إيران محورية في سياسة بايدن الشرق أوسطية
TOPSHOT - Young girls walk in front of a mural showing the Iranian national flag in the centre of the capital Tehran, on April 23, 2019. - The White House announced yesterday it was calling an end to six-month waivers that had exempted several countries from unilateral US sanctions on Iranian oil exports. (Photo by ATTA KENARE / AFP) (Photo credit should read ATTA KENARE/AFP via Getty Images)

منذ سنوات، هناك من يردد في واشنطن أن الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط هي اللاإستراتيجية. من يراقب أداء دونالد ترامب طيلة أربع سنوات، يزداد إقتناعاً بالأمر. هل سيتغير المشهد مع الإدارة الأميركية الجديدة؟

تمحورت مقاربات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسياسته تجاه إيران ومنطقة الشرق الأوسط من زاوية مصلحة اسرائيل أولاً، وهذا الركيزة (أي أمن إسرائيل) ثابتة مع الإدارات المتعاقبة. تولى قيادة تلك السياسة الترامبية صهر الرئيس جاريد كوشنير، أحد عرابي “صفقة القرن”، في مسار دشنه مع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الشرقية في أيار/مايو 2018، وتوّجه بإتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من دول الخليج العربي إنتهاءً بالسودان برعاية أميركية كاملة، وآخرها الإجتماع الثلاثي بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مدينة نيوم السعودية على البحر الأحمر ومحاولته (كوشنير) ترميم العلاقات الخليجية ولا سيما بين قطر والسعودية.

حتى عندما قررت إدارة ترامب إلغاء الإتفاق النووي في العام 2018 أو عندما قررت إغتيال الجنرال قاسم سليماني (كانون الثاني/ يناير 2020)، أو حتى عندما صادقت من بعيد على قرار حكومة إسرائيل بالتخلص من اب المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده، فإنها كانت وما زالت تعمل خبط عشواء ومن دون الإستناد إلى رؤية إستراتيجية راسخة في الشرق الأوسط.  ترامب، وفق خبراء أميركيين، لا يُفكّر إلا بمنطق “أميركا أولاً”، أو البيع والشراء “بالقطعة”، أي كرئيس شركة عقارية وليس كرئيس أقوى دولة في العالم، لا سيما بعد أن قرر إدارة ظهره إلى حلفائه أكان في حلف شمال الأطلسي أو في القارة الأوروبية أو من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادىء.

مع جو بايدن، يمكن تلمس ملامح السياسة الخارجية الأميركية من خلال الفريق الذي إختاره ولا سيما مع تعيين أنتوني بلينكين في منصب وزير الخارجية، وكما قال الرئيس المنتخب، “فإن أميركا قد عادت الى العالم وإلى قيادته”. التعيين بحد ذاته فيه إعادة إعتبار لمنطق التعامل الواقعي المبني على معطيات “اليد المخملية والعصا الغليظة”، اي سياسة الولايات المتحدة المبنية على الواقع  والوقائع والحسابات السياسية الدقيقة. أميركا دولة تقدم مصالحها على كل ما عداها، وهنا لا بد من توضيح أبرز تلك المصالح في الشرق الأوسط، وفي طليعتها النفط والغاز.

صحيح أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم ولكن دول الخليج وتحديداً السعودية ما زالت تشكل منطقة حيوية جداً بالنسبة إلى إمداد الأسواق العالمية بالنفط، وبالتالي هي جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الأميركية لبايدن، خاصة في ظل التمدد الروسي في الشرق الأوسط، من سوريا الى ليبيا وحتى إلى أفريقيا بكل ما تخبئه من ثروات إقتصادية موعودة (ثمة ترقب أميركي للتغلغل الصيني أيضاً في القارة السوداء). لذلك، أنشأ الأميركيون وبعض حلفائهم الغربيين قواعد عسكرية في الخليج العربي، وهذا الواقع تحدث عنه باراك أوباما في كتابه “الأرض الموعودة” بإشارته إلى أن هذه القواعد باتت معرضة لخطر الصواريخ البالستية الإيرانية، فيما إشترط ترامب على الخليجيين أن يفتحوا خزائنهم لأجل حمايتهم: المال، المال، المال!

