لم يقتصر الأمر على إجراءات إسرائيلية ميدانية على طول الحدود مع لبنان من الناقورة غرباً إلى مزارع شبعا شرقاً. فقد نقل موقع “يسرائيل هيوم” اليوم (الجمعة) عن “ضابط كبير” في قيادة الجبهة الشماليّة في الجيش الإسرائيلي إزدياد احتمال تنفيذ حزب الله هجومه الإنتقامي “في المستقبل القريب”، لكنه أردف بالقول أن الجيش الإسرائيلي “سيردّ بشدّة غير مسبوقة على حادثةٍ من هذا النوع”، وذلك بخلاف عدم إطلاقه النار على خلية لحزب الله اجتازت الحدود في منطقة مزارع شبعا المحتلة في تمّوز/يوليو الماضي وتركت آثاراً في الأرض، بحسب التسريبات العبرية، برغم تعمد حزب الله عدم النفي وعدم التأكيد.
وبالفعل أقرّ الضابط الإسرائيلي أنّ القرار في هكذا حالة “معقّد، واتخذ من قناعة بأننا إذا قضينا على خلية حزب الله، فالأمر سيقود إلى تصعيد واسع وهذا ليس وقته. لكن من المهم الفهم: هذه هي المرّة الأولى منذ الانسحاب من لبنان (2000) نتجهّز لاستيعاب خلية وللقضاء عليها”.
وأضاف الضابط “الحدود الشمالية تقترب من حادث تصعيدي، لا بل حتى من أيام قتاليّة”، وتابع “أنا مقتنع أنه سيحدث في المنطقة حادث سيكون أكثر قوّة من حادث “هار دوف” (مزارع شبعا المحتلة)، الأمر الذي قد يؤدّي إلى إصابات في الأرواح. الاحتمال أن يقع عنا هجوم يسفر عن إصابات كبير، وهذا يتطلّب منا أن نكون جاهزين. احتمال اندلاع أحداث يرتفع”.
يأتي كلام الضابط الإسرائيلي في ظل إستنفار معلن في صفوف حزب الله في لبنان في الأسابيع الأخيرة، وهو جزء من إستنفار أكبر يشمل كل حلفاء إيران في سوريا ولبنان والعراق. زد على ذلك حالة التأهب القائمة في إيران نفسها وأيضا في قطاع غزة والتي بلغت ذروتها في المناورة العسكرية الأولى من نوعها التي قامت بها الفصائل الفلسطينية كلها (“حماس” و”الجهاد” وحتى بعض الفصائل المحسوبة على حركة “فتح” في غزة) وحاكت إحتمال مواجهة عسكرية في الجبهة الجنوبية.
تزامن ذلك مع نقل قطر “رسائل تهدئة ـ تهديد” بين طهران وواشنطن خلال الأسبوع الحالي ومع حالة إستنفار أميركية في منطقة الخليج زاد وطأتها التحشيد الأميركي غير المسبوق سواء بالقاذفات النوعية (بي 52) أو بإرسال غواصة نووية (ذكرت شبكة “سي إن إن” أن البنتاغون قرر سحب حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” من منطقة الخليج). هذا المناخ، إستدعى سعياً إيرانياً حثيثاً إلى سحب الذرائع في كل الساحات، مخافة إقدام إدارة دونالد ترامب في آخر عشرين يوماً على تنفيذ ضربة عسكرية أو أمنية ضد إيران أو أحد حلفائها في المنطقة. وبدا واضحاً أن نقطة الضعف الكبيرة عند الإيرانيين هي في العراق، حيث باتت القدرة على “ضبط الحلفاء”، على مسافة سنة من إغتيال قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، مهمة صعبة جداً، لا سيما أن خليفته الجنرال إسماعيل قاآني، لم يتمكن حتى الآن من ملء الفراغ، بدليل حالة التفلت في فصائل “الحشد الشعبي” إزاء قضية إستهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في هذه اللحظة تحديداً!
