التطبيع إلى آخره، دولة عربية بعد أخرى، فإن طبيعة الصراع لن تتغير، ولا إسرائيل بوارد تعديل نظرية أمنها.
مفتاح الموقف فى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكل شيء قابل للانهيار إذا ما مضت القوة الإسرائيلية إلى نهاياتها والتخاذل العربي إلى آخره.
طالما أن العرب قد جاءوا إلى أعتاب الدولة العبرية خشية قوتها وطلبا لحمايتها، فإن ما يحفظ مستقبل إسرائيل هو المضي قدماً في تأكيد نظرية أمنها من رفع منسوب قوتها واستخدامها بقدر ما هو ممكن ومتاح، بأعمال عسكرية واستخباراتية ضد مواقع فى سوريا ولبنان والعراق لأهداف سياسية بالمقام الأول لإثبات حضورها بإرهاب الآخرين.
أيا كانت درجات التعاون الاقتصادي وأحاديث السلام المخاتل يكاد يستحيل تماما أن تتخلى إسرائيل عن نظرية أمنها ودواعيها لامتلاك القوة ووسائلها فى التخويف.
على أبواب الحقبة المخيفة يكاد الدور المصري أن يكون مطلوبا إجهاضه بالتهميش حتى يكون ممكنا إفساح المجال للدور الإسرائيلي أن يكون مركز التفاعلات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.
بقدر التخاذل تكاد المنظومة العربية كلها أن تنهار.

إقرأ على موقع 180  لكل دولة وجماعة.. عدوها وحروبها!
 
Print Friendly, PDF & Email
عبدالله السناوي

كاتب عربي من مصر

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  هل تقتدي إيران بإسرائيل.. حفظ القنابل في القبو؟