لم تُقرِّبْ صفقة القرن العرب أو الفلسطينيين من تحقيق السلام، بل على العكس قتلت أى فرصة حقيقية للتوصل لاتفاق مناسب بعدما تبنت إدارة ترامب الموقف الإسرائيلى بصورة كاملة.
ومع مغادرة ترامب البيت الأبيض، ستُدفن الخطة رسميا وعمليا، ولن يكون هناك أى وجود أو أثر سياسى لهذه الصفقة ولا لعرابيها وعلى رأسهم جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومهندس صفقة القرن، إلا أن تبعاتها قد تستمر وقد لا يمكن تعديل بعض أجزائها من جانب إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، خاصة ما يتعلق بسفارة أمريكا فى القدس.
***
فى كانون الأول/ديسمبر 2017 اعترف الرئيس ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وأعلن عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وتم افتتاح السفارة بالقدس فى أيار/مايو 2018، وذكر فى لقاء لاحق مع رئيس الوزراء الإسرائيلى على هامش منتدى دافوس 2018 أنه قد تم إخراج قضية القدس من على مائدة التفاوض.
وتوترت العلاقات الفلسطينية الأمريكية لدرجة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث، وقد عبر ترامب بغضب عن موقف إدارته بالقول عقب لقائه مع بنيامين نتنياهو على هامش منتدى دافوس «لم يحترمنا الفلسطينيون، فقد رفضوا الجلوس والحديث مع نائب الرئيس الأمريكى، نحن نعطيهم مئات الملايين من الدولارات من المساعدات والمنح، ولا أفهم لماذا يستمر ذلك، الأموال موجودة ولن نعطيها لهم إلا إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام».
وتضمنت صفقة القرن التى تم الإعلان عنها من داخل البيت الأبيض فى كانون الثاني/يناير 2020 إعادة رسم الحدود بالضفة الغربية لضم المستوطنات الكبرى ومنطقة غور نهر الأردن لإسرائيل، كما توفر الخطة حكما ذاتيا محدودا للفلسطينيين فى الضفة الغربية ومناطق شرق القدس، على أن يتزايد الحكم الذاتى للفلسطينيين على مدى أربعة أعوام إذا وافقت القيادة الفلسطينية على تدابير سياسية جديدة، واتخذت خطوات أخرى فى إطار المفاوضات مع إسرائيل، وتخلت عما وُصف بالعنف، كما تقضى الخطة الأمريكية بأن تبقى إسرائيل على السيطرة الأمنية فيما يتعلق بالمجال الجوى والأمن البحرى والحدود والمعابر البرية. وتمهد خطة ترامب لضم إسرائيل لأراضٍ فى الضفة الغربية دون سكانها العرب. وأوقف ترامب تقديم المساعدات للفلسطينيين وأغلق بعثتهم الدبلوماسية فى واشنطن.
***
فى حين عبّر برنامج الحزب الديمقراطى 2020 فى نسخته المبدئية عن معارضته «أى خطوات أحادية الجانب من أى من الجانبين ــ بما فى ذلك الضم الذى يُقوِّض أفق حل الدولتين. وسيواصل الديمقراطيون الوقوف ضد التحريض والإرهاب. نحن نعارض التوسع الاستيطانى. نحن نعتقد أنه فى حين أن القدس قضية ترتبط بترتيبات الوضع النهائى للمفاوضات، ينبغى أن تبقى القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، على أن تبقى مدينة غير مقسمة متاحة لأتباع كل الأديان».
لا أرى أى أفق لحلحلة الملف الفلسطينى ــ الإسرائيلى فى ظل عدم الاستقرار الداخلى فى إسرائيل التى ستشهد انتخابات جديدة بعد أربعة أشهر. ويدعم حظوظ تجمد ملف عملية السلام عدم وجود أى حاجة أو ضغط من الجانب العربى، وانشغال بايدن بملفات يراها أكثر خطورة على مصالح واشنطن
سيعيد الديمقراطيون العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والفلسطينيين ويتم إعادة المساعدات إلى الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وغزة، بما يتفق مع القانون الأمريكى، كما أشار البرنامج.
كما تعهد البرنامج معارضة أى جهد لنزع الشرعية عن إسرائيل، بما فى ذلك فى الأمم المتحدة من خلال المقاطعة وسحب الاستثمارات وحركة العقوبات، مع حماية الحق الدستورى للمواطنين فى حرية التعبير.
***
إلا أن بايدن قد أقر أنه لن يغير قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والذى اتخذه ترامب. ومع دخول إدارة جديدة لا تختلف كثيرا عن إدارة باراك أوباما، سيتم إعادة الدعم الذى قطعه ترامب عن الفلسطينيين، وفتح مكتب البعثة الدبلوماسية، وإعادة التمويل لوكالة أونروا، كما سترحب وتستمر إدارة بايدن فى الترحيب بالدول العربية التى انضمت إلى ما أطلق عليها باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل وتشجيع المزيد. وقال تونى بلينكين، وزير الخارجية المرشح، «إنه لا الإمارات أو البحرين كانت فى حالة حرب مع إسرائيل والحديث عن أهمية صفقات التطبيع مبالغ فيه قليلا لأن العلاقات موجودة أصلا».
***
وعبر الرئيس المنتخب بايدن عن رفضه لطريقة الرئيس ترامب فى التعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى، وقال بايدن «تتطلب خطة السلام أن يشارك الطرفان معا، ولا يمكن اتخاذ قرارات أحادية الجانب بضم أراضٍ محتلة والعودة بنا إلى الوراء، لقد أمضيت حياتى أعمل على توفير الأمن والرخاء للدولة اليهودية كى تحيا كدولة ديمقراطية، وما يقوم به ترامب ليس جيدا لإسرائيل».
ولم تنل خطة ترامب دعما أو موافقة على نطاق واسع داخل واشنطن، وتحفظ الديمقراطيون بصورة واضحة على تفاصيل الخطة، وأرسل 12 سيناتورا ديمقراطيا من أعضاء مجلس الشيوخ خطابا لترامب عبروا فيه عن رفضهم خطته لسلام الشرق الأوسط والمعروفة بصفقة القرن، واعتبروا أنها خطة غير محايدة. وجاء فى الخطاب أن «خطة ترامب تعكس مصالح طرف واحد، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة ويعرقل من تحقيق السلام القائم على مبدأ الدولتين بما يعكس الحقوق المشروعة وطموحات الشعبين الإسرائيلى والفلسطينى».
***
أضعف من أهمية طرح صفقة القرن إعلان الجانب الفلسطينى رفضه الكامل لها حتى دون الحاجة للنظر لتفاصيلها.
كما لن يكون لاتفاقيات التطبيع تأثيرا على رغبة الجانب الأمريكى بالعودة لإحياء مفاوضات تؤدى لحل الدولتين على غرار ما طالبت به كل الإدارات السابقة لإدارة ترامب.
ولا أرى أى أفق لحلحلة الملف الفلسطينى ــ الإسرائيلى فى ظل عدم الاستقرار السياسى الداخلى فى إسرائيل والتى ستشهد انتخابات جديدة بعد أربعة أشهر. ويدعم حظوظ تجمد ملف عملية السلام عدم وجود أى حاجة أو ضغط من الجانب العربى، وانشغال بايدن بملفات يراها أكثر خطورة على مصالح واشنطن.
(*) نقلاً عن “الشروق“