اليسوعي وليد جنبلاط.. و”الفرقة الناجية”!
Lebanese opposition leader Walid Jumblatt is pictured during a press conference in the European Parliament in Strasbourg 13 April 2005 in the Plenary session of the European Parliament in Strasbourg.AFP PHOTO GERARD CERLES (Photo credit should read GERARD CERLES/AFP/GettyImages)

أن يطل وليد جنبلاط عبر قناة "الجديد" لمناسبة الذكرى الثالثة بعد المائة لولادة كمال جنبلاط.. فهذا يعني أن الزعيم الدرزي يعرف متى ومن أين ولماذا يُطل. والأهم ما هي الرسالة ـ أو الرسائل ـ التي يجب أن تصل؟

في العادة، فإن الإعلام بارع في إغواء الجميع. لكن جنبلاط يمتلك براعةً أعلى في إغواء الإعلام. عندما يريد مخاطبة ملوك العرب وقادتهم يختار الفضائية العربية المناسبة. مع الإعلامية جيزيل خوري، أطل مؤخراً ليقول للعرب ومن ورائهم الأميركيين أن الحرب التي شُنت على حزب الله أصابت من اللبنانيين مقتلاً، بينما الحزب أقام صرافات آلية “ATM” للمودعين في بيئته. إذا أراد توجيه رسائل إيجابية لـ”الممانعة”، فليكن هذا المنبر أو ذاك. يختار فضائية لبنانية بنكهة مسيحية مثلاً عندما يكون في حال تأرجح بين متناقضات ناشئة حديثاً أو هي في طور النشوء. أما إختياره تلفزيون “الجديد”، بعد أقل من شهرين على آخر إطلالة له عبر الشاشة نفسها، فإنه يُنبىء بتحسس ما يُريد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي إعلانه مواربةً. تحسس من فيضان مئوية لبنان الكبير عبر شاشات معينة إلى الحد الذي تلاشى فيه دور الدروز كطائفة شريكة للموارنة في لحظة تأسيس لبنان، الصغير ثم الكبير ثم..

إطلالة وليد جنبلاط في ذكرى جنبلاط الأب موجهة إلى جنبلاط الوريث. لا بد وأن يسمع تيمور ما يجب أن يسمعه هو وجيله عن جده وعن حزبه. الأساس هو التركيز على البعد الإجتماعي في شخصية مؤسس الحزب. الأمر مرتبط باللحظة الإقتصادية والإجتماعية والمالية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الأولى.

في اعتبارات الرجل، ثمة متغيرات دولية وإقليمية تبدأ من عند بدء العد العكسي لإنتهاء “حقبة الجنون” في البيت الأبيض، ومتتماتها في العالم والإقليم، إلى وصول جو بايدن الذي سبق له أن عرفه وإستضافه في قصر المختارة قبل أحد عشر عاماً. تدشّن عودة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض مسارات عبّرت عنها مقابلة الرئيس المنتخب مع توماس فريدمان، وبالتالي لا بد من الإستعداد لمرحلة جديدة في تعامل واشنطن مع أنظمة المنطقة ولا سيما الخليجية منها.. مرحلة سرّعت في التطبيع من جهة وفي إعادة وصل ما إنقطع بين أهل الخليج وأهل دمشق، من جهة أخرى ولو أن قنواته ما زالت خفية حتى الآن.

هذا هو وليد جنبلاط. في “لعبة الأمم” عليك أن تحفظ رأسك. والرأس في هذه اللحظة هم “بنو معروف”. الطائفة التي يسعى الزعيم الدرزي لأن تكون “الفرقة الناجية” من جحيم الخرائط والتحالفات والصراعات في منطقة تنام على شيء لتصحو على نقيضه. ومن أجل النجاة، فإن جنبلاط لن يتردد في الإقتراب من هذا أو الإبتعاد عن ذاك. الأولوية لحماية “الجماعة” مخافة إنقراضها.

