فريدمان لبايدن: عزيزي جو، إنها الصواريخ الدقيقة!
BQAIQ, SAUDI ARABIA - SEPTEMBER 14, 2019: Smoke billows from Saudi Aramco's oil processing plants in Abqaiq and Khurais, Saudi Arabia. (Photo by Orbital Horizon/Copernicus Sentinel Data 2019/Gallo Images via Getty Images)

في مقالته الأسبوعية في صحيفة "نيويورك تايمز"، وجّه الصحافي الأميركي المخضرم توماس فريدمان نصيحة للذين يستعدون للإحتفال بعودة جو بايدن إلى الإتفاق النووي، وقال لهم "احتفظوا بالشمبانيا في الثلاجة. المسألة معقدة"، ووجه ما يشبه الرسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب تضمنت الآتي:

“عزيزي جو،

مع اغتيال إسرائيل أكبر مصمم للرؤوس النووية الإيرانية (العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده)، يعد الشرق الأوسط بتعقيد مهمة جو بايدن من اليوم الأول. يعرف الرئيس المنتخب بايدن المنطقة جيدًا، لكن إذا كانت لي نصيحة واحدة له، فستكون كما يلي: هذا ليس الشرق الأوسط الذي تركته قبل أربع سنوات.

أفضل طريقة لبايدن لتقدير الشرق الأوسط الجديد هي دراسة ما حدث في الساعات الأولى من يوم 14 أيلول/سبتمبر 2019، عندما أطلقت القوات الجوية الإيرانية 20 طائرة من دون طيار وصواريخ كروز دقيقة التوجيه على (حقل) بقيق، أحدى أهم حقول النفط ومراكز المعالجة في السعودية، مما تسبب بأضرار جسيمة. لقد كان حدثاً أساسياً.

كانت الطائرات الإيرانية من دون طيار وصواريخ كروز (الإيرانية) تحلق على ارتفاع منخفض للغاية وبطريقة خفية إلى درجة أن الرادارات السعودية أو الأميركية لم تكتشف إقلاعها أو هجومها الوشيك في الوقت المناسب. جادل المحللون العسكريون الإسرائيليون، الذين أذهلتهم القدرات التي أظهرها الإيرانيون، بأن هذا الهجوم المفاجئ كان بمثابة “بيرل هاربور” الشرق الأوسط.

كانوا على صواب. تمت إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال هذه الضربة الصاروخية الإيرانية الدقيقة، ومن خلال رد الرئيس ترامب ورد إسرائيل ورد السعودية والإمارات. والكثير من المراقبين لم ينتبهوا للعملية.

أولاً، كيف كان رد فعل الرئيس ترامب؟ لم يفعل شيئاً. لم يشن ضربة انتقامية نيابة عن السعودية – على الرغم من أن إيران، ومن دون استفزاز، هاجمت قلب البنية التحتية النفطية في السعودية.

بعد بضعة أسابيع، أرسل ترامب 3000 جندي أميركي وبضع بطاريات مضادة للصواريخ إلى السعودية لتعزيز دفاعاتها، ولكن مع رسالة في  11تشرين الأول/أكتوبر 2019 تضمنت الآتي: “نرسل قوات وأشياء أخرى إلى الشرق الأوسط لمساعدة السعودية. لكن هل أنتم مستعدون؟ وافقت السعودية، بناء على طلبي، على أن تدفع لنا مقابل كل ما نقوم به. هذه سابقة”.

من المؤكد أنها كانت المرة الأولى. لكنني لست هنا لانتقاد ترامب. كان يعكس ذلك تغييراً عميقاً لدى الرأي العام الأميركي. كانت رسالته (أي ترامب): “أعزائي السعوديين، أميركا الآن هي أكبر منتج للنفط في العالم. نحن نخرج من الشرق الأوسط. يسعدنا أن نبيعكم أكبر عدد ممكن من الأسلحة يمكنكم دفع ثمنها نقدًا، لكن لا تعتمدوا علينا لخوض معارككم. هل تريدون قوات أميركية (لحمايتكم)؟ أخرجوا نقودكم”.

هذا التحول الواضح في الموقف الأميركي أدى إلى ولادة أول عنصر جديد سيواجهه بايدن في هذا الشرق الأوسط الجديد، وهو اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات وبين إسرائيل والبحرين والمستويات الجديدة من التعاون الأمني بين إسرائيل والسعودية والتي ستزدهر وتتحول إلى علاقات رسمية قريبا، (خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار السعودية في الأسبوع الماضي).

في الواقع، أجبر ترامب إسرائيل والدول العربية السنية الرئيسية على أن تصبح أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة والتفكير في كيفية التعاون في ما بينها بشأن التهديدات الجديدة – مثل إيران – بدلاً من القتال من أجل القضايا القديمة – مثل فلسطين. قد يمكّن ذلك أميركا من تأمين مصالحها في المنطقة بأقل دماء وبأقل أموال. قد يكون هذا الإنجاز الأكثر أهمية في السياسة الخارجية لترامب.