لا يستطيع جو بايدن العودة الى الإتفاق النووي مجاناً، وفق الصيغة التي أبرمها باراك أوباما في العام 2015، لأسباب عديدة وأبرزها أن إيران وبعد إنسحاب أميركا من الإتفاق النووي، زادت قدرات التخصيب النووي وزاد مخزونها المخُصّب

في الوقت نفسه، كانت حماية إسرائيل وما تزال في صلب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ حرب العام 1967 حتى يومنا هذا. اليوم ربما تتغير المعادلة، إذا قررت أميركا الإنسحاب من المنطقة، فإن الإستراتيجية الأميركية تعود إلى ما كانت عليه قبل تشرين/أكتوبر 1973، كما يقول سفير لبنان الأسبق في واشنطن الدكتور عبدالله بو حبيب، أي أن إسرائيل معنية بحماية نفسها وليست هناك قوة قادرة على تهديد أمنها بل يمكنها أن تصبح ضامنة لأمن بعض الدول العربية، وهذا الأمر ليس بعيداً عن صلب مسار التطبيع الخليجي ـ الإسرائيلي.

لا يستطيع جو بايدن العودة الى الإتفاق النووي مجاناً، وفق الصيغة التي أبرمها باراك أوباما في العام 2015، لأسباب عديدة وأبرزها أن إيران وبعد إنسحاب أميركا من الإتفاق النووي، زادت قدرات التخصيب النووي وزاد مخزونها المخُصّب، وعندما سيطالبها بايدن بالعودة إلى السقوف المحددة في الإتفاق، مقابل رفع العقوبات، لن تسلّم إيران هذا المخزون من دون أخذ شيء في المقابل من الأميركيين. يقود ذلك للإستنتاج أن الطرفين محكومان بخوض مفاوضات شاقة للتوصل الى إتفاق نووي جديد. إدارة بايدن لديها أوراق جمعتها من إدارة ترامب برغم سياستها الخبط عشواء، ولكنها تمكنت بالعقوبات التي فرضتها على النظام الإيراني وحلفائه من عزلهم عن النظام المالي العالمي وخلق أزمات إقتصادية ومالية تشهد عليها عواصم طهران وبغداد ودمشق وبيروت، وأيضاً غزة. كما أدت العقوبات إلى تراجع كميات النفط التي تصدرها إيران إلى نحو ربع الكميّة التي كانت تصدّرها قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي (أيار/مايو 2018)، وهذا الأمر يحرم الحكومة الإيرانية من حوالي 50 مليار دولار من الإيرادات السنوية، حسب الصحافة الأميركية.

إقرأ على موقع 180  "فورين أفيرز": واشنطن تدفع باتجاه تطبيع سعودي-إسرائيلي أجوف!

زدْ على ذلك أن سياسة “الضغوط القصوى” على إيران أدت إلى إطلاق يد تل أبيب العسكرية في سوريا، بضوء أخضر أميركي حماية لمصالح إسرائيل، كما لامست هذه السياسة أراضي العراق، عبر سلسلة هجمات إستهدفت مراكز للحشد الشعبي قرب الحدود السورية العراقية وداخل العراق، وصولا إلى شن عدة عمليات أمنية إسرائيلية في العمق الإيراني، وهو مسار بلغ ذروته ما إغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، فضلاً عن إستهداف الجنرال قاسم سليماني قبل حوالي السنة، بأيدي الأميركيين.

إن إدارة بايدن أمام تحدٍ كبير في سياستها تجاه إيران خاصة وإن الأخيرة قد وضعت تحت إبطها خمس سنوات من التقدم والبحث والتصنيع العسكري الصاروخي الإيراني. صحيح أن إيران لم تستطع أن تضع صاروخا في مدار ثابت حول الأرض وذلك بسبب التخريب المستمر لبرنامجها الصاروخي، وأكبر دليل على ذلك عمليات التخريب الإسرائيلية – الأميركية في نطنز وحتى الإنفجارات والحرائق التي تكررت مؤخراً في العديد من الأماكن في إيران وصولاً إلى إغتيال فخري زاده. إن هذا الأمر سيكون موضع أخذ ورد خاصة وأن إيران ببرامجها الصاروخية، ولا سيما البالستية والدقيقة، أعادت تشكيل الشرق الأوسط، كما قال الصحافي الأميركي المخضرم توماس فريدمان في رسالته الأخيرة إلى الرئيس المنتخب، قبل أن يرد عليه بايدن أن إدارته ستخوض بالتنسيق مع شركائها مفاوضات مع الإيرانيين بشأن هذه الصواريخ، لكن أفضل طريقة لتحقيق الإستقرار هي التعامل مع البرنامج النووي، “فإذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم بالاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات”.