لجنبلاط حليف وحيد في يومنا هذا هو نبيه بري. لكن ثمة مُخاصمة لا بد منها لن يُباشرها جنبلاط من تلقاء ذاته. ذلك أن جذرها قدّمه سعد الحريري بنفسه عندما سأل جنبلاط عن رأيه بمنح حقيبتي السياحة والخارجية للوزير الجنبلاطي الهوى والهوية. وجنبلاط اليسوعي السلوك إذ يرد على السؤال بمثله سأل زعيم “تيار المستقبل” ـ بعد برهة من الصمت الهاتفي بينهما ـ ما إذا كان سيُطعم الدروز سياحةً متلاشية أم خارجية منثورة في ظل إنهيار كبير يعيشه لبنان راهناً ومن المُرجح أن يمتد لسنوات عديدة وكثيرة مُقبلة. طلب الحريري إلى جنبلاط ألا يُكاسره سياسياً وأن يترك أمر الإنفجار الحكومي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، طالما أن الأمر لا يتعدى حدود المناورة: دع الإعتراض على التشكيلة يأتي من بعبدا لا من كليمنصو. هذه هي حسابات البيدر الحريري وهي حتماً مُختلفة عن بيادر الجنبلاطية. الأول يركن إلى “مناورات وهمية”. الثاني لا يريد تثبيت أعراف جديدة حتى ولو كانت “مجرد حبر على ورق”.

“لا مقدس في السياسة”، عبارة قالها جنبلاط ذات مرة. في الواقع المقدس بالنسبة إلى جنبلاط هو العطاءات التي تبقي الزعيم زعيماً. فإذا لم يقدم “العطايا”، سيحتل وئام وهاب أو غيره مكانه أو بعضه. فكيف إذا أمكن لبعض خصومه في الجبل إن بلغوا عتبة بيوت المال الخليجية؟

بهذا المعنى، ربما تفوق وليد جنبلاط على والده الشهيد كمال جنبلاط. الأرجح تعلم من خسارة والده كيف يربح. لهذا يعرف تماماً كيفية الإختيار بدقة متى يكون مُحاوراً ومتى يكون خصماً. خياراته وإختياراته لا تتأتى من عبثٍ فالرجل ورث الكثير من الحلفاء والخصوم. وهو نفسه أنشأ مثلها وما يزيد في تحولاته وتبدلاته. هاجسه المستمر في التاريخ وقلقه الدائم من الجغرافيا والديموغرافيا.

ما يريده وليد جنبلاط في هذه اللحظة ليس سياسياً على الإطلاق. أكثر من ذلك، فهو لا يريد راهناً أي موقع يتحمل منه وفيه أثمانا باهظة. ما يطمح إليه الآن صاحب الدفترين ـ كما يصف نفسه ـ “وزارة عطايا”. وكما قال في إطار ما أسماها “مزحة ثقيلة” في تغريدته:”لا يريد السياحة”. ويتهرب من الخارجية  بحجة أننا في “بلد مقسوم”. أي أنه لا يريد أن يقوم بأي دور سياسي فاعل مع إنتفاء السياسة في لبنان.

إقرأ على موقع 180  عصام عبدالله.. ماذا ستروي لشيرين؟

جنبلاط في استنتاجاته المتكررة يخلص إلى أن المنتصر الأكبر والعامل الأقوى هو حزب الله الذي ينتظر ويقوم بترتيباته العملانية على الارض. وجنبلاط الذي يريد حصته، وهو “ملك المحاصصة” (بحسب توصيف نائب رئيس تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش) في اكثر من اتجاه، بدءاً من وزارة الصحة فوزارة التربية يصارع بحثاً عن حصة فاعلة للدروز، لذلك يصير مفهوماً قوله عن “لعب الاولاد في التحاصص بين ميشال عون وسعد الحريري هو مهزلة حقيقية”. هكذا انتظرها سعد الحريري من الغرب فأتته من الشرق.