لكن النتيجة الرئيسية هي أنه بينما يدرس بايدن إعادة فتح المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي تخلى عنه ترامب في العام 2018 يمكنه أن يتوقع أن يجد إسرائيل والسعودية والبحرين والإمارات يعملون كتحالف فضفاض مناهض لإيران. يكاد يكون من المؤكد أن هذا سيعقد الأمور بالنسبة لبايدن، بسبب التداعيات الضخمة الثانية للهجوم الإيراني على بقيق: تأثيره على إسرائيل (الصواريخ الدقيقة).

بعد أن ألغى ترامب الاتفاق النووي، تخلت إيران عن التزاماتها بتقييد تخصيب اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لصنع قنبلة نووية. لكن منذ انتخاب بايدن، قالت إيران إنها مستعدة للعودة “أوتوماتيكياً” إلى التزاماتها النووية إذا رفع بايدن العقوبات المشددة التي فرضها ترامب. وقالت طهران إنه فقط بعد رفع تلك العقوبات، يمكن أن تناقش القضايا الإقليمية، مثل القيود على صادرات إيران من الصواريخ الدقيقة وقدراتها.

عند هذه النقطة تحديداً ستبدأ المشاكل بالنسبة لبايدن. نعم، تريد إسرائيل والدول العربية السنية التأكد من أن إيران لن تستطيع أبدًا تطوير سلاح نووي. لكن بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين سيقولون لك اليوم أن احتمال امتلاك إيران سلاحًا نوويًا ليس هو ما يبقيهم مستيقظين في الليل – لأنهم لا يرون أن طهران ستستخدمه. هذا    سيكون انتحاراً والزعماء الدينيون في إيران ليسوا انتحاريين. لكنهم قتلة.

وأسلحة إيران الجديدة المفضلة للقتل هي الصواريخ الدقيقة، التي استخدمتها ضد السعودية والتي تواصل محاولة تصديرها إلى وكلائها في لبنان واليمن وسوريا والعراق، مما يشكل تهديدًا فوريًا بالقتل لإسرائيل والسعودية والإمارات والعراق والقوات الأميركية في المنطقة (تمتلك إيران شبكة من المصانع التي تصنع صواريخها الموجهة بدقة).

إقرأ على موقع 180  دفاتر علي ناصر محمد.. عدن من القبيلة إلى الإشتراكية!

إذا حاول بايدن التوصل إلى تفاهم مع إيران حول برنامجها النووي والتخلي عن العقوبات قبل التفاهم على صادرات إيران من الصواريخ الدقيقة فسيواجه مقاومة من إسرائيل والسعودية والإمارات.

لماذا؟

كل ذلك في كلمة “دقة” (أو دقيقة).

في حرب العام 2006 في لبنان، كان على حزب الله، إطلاق حوالي 20 صاروخ أرض-أرض غبي وغير موجه بمدى محدود على أمل تدمير هدف إسرائيلي واحد.

الآن، مع الصواريخ الدقيقة الموجهة المصنعة في إيران، يحتاج حزب الله – نظريًا – فقط إلى إطلاق 20 صاروخا على 20 هدفًا مختلفًا في إسرائيل مع احتمال كبير أن يصيب كل واحد منها هدفه، مثل المطارات والمفاعل النووي والموانئ ومولدات الطاقة والمصانع التكنولوجية والقواعد العسكرية إلخ…

لهذا  السبب تخوض إسرائيل حرباً خفية مع إيران على مدى السنوات الخمس الماضية لمنع طهران من تحقيق هدفها المتمثل في تطويق إسرائيل فعليًا بوكلائها في لبنان وسوريا والعراق وغزة، وجميعهم مسلحون بهذه الصواريخ الدقيقة. كان السعوديون يحاولون فعل الشيء نفسه ضد وكلاء إيران في اليمن، الذين أطلقوا النار على مطاراتها. هذه الصواريخ أكثر فتكًا بكثير.

لاحظ كريم ساجادبور، الزميل الأول في مؤسسة كارنيجي: “فكّر بالفرق بين براعة الهواتف الغبية والهواتف الذكية”. “خلال العقود الماضية استنفذنا كل الجهود لمنع إيران من الحصول على الأسلحة الكبيرة ولكن آلاف الأسلحة الذكية الصغيرة التي تملكها إيران وتنتشر أصبحت هي التهديد الحقيقي لجيرانها”. لهذا السبب، لا تريد إسرائيل وحلفاؤها في الخليج رؤية أميركا وهي تتخلى عن نفوذها، وعن العقوبات في الملف النووي ـ بما فيها النفطية ـ قبل أن تستخدم هذا النفوذ من أجل الحصول على التزام إيراني بالتوقف عن تصدير الصواريخ الدقيقة لوكلائها.

وسيكون من الصعب للغاية التفاوض بشأن ذلك.

لذا، إذا كنت تخطط للاحتفال بالعودة إلى الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من تنصيبك، احتفظ بالشمبانيا في الثلاجة. المسألة معقدة”(ترجمة بتصرف نقلاً عن “نيويورك تايمز“).

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  هل تآمر أقرب حلفاء الأردن للإطاحة بملكه؟