إدارة بايدن، ومن خلال تثبيت أنتوني بلينكين وزيراً للخارجية، تعطي إشارة للإيرانيين أنها ليست بوارد القيام بمغامرات عسكرية لا طائل منها بل هي مهتمة أكثر بالتفاوض، لكن التفاوض لا يعني تخلي بايدن عن أية أوراق يانصيب حصل عليها مجاناً من قبل إدارة ترامب، ومنها العقوبات

بالمقابل، لن تتنازل طهران عن أي من أوراقها مجاناً، إلا إذا منيت بهزيمة كبيرة وهذا لن يحصل الا في حالة نشوب حرب إقليمية وكانت نتيجتها هزيمة عسكرية لإيران وهذا الأمر مستبعد، فإدارة الرئيس المنتخب، ومن خلال تثبيت أنتوني بلينكين وزيراً للخارجية، تعطي إشارة للإيرانيين أنها ليست بوارد القيام بمغامرات عسكرية لا طائل منها بل هي مهتمة أكثر بالتفاوض، لكن التفاوض لا يعني تخلي بايدن عن أية أوراق يانصيب حصل عليها مجاناً من قبل إدارة ترامب، ومنها العقوبات (قال بايدن “لدينا دائمًا خيار إعادة فرض العقوبات إذا لزم الأمر”).

يسري ذلك على تعامل الأميركيين مع العديد من ساحات الشرق الأوسط ولا سيما العراق من خلال تعزيز وتقوية مكانة وقدرة حكومة مصطفى الكاظمي ودفعه لتطوير مواقفه بمواجهة الحشد الشعبي وإحتواء النفوذ الإيراني في العراق. يسري ذلك أيضا على الأكراد وتعزيز حضورهم في المعادلة العراقية كما في المعادلة السورية وهذه ستكون نقطة حساسة في العلاقات الأميركية التركية في المرحلة المقبلة.

بناء عليه، فإن المواجهة الإيرانية ـ الأميركية ستتركز في العراق أكثر من أي مكان آخر في الشرق الأوسط، وبالتالي قد تتعمق المواجهة بين الطرفين وهذا ما سيدفع الولايات المتحدة لإنشاء “نموذج عراقي دولتي”، مع ما قد يواجهه من إستعصاء في ظل حالة الفوضى التي يشهدها العراق.

يقود ذلك إلى الإستنتاج أن الولايات المتحدة ستسير في طريق محفوف بالمخاطر وعدم الوضوح السياسي لأن سياسة الإدارات السابقة بما فيها إدارة أوباما ومن قبلها إدارة جورج دبليو بوش كانت كوارثية على العراق كما أشار أوباما في كتابه “الأرض الموعودة” (راجع الحلقة الأخيرة من مقالات الزميل سامي كليب) حيث كتب الرئيس السابق أوباما عن كارثية ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. فهم تركوا العراق بسياستهم الغبية ورموه في أحضان إيران.

حتى سياسة أوباما التي إعتمدت بداية على سياسة رد الفعل على سياسة جورج بوش، أدت إلى الإنسحاب المبكر من ثم العودة عن ذلك الإنسحاب وتعزيز القوات العسكرية الأميركية في العراق ومن ثم الدخول في معارك طاحنة ضد داعش من ضمن التحالف الدولي. فالرئيس ترامب أعلن مؤخراً عن سحب 700 جندي أميركي ولكن وزارة الدفاع وعبر مايك بومبيو الذي يدير فعليا السياسة الخارجية والقرارات العسكرية للبنتاغون قد قرر إرسال 400 عسكري الى العراق لضرورات أمنية (راجع ملاك عبدالله، موقع 180 بوست، بتاريخ 25\11\2020).

إن هذا الخط المتعرج في السياسة الأميركية لا يمكن أن يستمر من دون تصور إستراتيجي واضح: السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه إيران؛ هل ستكون عبارة عن مواجهة مستمرة أم مفاوضات على وقع التحديات المقبلة؟

الأكيد أن المسألة الإيرانية ستكون محورية في سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  بين ثورة الخميني وبراغماتية خامنئي.. إيران قوة إقليمية كبرى!