ثمة مناخ من التحشيد والمناورات من جهة وضبط النفس والتهيب من جهة أخرى. الكل يناور والكل يراقب والكل يده على الزناد. لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية الطلقة الأولى، ولا أحد يستطيع التنبؤ من يكون قادراً على التحكم بالصلية الصاروخية الأخيرة
وفيما تم الكشف أمس (الخميس) عن لغم بحري كبير ملتصق بجانب سفينة في ميناء أم قصر بمحافظة البصرة، واصل الأميركيون تعزيز إجراءاتهم في محيط السفارة الأميركية في بغداد، وفي عدد من قواعدهم العسكرية داخل العراق أو على طول الحدود العراقية السورية، وذلك مخافة وقوع هجمة/هجمات لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإغتيال سليماني، علماً أن موفد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي زار طهران مطلع الأسبوع الحالي، عاد بإنطباع مفاده أن طهران طلبت من جميع الحلفاء في “الحشد الشعبي” ضبط النفس وعدم الوقوع في فخ أي ردة فعل أو “أية أعمال متهورة”..
وأبعد من قضية الإنتقام إلى سليماني أو المقاتل الذي تعهد حزب الله بالإنتقام له، فإن قضية الصواريخ الدقيقة تستمر نقطة أولى على جدول أعمال الإسرائيليين وهم يريدون جعلها بنداً رئيسياً على جدول أعمال أية مفاوضات أميركية ـ إيرانية، غداة تسلم جو بايدن السلطة في العشرين من كانون الثاني/ يناير الحالي. في هذا السياق، قال قائد سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي الجنرال عميكام نوركين إنّه “ليس من الجيد بالنسبة لإسرائيل أنْ يكون هناك طائرات متطورة في أجواء المنطقة”، ونقلت عنه وسائل إعلام عبرية اليوم (الجمعة) أنّ إسرائيل “لن تقبل بتاتًا بالقدرات الإيرانية على الحدود (الشمالية) ولن تقبل بقدرات صواريخ دقيقة في لبنان”.
ويمكن القول إن موقف نوركين هو أول رد رسمي إسرائيلي على المواقف التي أعلنها الأمين العّام لحزب الله في مقابلته الأخيرة مع فضائية “الميادين”، يوم الأحد الماضي، والتي أكّد فيها امتلاك الحزب كماً كبيراً من الصواريخ الدقيقة، القادِرة على إصابة كلّ هدفٍ داخل العمق الإسرائيليّ من دون إستثناء.
وكانت رسالة الصحافي الأميركي توماس فريدمان، الشهر الماضي، إلى جو بايدن، قد سلطت الضوء على قضية الصواريخ الدقيقة، معتبرا أن يوم 14 أيلول/سبتمبر 2019، هو تاريخ “إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال هذه الضربة الصاروخية الإيرانية الدقيقة” التي إستهدفت أضخم حقول النفط السعودية في البقيق، بدليل أن حزب الله في العام 2006 كان يوجه 20 صاروخاً “غبياً” حتى يصيب أحدها هدفه، بينما اليوم بات بمقدوره توجيه 20 صاروخاً دقيقاً “مع احتمال كبير أن يصيب كل واحد منها هدفه، مثل المطارات والمفاعل النووي والموانئ ومولدات الطاقة والمصانع التكنولوجية والقواعد العسكرية”، في إسرائيل، على حد تعبير توماس فريدمان.
ثمة مناخ من التحشيد والمناورات من جهة وضبط النفس والتهيب من جهة أخرى. الكل يناور والكل يراقب والكل يده على الزناد. لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية الطلقة الأولى، ولا أحد يستطيع التنبؤ من يكون قادراً على التحكم بالصلية الصاروخية الأخيرة. وبين الأولى والأخيرة، يكون هناك رابح وخاسر، كما حصل في حرب لبنان الثانية في العام 2006.