“لا مقدس في السياسة”، عبارة قالها جنبلاط ذات مرة. في الواقع المقدس بالنسبة إلى جنبلاط هو العطاءات التي تبقي الزعيم زعيماً. فإذا لم يقدم “العطايا”، سيحتل وئام وهاب أو غيره مكانه أو بعضه. فكيف إذا أمكن لبعض خصومه في الجبل إن بلغوا عتبة بيوت المال الخليجية؟

النقطة المشتركة بين معظم السياسيين هي البحث عن شبكة خدمات أو أمان للقطيع الطائفي. ما يريده جنبلاط واضح وضوح الشمس، الإبتعاد عن الأدوار السياسية لصالح الاداء الخدماتي. وحبذا لو أسندت إلى “وزيره” وزارة خدماتية لا حقيبة سيادية “بلا نكهة ولا لون ولا رائحة”..

وحده جنبلاط يعرف متى يهاجم ومتى يدافع ومتى يتراجع ويعتذر. يفعل ذلك بجرأة تبلغ حد الوقاحة. يتنقل بين الأممية الرابعة وحارة جندل في الشوف بسهولة ويُسر شديدين

سؤال جنبلاط إلى الحريري عما سيُطعمه للدروز من وزارتي الخارجية والسياحة يختصر جوهر السياسة اللبنانية، ويظهر المآل الذي توهمه اللبنانيون من مبادرة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي ما عاد يعرف كيف يحصي الخيبات.

وليد جنبلاط المتقلّب حيناً، والمتوجس دائماً من حزب الله، كما كان متوجساً ومرعوباً من النظام السوري، هو نفسه يتحول كونياً وأممياً واشتراكياً في لحظة واحدة. وهو ذاته المحافظ على الإقطاعية متى استلزم الأمر. وهو العروبي، علماً أن العروبة عنده ذات اوجه متناقضة في سياسته: فقد أيد عروبة “سوريا الأسد” على مدى ثلاثة عقود، وارسل مرتزقة للقتال في ليبيا في مواجهة تشاد انتصاراً لعطايا العقيد معمر القذافي وكتابه الأخضر وعروبته العظمى. كان يستنجد بمصر جمال عبد الناصر، من دون أن ينسى تمجيد لقاءات والده كمال جنبلاط مع انور السادات ومع ملوك وأمراء السعودية ولا سيما عبدالله بن عبد العزيز.

وحده جنبلاط يعرف متى يهاجم ومتى يدافع ومتى يتراجع ويعتذر. يفعل ذلك بجرأة تبلغ حد الوقاحة. يتنقل بين الأممية الرابعة وحارة جندل في الشوف بسهولة ويُسر شديدين. منذ فترة ليست بعيدة  تباهى أنه افتعل 7 أيار عام 2008، وقال “لقد حمسوني وأخطأت”.

الآن ليس زمن الحرب بالنسبة إليه. إنه زمن الجوع والحساب فقط للحجم والعدد، أي للطائفة القلقة دائماً. لا ينفي ذلك تدعيم الحصون، لا سيما أن “السيف أصدق إنباء من الكتب”. السيف في أيامنا هذه “غرفة الأوضاع” التي قررت أن تشيطن مناصري جنبلاط في الوزارات والإدارات بدءاً من مغارة علي بابا في وزارة وصندوق المهجرين.. والحبل على الجرار.

جنبلاط قلق. حتماً أكثر قلقاً من اي وقت مضى. أسبابه وجودية. الحماية لن تأتي إلا من مطرح واحد. قدرة جماعته على الصمود. الإستحقاقات الآتية أكبر من قدرته على التحكم بها. فلتكن البداية صوتية.. وعبر شاشة صغيرة.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "البروباغندا" تنقلب على صاحبها بعد 7 أكتوبر!