رَفْعُ الموضوع إلى مجلس صيانة الدستور واشتراط الأخير تعديل المدة المقترحة لبدء الحكومة بتنفيذ المقررات فتح بدوره مساحة التحليل بشكل أوسع إذ ظهر ذلك وكأنه إشارة من إحدى أهم المؤسسات في منظومة الحكم الإيرانية باتجاه الغرب بشكل عام ترجمتها الدقيقة، إما الآن وإما لا كبيرة إلى الأبد.
كما أن الإشارة هنا قد تبدو وكأنها تخيير للأميركيين والأوروبيين بالدرجة الأولى بين التعامل مع حكومة الرئيس حسن روحاني التي أصبحت في الأشهر القليلة الأخيرة من حكمها، وبين إدارة إيرانية جديدة من غير المعلوم من سيتولاها وكيف ستكون نظرتها لأصل فكرة التفاوض مع الغرب واستمرار تعاونها مع المجتمع الدولي.
في هذا الإطار، برز تعليق رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف على الخطوة، إذ نفى في مقابلة مع التلفزيون الإيراني أن تكون خروجا من الاتفاق النووي، مشيراً إلى أن إيران التزمت بتعهداتها “لكنهم لم يلتزموا بتعهداتهم ويقومون بسرقة معلوماتنا وقاموا باغتيال قاسم سليماني ومحسن فخري زاده”.
وربط قاليباف الخطوة بالمادة 36 من الاتفاق النووي التي تعطي الحق لكل طرف بخفض تعهداته إذا لم يلتزم الطرف الآخر بتعهداته أيضًا.
من الزاوية الإيرانية، أصبحت الكرة الآن بشكل كامل في الملعب الأميركي وخطوات الرئيس المنتخب جو بايدن سوف تحدد المسار المقبل، لكن إيران في المقابل لا تعيش في عالم معزول عن الآخرين
ولعله من المنطقي افتراض أن اطلاع المجلس الأعلى للأمن القومي على المشروع وموافقته عليه نوع من تمهيد المجلس المذكور لإمكانية إعادة الملف النووي إليه، تماماً كما كان الحال في الإدارات التي سبقت انتخاب حسن روحاني رئيساً حيث جرى تحويل الملف إلى وزارة الخارجية. بذلك يصمّم المجلسان معاً ومعهم مجلس صيانة الدستور إطاراً عاماً للمستقبل يتضمن تطويراً مضطرداً للبرنامج النووي وإقفالاً للطريق أمام مسارٍ داخلي موازٍ يضع الحوار أولاً. هذا أيضاً يستهدف الآمال الخارجية بإبطاء المشروع النووي بحيث يعود مجدداً إلى ما كان عليه عند بدء تنفيذ الاتفاق في كانون الثاني/ يناير 2016.
يخشى الاوروبيون والأميركيون وصول إيران إلى حافة صناعة القنبلة النووية كما كان قد أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم التوصل إلى الاتفاق النووي في ١٤ تموز/ يوليو من العام ٢٠١٥. حينها، قال كيري إن خطة العمل الشاملة والمشتركة وضعت طهران على بعد سنة كاملة من إنتاج القنبلة في حال قررت الخروج من التسوية والاتجاه نحو التسليح.
ديبلوماسيون أجانب كانوا قد أسروا سابقاً أن البرنامج النووي الإيراني أصبح في مساحة لا يمكن فرملته بشكل نهائي، حتى ولو كان ذلك من خلال ضربات عسكرية أو اغتيالات، وهذا ينطبق على ما جرى في مفاعل نطنز أو اغتيال العالم محسن فخري زاده، حيث قد تخسر طهران وجهاً بارزاً أو تقدماً تقنياً لكن ذلك لا يمكن أن يؤثر في قدرة الإيرانيين على العودة إلى النقطة التي وصلوا إليها كون المعرفة النووية أصبحت بالكامل محلية ضمن كوادر الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية.
من الزاوية الإيرانية، أصبحت الكرة الآن بشكل كامل في الملعب الأميركي وخطوات الرئيس المنتخب جو بايدن سوف تحدد المسار المقبل، لكن إيران في المقابل لا تعيش في عالم معزول عن الآخرين. مقالة الصحافي الأميركي توماس فريدمان في وقت سابق من هذا الأسبوع في “نيويورك تايمز” ورسالته إلى بايدن تشير إلى أن الاولوية الآن هي لملف الصواريخ الباليستية، وهذا ما أكده وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، وهذا الملف أصبح كما البرنامج النووي سابقاً نقطة محورية في تعامل الغرب بشكل عام مع طهران، بينما تتعامل معه طهران على أنه حق لا يمكن التفاوض عليه.
لذلك وبالعودة إلى المشروع الذي تبناه المجلس، قد يسرع فعلاً في التواصل الأميركي مع طهران وفي خطوات لإنهاء مفاعيل مرحلة ترامب، لكن ذلك سيعني حتماً تسريعاً أيضا في طرح الملفات الخلافية الكبرى على الطاولة، الملف الصاروخي تحديداً، وهذا ما سيعني بداية تفجيرية لمرحلة قد تدفع طهران لإعادة التفكير بمنظومتها الردعية بشكل عام وربما في لحظة ضغط قصوى جديدة، في فتوى تحريم الأسلحة النووية.
(*) ينشر بالتزامن مع “جاده إيران“